كيف سيحكم العراقيون على نتيجة الاحتلال؟

نشر في 02-04-2010
آخر تحديث 02-04-2010 | 00:01
مع تراجع دور الولايات المتحدة في العراق ومطالبة العراقيين بسيطرة أكبر على شؤونهم ومصيرهم، نجدهم اليوم منشغلين في حبك حكايات عما حدث لهم ومحاولة تحديد المكان الذي ستشغله هذه الحكايات في ذاكرتهم عن الحرب. كيف سيحكم العراقيون في النهاية إذن على الحرب؟
 ذي ناشيونال منذ أسبوع، عُرض شريط مصوّر مزعج للغاية على شبكة الإنترنت شكّل جزءاً بسيطاً من المأساة التي اجتاحت العراق منذ عام 2003. أظهر الشريط مروحية أميركية مسلّحة تقتل عشوائياً اثني عشر مدنياً عراقياً عرفتهم خطأً على أنهم متمردون لأن أحدهم، صحافي لدى وكالة "رويترز"، كان يحمل آلة تصوير تلفزيونية سوداء خالها طاقم المروحية قاذفاً صاروخياً.  

إن المكالمة التي جرت بين الطيارين الأميركيين ومقر القيادة خلال عملية القصف تقشعر لها الأبدان. نزع الطيارون، الذين كانوا يحلقون بأمان عالياً في السماء، الصفة الإنسانية عن أهدافهم، ما جعل عملية القتل أسهل عبر تصوير الأشخاص على الأرض كأشياء.   

وعلى الفور، أُطلقت الدعوات في أنحاء العالم العربي التي تطالب بمعاقبة الطيارين باعتبارهم مجرمي حرب. في هذا الإطار، كتبت الروائية العراقية المنفية، هيفا زنكنة، في صحيفة "ذا غارديان" عن "الغضب الذي اعتمل في قلبها" خلال مشاهدتها الشريط والغيظ الذي انتابها عند تذكرها مجازر مماثلة.

لم تكن بلا شك الوحيدة في ذلك، فقد تكرر عرض الشريط المصور على محطات تلفزيونية فضائية عربية وأصبح محور برامج حوارية عدة محتدمة، لكن على الرغم من أن قوة الشريط تكمن في وحشيته ونقله المباشر، لايزال محتواه غامضاً. من غير الواضح إن كانت تلك الحادثة جريمة حرب. تنطبق هذه العبارة بشكل أفضل على "مجزرة حديثة"، وهي عملية انتقام دموية نفّذتها مشاة البحرية الأميركية، أو فضيحة سجن أبو غريب، التي تضمنت سلسلة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان تغاضى عنها الجيش الأميركي.

على غرار هاتين الحلقتين الأليمتين، تفاقمت مأساة بغداد بسبب التغطية اللاحقة لها، فقد وقع الهجوم في خضم زيادة لعدد الجنود الأميركيين لإضعاف حركة التمرد بشكل حاسم وحماية المدنيين العراقيين في الوقت عينه، ولعل الجيش الأميركي ارتأى بأن كشف الحقيقة قد يضر بمساعيه التي يهدف بها إلى استعادة ثقة الشعب العراقي.   

وهكذا، مع تراجع دور الولايات المتحدة في العراق ومطالبة العراقيين بسيطرة أكبر على شؤونهم ومصيرهم، نجدهم اليوم منشغلين في حبك حكايات عما حدث لهم ومحاولة تحديد المكان الذي ستشغله هذه الحكايات في ذاكرتهم عن الحرب. كيف سيحكم العراقيون في النهاية إذن على الحرب؟  

هل بواسطة دوافعهم، الحقيقية أم المفترضة؟ لايزال يعتقد أحد العراقيين الذي التقيت به بأن الولايات المتحدة تسعى وراء الثورة النفطية في العراق، وأنها تنوي حتى تسليم بغداد إلى اليهود الذين عاشوا هناك في السابق.

يشكل الإخفاق المسلّم به في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشمال معياراً آخر للحكم على الحرب على أساسه، وكذلك هو انهيار المثل الديمقراطية السامية في العراق.  

هل سيحكم العراقيون على الحرب من خلال سوء إدارة الاحتلال؟ حتى عام 2007، كانت الولايات المتحدة عمياء تجهل كلياً ما كانت تقوم به في العراق. هل كان هدفها التحرير، أم الاحتلال، أم بناء أمة؟ على أي حال، فشلت فشلاً ذريعاً في هذه الأهداف الثلاثة جميعها. من الانتقادات التي غالباً ما نسمع بها أن الولايات المتحدة لم تحل إدارة العراق إلى العراقيين بالسرعة الكافية، وأنها بذلك، أصبحت قوة محتلة بحكم الواقع. لا عجب أن ذلك الانتقاد يتفوّه به عراقيون أمثال الشهير أحمد جلبي الذي كان يأمل حكم البلاد.  

وعلى نحو لافت، يتمثل انتقاد آخر موجّه إلى الاحتلال الأميركي في أن هذا الأخير لم يكن فعالاً أو عديم الرحمة بما يكفي، بخلاف قوى الاستعمار الأوروبي مثلاً التي طورّت أدوات للسيطرة على الأراضي النائية وإدارتها، أم سيحكمون على الحرب على أساس حصيلة ضحاياها؟

 أفادت مجلّة The Lancet في أواخر عام 2006 بأن الحرب أودت بحياة 650 ألف شخص (مع العلم بأن إحصاءات أكثر مصداقيةً تشير إلى ربع ذلك العدد).

فضلاً عن ذلك، كيف نقيّم تهجير المجتمع العراقي، من ملايين النازحين داخلياً إلى اللاجئين في البلدان المجاورة؟ تلفت الصحافية الأميركي ديبورا آموس في كتابها المؤثر Eclipse of the Sunnis إلى أن أثر الحرب في هوية البلاد ونسيجها كان أشبه بزلزال.

أم هل سيحكم العراقيون على أساس النتائج السياسية التي حققها الاحتلال؟ بدأت الانتخابات تُنظّم، وبات النظام العراقي أكثر تمثيلاً وشموليةً من أي وقت مضى. لكن لايزال يشوبه الخلل، وسيقرر العراقيون دعمه بالاستناد إلى نوعية الحوكمة ومدى توافر الخدمات. لم يتمكن الجيش الأميركي بكل عظمته على مدى خمس سنوات من إعادة القدرة الكهربائية إلى المستويات التي كانت عليها قبل الحرب، فهل سيبلي السياسيون الجائعون والفاسدون أفضل منه؟

وماذا بشأن زوال الاحتلال؟ تريد الولايات المتحدة، ولاسيما الناخبون فيها، الخروج من العراق، بالرغم من إدراك الجيش مدى هشاشة المكاسب التي حققها على مر السنوات الثلاث الماضية. فمنذ بضعة أسابيع، سأل قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال راي أودييرنو، الأميركيين الذين ذُعروا من هول تكلفة الحرب في العراق "نسيان سبب مجيئنا إلى هنا".

وأخيراً، سيكون على العراقيين تحديد حجم اللوم الذي سيلقون به على الانقسامات السياسية والطائفية في بلدهم. بصفتي مواطناً لبنانياً، أعلم كم من أشخاص يحاولون كتابة التاريخ للتملّص من مسؤولياتهم بعد نشوب حرب أهلية. فنضج شعب ما مرتبط إلى حد كبير باستعداده للنظر إلى الخلف وتحمله جزءاً من المسؤولية.  لفهم أفضل لكيفية رؤية العراقيين عمليات القتل في بغداد والسنوات السبع الماضية، لجأت إلى أحد علماء الاقتصاد العراقيين المقيمين في بغداد كنت قد التقيت به في عام 2006، وبالعودة إلى ذلك التاريخ، رحّب بسقوط النظام البعثي قبل أن ينتابه اليأس ويناهض الاحتلال الأميركي، حتى أنه طلب مساعدتي لكي يهاجر إلى لبنان. ومع ذلك تحدث عن القائد الأميركي ديفيد بتريوس كمخلّص للعراق.

على الرغم من استيائه من عمليات القتل التي نفذتها المروحية في بغداد، لم يطالب بالانتقام أو العدالة. يقول: "كانت الأمور غامضة ومربكة، والوقت غير مناسب اليوم بعد للقيام بفحص داخلي. أولاً، يحتاج العراق إلى حكومة لحلحلة الأمور".

لعل استخدامه المتبادل لكلمتي "التحرير" و"الاحتلال" خلال حوارنا يعكس كيف مضى هو وعراقيون آخرون أعرفهم في حياتهم قدماً بداعي السأم والحاجة، لكن لا شك ببعض الارتباك والكثير من الألم.

* إميل الحكيم | Emile Hokayem

back to top