الاخشاب حين تدين الانسان

نشر في 15-11-2009
آخر تحديث 15-11-2009 | 00:01
 آدم يوسف من المؤكد أن البشر تعلموا العناق

من الأغصان الملتفة

الفرق:

أن الشجرة لا تطعن شجرة من وراء ظهرها

● محمد توفيق.

«الأشجار تموت واقفة»... عبارة استعارها الكتاب، ووُظفت في كل السياقات المتعلقة بالصمود، والمقاومة والكفاح، إلى غير ذلك من الخطب الإنشائية التي لا تبرح المنبرح أو الجموع المستقبلة، ولكن ما علاقة الإنسان بالشجر؟ سؤال خطر لي وأنا أتصفح ديوان الشاعر الزميل محمد توفيق «سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت». هي علاقة فلسفية تاريخية، تتعلق بالجذور، أو الأرض ذاتها. الأرض التي تحوي رفات البشر، فتحولهم إلى أشجار سامقة يخرجون من باطنها. أتذكر في هذا الصدد قصص العذريين من التراث العربي، ما إن يموت شاعر منهم، حتى يدفن بقرب حبيبته، فيخرج من القبر غصنان فارعان، يتعانقان في الهواء. دليل امتداد العشق وتواصله حتى بعد الموت.

قد لا تبدو قصائد محمد توفيق بهذا القدر من السذاجة، والبساطة، والحب العذري، فتوفيق يطرح عبر قصائده أسئلة مهمة تدين الإنسان، وتعريه أمام الشجرة وأمام أخيه الإنسان، فالأشجار لا تعرف الحقد، وتمنحنا الثمار، ولا تطعننا من الخلف كما يفعل أخونا الإنسان. يقول: «الشجرة مثلي الأعلى في اخضرار الفؤاد/ ومنح الخير للكائنات/ الأغصان قدوتي في التسامي عن الضغائن/ ما من غصن أُلقي بحجر إلا وجاد بالحياة/ رغم نزف روحه/ وما من شخص طعنني إلا ودعوت الرب أن يعفو عنه».

هي الأرض إذن تمنحنا ثمارها، فنستغل عطاءها لإشعال الحرائق، وتجويع الامم وظلم بني البشر. ما أقسى الإنسان.

الشاعر محمد توفيق من مواليد محافظة قنا في مصر، ويحمل إجازة في اللغة العربية. هو ليس من أدباء القاهرة بالتأكيد، ويحمل في داخله روحاً محملة بالطبيعة، والبيئة، وحب التراث، وهي سمة يتميز بها أدباء الأقاليم في مصر. توحّد الشاعر إذن مع البيئة وسكنت الأشجار جذوره. الأشجار التي يراها ويتسلقها أمام فناء المنزل، وفي طريقه إلى المدرسة. يستعيد توفيق كل ذاكرته الطفولية، هذه ويوظفها عن طريق تأمل شعري عميق في استكناه العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي علاقة لا تنتهي في الغالب لمصلحة بني البشر.

ليس من السهل على الشاعر أن يشتغل على تيمة محددة، ويسطر بشأنها ديواناً كاملاً، فالقاموس الشعري لابد أن يكون متنوعاً وغنياً، وكذلك فلسفة الجوانب المطروقة في الموضوع يجب أن تكون منوعة وغنية، فالفكرة الواحدة يمكن أن تنتهي في سطرين، ويمكن أن تمتد إلى ديوان يقترب مئة صفحة، كما حصل مع الشاعر توفيق.

يحضرني في هذا السياق أيضاً نص شعري مطول كتبه الشاعر أحمد مطر، ونشره قبل ما يربو على عشرة أعوام بعنوان: «حديث الأبواب» يتطرق مطر في قصيدته تلك إلى الأبواب بجميع فئاتها وأصنافها، وعلاقتها بالإنسان: أبواب السجون، والفنادق، والمصاعد وغرف النوم. تتحدث هذه الأبواب، تراقب بني البشر، وتتلصص على أسرارهم، خصوصاً «أبواب غرف النوم» التي تخبئ الأسرار، وأبواب السجون. التي تئن وتشتكي. قصائد مطر مطعمة بلغة ساخرة، وتركز كثيراً على الأبواب الخشبية. الأمر الذي يجمعها بقصائد محمد توفيق، لكن الأخير يميل إلى التأمل، ويقارب الأسئلة الوجودية المتعلقة بالموت، والعلاقة بالسماء، يتساءل في إحدى قصائده عن روح الإنسان التي نحملها على ظهر خشبة ونجهل مصيرها!

back to top