تحقيق الحب... مشاعر إنسانية راقية تسمو فوق غريزة الشهوة المحرمة

نشر في 08-09-2009 | 00:00
آخر تحديث 08-09-2009 | 00:00
 الحب من الأمور الجميلة التي دعانا إليها ديننا الإسلامي الحنيف، إذ لا شيء يستقيم دون مشاعر الحب والود. فالحب بدأ منذ نشأة الحياة الإنسانية على الأرض، وهو أساس الوجود، استناداً إلى أن الله عز وجل قد خلق آدم وحواء وأسكنهما الجنة، ثم أهبطهما إلى الأرض لتنتشر الذرية بعد ذلك.

ولقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «حبب إليَّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»، ويلاحظ هنا أن «حب النساء» الطاهر الشريف جاء في مقدمة الحديث، لذا فالشعور بالميل والانجذاب نحو النساء وبالعكس هو أمر فطري طبيعي يؤيده الإسلام شريطة أن يكون في الإطار الشرعي وهو الزواج.

علماء الدين استقروا على قاعدة فقهية مهمة، مفادها أنه لا حكم شرعياً في ما استقر في القلب من شعور، وما يترتب عليه من حلال أو حرام هو ذات القاعدة المطبقة على الحب بين الرجل والمرأة.

تقول د. آمنة نصير (أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر): الحب لغة سامية ومصطلح رائع، ومن يختزله في المفهوم المحرم فإنه يؤدي إلى غياب الإنسانية في الأرض، فالإنسان إذا لم يعرف حب ربه ورسوله ووالديه وأبنائه وزوجته أو حتى حبيبته، فهذا لا يكون إنساناً، والمقصود هنا هو الحب بمعناه الأخلاقي الكبير الذي ينطوي على تعزيز للإسلام. الإسلام ينظر إلى الحب بالمفهوم السامي الواسع الكريم من وحي المعاني التي تصب في إبداع الحياة وتنمية الأخلاق في الأرض.

تضيف د. نصير: «نحن نختزل الحب في العلاقات المحرمة أو غير المستحبة بين الرجل والمرأة، والتي تنتج عنها كوارث، لكن الحب الحقيقي لا بد أن يكون أمام الجميع، فلا يخجل منه أحد وينتهي بالزواج، وإن انتهى بهذا الشكل فلا يستطيع أحد أن يحرمه».

يعلق الداعية الإسلامي المعروف الشيخ مبروك عطية بقوله: «إن الإسلام دعوة إلى التحاب، وهذا هو الفرق بين الحب والتحاب، فالحب بين الناس إن تحقق كان بُغية عالية وهدفاً جميلاً، وإن لم يتحقق فلا بد من التحاب.

التحاب هو تقديم أسباب الحب، فكل إنسان يستطيع ذلك، لكن ليس كل إنسان بوسعه أن يحب، بمعنى أن أعدل معك أو أرحمك، لكن ليس معناه أنني أحبك، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم».

أما بالنسبة إلى حب الله ورسوله فهو حب واجب، لأن الدين مبني على الحب. والحب بين الزوجين من مقتضيات الزواج، وإن تحقق كان منتهى المُنى، وإن لم يتحقق فلا يعني ذلك هدم الحياة الزوجية والكيان الأسري لقوله تعالى: «فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء: 19) وقبل الزواج يجب العمل بقول الله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى» (الإسراء: 32).

ويضيف عطية: «الحب هو إحساس باهر وممتع يجعلك تحب الحياة رغم مرارتها وتحب مَنْ حولك حتى أعداءك».

ومن فوائد الحب وقيمته في الإسلام أنه يجعلك تعطي شعور الحب دون إحساس بمرارة العطاء، ودليله عن علي رضى الله عنه مرفوعاً: «ولا يحب رجل قوماً إلا حُشر معهم» وقوله (عليه الصلاة والسلام): «ما أحب عبدٌ عبداً لله إلا أكرمه الله عز وجل».

أما معنى الحب وفق د. محمد المُسيَّر (أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر) فهو ما استقر في القلب من شعور معين نحو الآخر، ولا يتعلق به حكم شرعي لأنه مكنون في صدر الشخص، وإنما يتعلق بالحب الساكن في الفؤاد، فإذا أخذت هذه المشاعر طريقها السوي في إطار شرعي يتوج بالزواج فهذا لا غبار عليه، ولا نستطيع وصفه بالحب الحرام. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حب عائشة: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك» وكان يعني ميل قلبه (صلى الله عليه وسلم) إلى عائشة (رضي الله عنها) أكثر من بقية نسائه، بمعنى أنه حين يتعلق قلب الإنسان بامرأة لا يأتي الإسلام ويقول له يجب عليك أن تُخرج هذا الحب من قلبك، وإنما يضع الإسلام أمامه المنهي عنه في قضايا التعامل مع المرأة، مثل النهي عن النظر والمصافحة والخلوة، وما هو أكثر من ذلك، وفي المقابل يفسح له المجال للزواج ممن أحب، أي أن الإسلام يُهذّب الحب وفق مشاعر إنسانية راقية تسمو فوق غريزة الشهوة المحرمة.

back to top