إسرائيل والولايات المتحدة والعالم... جدار من الغموض

نشر في 04-04-2010
آخر تحديث 04-04-2010 | 00:01
يرى نتنياهو أنه لا يستطيع الاستجابة للمطالب الأميركية للتخفيف عن الفلسطينيين والدخول في القضايا الجوهرية لأن حلفاءه من التيارين القومي والديني في ائتلافه الحاكم سيتمردون عليه إن فعل ذلك، لكن فريق أوباما قد لا يكون مستعداً بعد اليوم للقبول بهذا الأمر كذريعة.
 إيكونوميست  شبّه الإسرائيليون المتشائمون الحدث التالي بتسلل السارقين أثناء الليل، فحينما التقى بنيامين نتنياهو ومستشاروه باراك أوباما في البيت الأبيض في 23 مارس، منع الرئيس جميع وسائل الإعلام من تغطية الحدث في المكتب البيضاوي، وحتى من التقاط صورة سريعة، ولم يؤد الاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على ما يبدو إلى المصالحة السارة التي أمل بها السياسيون من كلا الجانبين بعد أسبوعين من حملات التشهير الغاضبة بين واشنطن والقدس.

بدا اللقاء غريباً بقدر السرية المفرطة، فبعد أن جلس الرئيسان بمفردهما لساعة ونصف الساعة، انفرد نتنياهو بمستشاريه لسؤالهم رأيهم، وذلك قبل العودة إلى نقاش دام لنصف ساعة إضافية، فهل اختار أوباما، الذي يستمتع بالنجاح بعد انتصاره التاريخي في مسألة الرعاية الصحية، تحدّي رئيس الوزراء الإسرائيلي الفصيح اللسان بشكل صريح بأن يضع خطته بشأن السلام مع الفلسطينيين، ويعدِل عن المسألة المثيرة للجدل المتمثلة في بناء منازل لليهود في القدس الشرقية الملحقة بإسرائيل، والتي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المحتملة؟

اتضحت الحاجة إلى مثل هذا الوضوح في مشروع بناء إسرائيلي آخر في القدس الشرقية، أُعلن عنه قبل ساعات من اللقاء في البيت الأبيض، وسادت توقعات في إسرائيل مفادها أن أحدهم سرب خبر هذا المشروع غير المواتي زمنياً والذي يجري التحضير له منذ وقت طويل، لجعل نتنياهو يبدو كاذباً، وهو على وشك لقاء رئيس أهم دولة حليفة لإسرائيل.

اندلعت الأزمة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية قبل أسبوعين حين أُعلن عن بناء 1600 منزل لليهود في القدس الشرقية خلال زيارة نائب الرئيس، جو بايدن، القدس. قدم نتنياهو أشد الاعتذارات عن التوقيت السيئ، لكنه رفض إبطال القرار، فالمستوطنة المعنية، "رامات شلومو"، تشكّل واحدة من المستوطنات اليهودية العديدة التي بُنيت منذ عام 1967 في القدس الشرقية، حيث يعيش اليوم 250 ألف يهودي إسرائيلي.

المشروع الأخير أصغر بكثير إذ يضم 20 وحدة سكنية فقط، إنما أكثر إثارةً للقلق، فبينما بُنيت "رامات شلومو" على أرض صخرية في الحافة الشمالية من البلدية التي رسمت حدودها إسرائيل، يقضي مشروع البناء الجديد بنقل عدد كبير من الأسر اليهودية المستوطنة إلى موقع أحد الفنادق المزمع هدمه في حي الشيخ جرّاح المكتظ بالسكان العرب، بالقرب من البلدة القديمة.    

من جهته، يجادل نتنياهو بأن خطة البناء التي وضعها في القدس لا تختلف عن تلك التي وضعها أسلافه جميعهم منذ عام 1967، حين اجتاحت القوات الإسرائيلية المدينة بكاملها، وقال أمام نحو سبعة آلاف شخص شاركوا في المؤتمر السنوي الذي عقدته لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) النافذة، لوبي مؤيد لإسرائيل، في 22 مارس في واشنطن: "بدأ الشعب اليهودي عمليات البناء في القدس منذ ثلاثة آلاف عام، ولايزال يبني القدس إلى اليوم، فالقدس ليست مستوطنة، إنما عاصمتنا". هذا ويشتكي سراً من أن أوباما يضغط عليه من دون جدوى.

في المقابل، يشتكي المسؤولون الأميركيون سراً من أن نتنياهو ينافق، ويشيرون في هذا السياق بأن اثنين من أسلافه، إيهود باراك (1999-2001) وإيهود أولمرت (2006-2009) تفاوضا مع الفلسطينيين بشأن خطة سلام للقدس طرحها الرئيس بيل كلينتون مقترحاً تقسيم سيادة المدينة وفق المحافظات: فتكون المحافظات التي يسكنها يهود من حق إسرائيل، وتلك التي يسكنها عرب من حق فلسطين. أما "الحرم المقدس" في الوسط، بما في ذلك الأماكن الدينية المقدسة، فسيقع ضمن وصاية دولية أو دينية.   

يشدد أوباما اليوم على أنه يجب معالجة مسألة القدس، فضلاً عن المسائل الجوهرية الأخرى في الصراع، مثل إعادة رسم الحدود وعودة اللاجئين التي يُطالب بها الفلسطينيون، في "محادثات الجوار" التي يحاول إطلاقها بين الإسرائيليين والفلسطنيين، ويأمل أن تؤدي هذه المحادثات إلى استئناف المفاوضات المباشرة المتعثرة منذ زمن طويل، ويريد أوباما أيضاً من إسرائيل سلسلة من "الخطوات البانية للثقة" لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، من ضمنها إطلاق سراح السجناء الفلسطنيين وإزالة الحواجز العسكرية الإسرائيلية على الطرقات والتي تعيق حياة الفلسطينيين وتجارتهم في الضفة الغربية. من جهته، يقول نتنياهو إنه لا يستطيع الاستجابة لهذه المطالب لأن حلفاءه من التيارين القومي والديني في ائتلافه الحاكم سيتمرّدون عليه إن فعل ذلك. لكن فريق أوباما قد لا يكون مستعداً بعد اليوم للقبول بهذا الأمر كذريعة، فقد شعر بعض المراقبين في واشنطن بأن نتنياهو لم يعر البتة اهتماماً لأوباما في خطابه أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك" وتجاهل إصرار الرئيس على أن تتطرق المحادثات المتجددة بين إسرائيل والفلسطينيين مباشرةً إلى القضايا المهمة مثل تعديل الحدود، وصرح رئيس الوزراء: "لا شك أن الولايات المتحدة تستطيع مساعدة الطرفين على حل مشاكلهما، لكنها لا تستطيع حل هذه المشاكل بالنيابة عنهما. فالسلام لا يمكن أن يُفرض من الخارج".

فضلاً عن ذلك، أفيد عن إمكان أن يكون خطاب نتنياهو قد كُتب قبل نجاح أوباما في حمل مجلس النواب على إقرار قانون الرعاية الصحية في الليلة السابقة. قيل في هذا السياق إن المسؤولين في البيت الأبيض كانوا يتميزون غيظاً باستمتاع نتنياهو الواضح حين بدت حظوظ أوباما السياسية في وقت مبكر في تراجع.

بالفعل، عانى نتنياهو وقتاً عصيباً في الحفاظ على تماسك تحالفه. فمباشرةً قبل مغادرته إلى واشنطن، أقنع هو ووزير الخارجية القومي المتشدد في حكومته، أفيغدور ليبرمان، كلاهما يهوديان علمانيان، الأغلبية في الحكومة بقبول مطالب طائفة اليهود الأرثوذوكس المتشددة بنقل موقع غرفة طوارئ جديدة في مستشفى بتكلفة عالية لأن الموقع المُعد سابقاً لها يحتوي على قبور ليهود قدامى... تعتبر طائفة اليهود الأرثوذوكس التي تتولى وزارة الصحة، شريكا مهماً في تحالف نتيناهو وقد هددت بالانسحاب منه ما لم يتم ذلك.   

نتيجةً لذلك علت أصوات الاحتجاج، فكان على نتنياهو العدول عن رأيه مسبقاً في واشنطن عبر إنشاء لجنة للتحقيق في قرار الحكومة، لكن في الوقت الحاضر، سيفضل التوصل إلى تسوية مع شركائه الأرثوذوكس عوضاً عن البحث في الاحتمال الذي يفضله فريق أوباما وهو التخلّص منهم (ومن حصة ليبرمان أيضاً) واستمالة "حزب كاديما" الأكثر براغماتيةً بزعامة تسيبي ليفني. فبعد فوزها بأغلبية المقاعد في الانتخابات العامة منذ عام، رفضت هذه الأخيرة الانضمام إلى تحالف مع نتنياهو جزئياً لأنه لن يفاوض على مسألة القدس.   

العالم يحتشد ضدكم

واجه نتنياهو وضعاً محرجاً آخر حين انتقد وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند علناً إسرائيل لتزويرها جوازات سفر خاصة باثني عشر مواطناً بريطانياً استخدمتها في يناير لاغتيال أحد القادة البارزين في "حماس" في فندق في دبي، وكأنه لم يُحرَج بما يكفي بتوبيخ أوباما الواضح له. على إثر ذلك، طُلب من أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين في لندن، والذي يُعتقد أنه عميل في "الموساد"، مغادرة البلاد.

راقب الفلسطينيون بشماتة الانتقادات التي تلقتها إسرائيل من قبل حليفيها الرئيسين، وكذلك اغتبطوا عند إدانة اللجنة الرباعية الراعية للسلام (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة) بشدة خطط البناء الإسرائيلية في القدس الشرقية. وفي وقت سابق، حكمت المحكمة الدستورية التابعة للأمم المتحدة بضرورة ألا تمنح الدول الأوروبية المنتجات الإسرائيلية المصنوعة في المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية تعرفات تجارية تفضيلية.

من جهته، ردد محمود عباس، الزعيم الفلسطيني، مطالب أوباما بتجميد المستوطنات في القدس الشرقية، لكنه يخشى أن يجد نفسه مرةً أخرى في وضع بائس من دون دعم في حال استسلم الأميركيون وتخلوا عن المسألة، كما فعلوا في السابق. فضلاً عن ذلك، ينتابه القلق من أن تخرج عن السيطرة أعمال العنف الدائرة بين المحتجين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، والتي تصاعدت في الأسابيع الماضية. قُتل في الآونة الأخيرة أربعة فلسطينيين بالرصاص في الضفة الغربية. وحتى الساعة، تعاونت قوات الأمن الفلسطينية والإسرائيلية بفعالية إلى حد ما لاحتواء الاضطرابات، ومع ذلك، يخشى القادة الفلسطينيون اندلاع انتفاضة أوسع، ما يصعب عليهم استئناف المحادثات.

قد يرضى بعض الفلسطينيين بتطمين من إسرائيل بأن بناء المستوطنات في القدس الشرقية قد يتوقف خلال سير المحادثات، إلى جانب وعد إسرائيلي جدي بالتفاوض على الحدود والأمن بشكل فوري، لكن من غير المرجح أن يخاطر عباس باستئناف المحادثات من دون موافقة جامعة الدول العربية المؤلفة من 22 بلداً.  

back to top