آمال ماهر في بيت الدين حنين جنائزي إلى زمن الأصالة والعظمة

نشر في 07-07-2009 | 00:00
آخر تحديث 07-07-2009 | 00:00
نقلت وكالات الأنباء اللبنانية والعربية أنه خلال حفلة آمال ماهر في بيت الدين بقيادة المايسترو سليم سحاب، تم استحضار شاشة مقسومة إلى مثلّثين تستعيد لحظات حاسمة في حياة المطربة الراحلة أم كلثوم: لقاؤها بالعملاق محمد عبد الوهاب، ثورة الضباط الأحرار، سقوط الملكيّة، تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي.

بحسب شهود عيان، بدا لافتاً أنه كلما ظهرت صورة الزعيم المصري الراحل عبد الناصر على الشاشة، التهبت الباحة بتصفيق الحاضرين. وكأنهم يشعرون بـ{حنين جنائزي» إلى الزمن العروبي الناصري، ربما يحنون إلى رموز آفلة وغابرة، لكنها راسخة في الذاكرة. هل جاء التصفيق لصورة عبد الناصر بسبب أزمة الحاضر أم بسبب الفراغ المدقع؟ هل الجمهور في حالة «يتم» بسبب فقدانه «رموز الأمة»؟

مسألة استحضار رموز الماضي باتت نافلة سواء من خلال المسلسلات التلفزيونية التي تصوّر شخصيات معروفة مثل عبد الحليم حافظ وعبد الناصر والملك فاروق وروز اليوسف وأسمهان وطه حسين وسعاد حسني، أو من خلال استعادة أغنيات المطربين والمطربات الراسخة في الذاكرة، كأغنيات سيد درويش مثلاً أو أم كلثوم وأسمهان وفيروز، بل إن كثيرين من أهل الفن يحاولون استعادة الجمال القديم مثل إطلالة النجمة هند رستم وإغرائها، أو دلع سعاد حسني و{جلابيتها» أو صوت فاتن حمامة.

كأن أهل الزمن الراهن باتوا عاجزين عن إيجاد أغنيات جديدة ولو كانت تحظى باهتمام الجمهور الجديد. لنقل إن بعض الجيل الجديد يقع في أسر عظمة الماضي ويراوح مكانه.

قدمت آمل ماهر مجموعة من الأغنيات في بيت الدين، بدأت بـ{أنت عمري» من ألحان عبد الوهاب وأعقبتها بـ{سيرة الحب» لبليغ حمدي. لم تبتعد عن الأداء الكلثومي إلا في بعض الانفرادات التي حاولت أن ترسم بها أسلوبها الخاص. عبد الوهاب كان النجم الآخر للسهرة. فقد قدّمت له ماهر «دارت الأيام» وختمت بـ{ألف ليلة وليلة»، وبينهما حلّ السنباطي ضيف شرف بـ{الأطلال».

المفاجأة الكبرى كانت حماسة الجمهور، معلّقاً «عظمة على عظمة يا ست». إنها سكرة الحاضر بالماضي والوقوف على أطلاله واستعادة ألفاظه التي باتت في الذاكرة، كأن ماهر مجرد «مكرفون» وليست صاحبة صوت، وهي إن كانت تجيد «استنساخ» هذه الاغنيات، إلا أنها تبقى في المحصلة أسيرة عباءة «الست» ولا يقدر الجمهور جهدها ولا صوتها، بقدر ما يذهب إلى حضورها ليعيش لحظة الحنين الجنائزي الى «مطربة الأمة».

كان الرئيس المصري حسني مبارك أول من اكتشف المطربة آمال ماهر التي غنت أمامه خلال زيارته مبنى التلفزيون المصري عندما كانت طفلة دون الرابعة عشرة من العمر. وسرعان ما لفتت الطفلة الأنظار بأدائها المبهر لأغنيات أم كلثوم وصارت ضيفة على الاحتفالات الرسمية كافة لتغني أصعب القصائد والأوبريتات التي يعدها الفنان عمار الشريعي الذي تبنى المطربة وأطلقها فنياً. لكنها بعد سنوات حاولت التمرّد على استنساخ أم كلثوم وودعت القصائد ثم أطلقت ألبومها الذي يضم أغنيات سريعة وصورت منه فيديو كليبات ظهرت فيها بإطلالات جديدة تخالف مظهرها الكلاسيكي، لكن لم تستطع الخروج من الشرنقة أو الجلباب الكلثومي، ولم تقدم أغنية «ضاربة» واحدة.

هكذا صاحبة الصوت آمال ماهر تخرّجت في جلباب أم كلثوم، أو لنقل إن صاحبات الصوت القديم مدرسة المغنيات الجديدات، فإذا كانت ماهر اشتهرت كثيراً بعد مشاركتها في مسلسل أمل كلثوم والأمر نفسه بالنسبة إلى المغنية السورية وعد البحري التي أصبحت تحت الأضواء منذ أدائها أغنيات المطربة في المسلسل الذي حمل اسمها.

وظهر تأثير المسلسل في ترويج صوت البحري، في حفلة أقامتها دار الأوبرا السورية قبل مدة، تكريماً لأسمهان. وكانت المغنية السورية الشابة، جربت طرقاً عدة سعياً لإثبات موهبتها في الغناء. لكن الطرق كافة أوصلتها إلى «الإحباط واليأس» واعتكفت عن الغناء، على حد تعبيرها، وهي ترى «مغنين أصواتهم لا تسمع ومع ذلك يصيرون نجوماً»، إلى أن جاءت اللحظة التي تعتبرها «نقطة التحول الأكبر والأهم» في حياتها. وعندها اختارها منتجو المسلسل، الذي روى سيرة المطربة السورية أسمهان لأداء بعض أغنيات المطربة المشهورة، وبثها خلال مشاهد المسلسل.

يُذكر أن نجمة بيت الدين العام الماضي كانت كريمة الصقلي التي أدّت أغنيات للمطربة أسمهان، وكريمة التي قالت إن استمرار الطرب الأصيل مسؤوليتي لم تقدم أي أغنية خاصة لها وقعها لدى الجمهور العربي، بل لا نعرف ما مشروعها الخاص، والأمر نفسه مع آمال ماهر التي وإن سحرت الرئيس حسني مبارك في مصر، وأقطاب الجمهورية اللبنانية في بيت الدين فهي في أغنياتها الخاصة تبدو دون المستوى المطلوب، ولا يختلف الأمر مع وعد البحري التي ضجت بها الألسن مع اهتمامها بأغنيات أسمهان أو عيسى غندور الذي عاد الى أغنيات الموسيقار سيد درويش.

هذه هي «ثقافة المراوحة» في كل شيء. نختار رموز الماضي ونقف عند تقليدها سواء في الشعر أو الموسيقى أو الغناء أو الرواية، والجمهور يحب ثقافة المراوحة ربما لأنه بعيد عن الثقافة العابرة والحداثية، وهو العالق في مستنقع القرابة والقبلية والبطريركيّة التي تحتم على الابن السير على خطى أبيه.

back to top