أزمة الـ 40 مرحلة إلزاميّة تخطّوها بسلام!
سن الأربعين، هل هو العمر المثالي؟ هل هو عمر النضوج والانفتاح على الحياة؟ ليس بالضرورة وفقاً لعلماء النفس! قد تشير هذه المرحلة الانتقالية أيضاً إلى فترة متأزّمة تُسمّى {أزمة منتصف العمر}. يشعر بعض النساء بالإحباط خلال هذه المرحلة في حين تستفيد أخريات منها لتقييم حياتهنّ واستئنافها مجدداً. ما عوارض هذه الأزمة؟ كيف يمكن تفاديها؟ وما السبيل للخروج منها؟تبلغ المرأة منتصف العمر وهي مسلّحة بأفكار مسبقة عن هذه المرحلة. لكن يستحيل في جميع الأحوال عيش المرحلة الأولى من الحياة مثل المرحلة الثانية منها، لأن ما يكون له أهمية كبرى في الأمس يفقد أهميته اليوم، وما كان يُعتبر حقيقة في الماضي يصبح خطأً في الحاضر. يعبّر علماء النفس عن أزمة الأربعين باعتبارها نقطة تحوّل مفصلية في منتصف العمر (بين سن الخامسة والثلاثين وسن الخمسين) تدفع المرأة إلى مراجعة حساباتها.
يمرّ الرجل أيضاً بهذه المرحلة الحرجة، فيراجع حساباته ويبحث عن أهداف جديدة. لكن يُجمع جميع علماء النفس على أن الرجال يتعاملون مع هذا التغيّر بشكل أفضل من النساء. ففي حين تشعر المرأة برغبة في إنجاب الأطفال، يسعى الرجل إلى استعادة شبابه عبر إقامة علاقات مع نساء شابّات. من أشكال التعبير الذكوري الأخرى: هوس بشراء المنتجات الباهظة (سيارة، ساعة)، ممارسة الرياضة أكثر من طاقته لإثبات أن جسمه لا يزال قادراً على مقاومة آثار الزمن.ضغط النشاطاتتطال هذه الأزمة 10% من الناس في سن الأربعين تقريباً. في الواقع، يعاني الرجال والنساء من هذا العمر على حد سواء، لكن تظهر الأزمة بشكل أوضح وأعمق لدى المرأة التي تعاني من تغيرات في جسمها (تجاعيد، سيلوليت)، شعور بالضيق والانزعاج، فقدان حب الحياة، التشكيك بالوضع المهني والعائلي والزوجي... وفقاً لعلماء النفس، غالباً ما تكون المرأة التي تعاني من هذه الأزمة عاشت في إحدى المراحل السابقة ضغطاً شديداً في أحد مجالات حياتها (الأمومة، الحياة المهنية). بعد سن الأربعين، تقيّم هذه المرأة حياتها وتفكّر بالأمور التي امتنعت عن فعلها. تروي إحدى النساء، 38 عاماً، تجربتها قائلة: {كان زوجي متفهّماً جداً، وكان لي ثلاثة أطفال رائعين، وعمل أحبّه... نجحتُ في الوصول إلى مراحل متقدمة في دراستي الجامعية وفي مجال العمل والأسرة. أما الآن، فقد سئمتُ من فعل ما ينتظره الآخرون منّي ومن أداء دور الأم المثالية}.الدوبامينفي نهاية الثمانينات، أجرى علماء فرنسيون مهتمّون بمعرفة جذور هذه الأزمة دراسة حول الرابط بين هرمون الدوبامين المسؤول عن الرغبة والشيخوخة. ووضعوا مجموعة كاملة من الأمراض المرتبطة بتراجع الناقلات العصبية (تحديداً الدوبامين) بعد سن الأربعين: صعوبات في التخطيط لمشاريع مستقبلية، فقدان الاهتمام بالأعمال اليومية الاعتيادية، تراجع العلاقات الاجتماعية، نقص في النشاط، والشعور بإرهاق شديد. منذ ذلك الحين، دعمت دراسات أخرى هذه الفرضيات لكن من دون إثبات أنّ النقص في الدوبامين يشكّل السبب الوحيد لأزمة منتصف العمر.غيرة يمكن تحديد أحداث عدّة تؤدي إلى ظهور الأزمة، يكون بعضها واضحاً (موت أحد الوالدين، الصرف من العمل)، فيما يكون بعضها الآخر مبطّناً. وفقاً للخبراء، تدخل أزمة منتصف العمر في إطار الأزمات العائلية، لا سيما بالنسبة إلى أمهات المراهقين. يشعر الأهل بالخصومة والغيرة من أبنائهم المراهقين. يتعلّق الأمر بالجروح النرجسية التي يعانونها. وجدت منى، 49 عاماً، صعوبة في التعامل مع ابنتها البالغة 17 عاماً: {من جهة، كنتُ سعيدة من أجلها. لكن كنتُ مغتاظة من جمالها وسعادتها. في الواقع، كنتُ أتمنّى أن يراني الآخرون جذابة بقدرها، لكن الأمر لم يعد ينطبق عليّ}.مقارناتفي الواقع، يمكن إقامة مقارنات عدة بين أزمة الأربعين وأزمة المراهقة. في الحالتين، يحاول المرء أن يصبح شخصاً آخر ويتحرر من الصورة المثالية التي يُعرَف بها، فيتجاوز عند الحاجة القواعد السائدة من حوله. وفقاً لعلماء النفس، يواجه المراهق الشاب والجذّاب مصادر قلق عدّة تولّد في نفسه نفوراً أو ارتياباً من أهله. يرى المراهق مستقبلاً كبيراً أمامه ولا يعرف كيفية التصرف لتحقيق طموحاته. لكن في سن الأربعين، يتقلّص هذا المستقبل بشكل ملحوظ، وقد تقود فكرة اقتراب النهاية إلى زعزعة وجود الإنسان.فكرة الموت بعد عتبة الأربعين، لا يعود الموت فكرة مطلقة بل يصبح في صُلب حياة الشخص. في هذه المرحلة تحصل عادةً أولى حالات الوفاة في محيطه (من الأهل أو الأصدقاء). سرعان ما تصبح المشاريع التي يمكن تحقيقها في الماضي مجرّد خيارات معدودة، ولا تعود المُثل السائدة في عمر العشرين تنطبق على عمر الأربعين. فيشعر الفرد في هذه المرحلة بضرورة إعادة التوازن إلى المعايير في حياته والتركيز على مسيرته المهنية لتعليم الأطفال أو العكس. يروي رجل يعمل كمصوّر، في مطلع الخمسين من عمره، عن تجربته قائلاً: {تجاوزتُ الهدف المهني الذي رسمته في سن العشرين ووصلتُ إلى مرحلة أرغب فيها في أن أصبح أباً. لكنّ الوقت يداهمني. لا تستطيع صور العالم كلها سدّ هذا الفراغ الذي أشعر به}.{حداد} تشعر المرأة من جهتها بالفراغ نتيجة إحساسها بانتهاء دورها كأم. تروي ناديا تجربتها في هذا المجال قائلة: {عمري 47 عاماً وسأصبح جدّة شابة قريباً. كانت الأمومة أجمل مرحلة في حياتي. وكان الإنجاب أهمّ رغبة بالنسبة إليّ. اليوم، لم يعد لذلك كله أي معنى}. من جهة أخرى، على المرأة تقبُّل مرحلة انقطاع الطمث، أي فقدان الخصوبة، لكنها تعتبرها بطريقةٍ ما فقداناً للأنوثة. تشعر المرأة التي لم تنجب الأطفال سابقاً بالقلق لفكرة أن الوقت يداهمها. أما الأمهات، فيرغبن في الحمل للمرة الأخيرة أو يرضخن للأمر الواقع. تؤدي التغيرات الفيزيولوجية (تراجع إفراز الهرمونات، عدم انتظام الدورة الشهرية) والجسدية (اضطراب النوم، ثقل في الساقين) إلى خدش الصورة الجميلة التي كانت المرأة ترى انعكاسها في عينيّ زوجها. لكن يطمئن علماء النفس إلى أن فكرة التغير الجذري ليست عاملاً مقلقاً بالنسبة إلى جميع النساء. تكون هذه المرحلة بالنسبة إلى البعض مرادفة للتجدد وتساعد على إقامة علاقات أكثر تناغماً. لماذا إذاً يعبر بعض النساء هذا النفق من دون أي انزعاج في حين تضطرب حياة أخريات بسبب الشكوك والندم؟ يعود ذلك إلى أن المرأة التي تنتمي إلى المجموعة الأولى تشعر بأنها نجحت في حياتها. نظراً إلى الطريقة التي وجّهت فيها وجودها، لا تشعر هذه المرأة بالحاجة إلى اتخاذ منعطف جديد في حياتها.مرحلة خلاّقةقد تدوم هذه الأزمة لفترة طويلة. وفقاً لخبراء النفس، إذا لم نتمكّن من توديع المرحلة السابقة وفكرة الشباب الأبدي والمشاريع غير المنجزة بطريقة سليمة، قد نغرق في مرض الهروب من الواقع أو في المرض الخلاّق. يعني المرض الأول غرق الفرد في حالة من الكآبة أو وسواس المرض، فلا يتوصّل إلى تقبّل هويّته. في المرض الثاني، يستخرج المرء قدراته الإبداعية (رسم، موسيقى، نحت) للتعبير عن نفسه واستعادة السيطرة على حياته عبر إنتاج أفكار كامنة في لاوعيه. في هذه الحالة، تحافظ الأزمة على غموض القوى التي تحرّرها، فتكون إما قوى قاتمة أو متجددة. بغض النظر عن نوع المرض، يشكّل التعبير عن الصعوبات والضغوط الخطوة الأولى نحو {الشفاء}. أفضل ما يمكن أن يفعله الفرد هو التكلم عن الشكوك التي تراوده مع شخص من محيطه شرط أن يكون مستمعاً جيداً وحيادياً، ومحاولة التعبير عن انزعاجه شفهياً وتقبّل وضعه واعتباره عارضاً لخلل ما في حياته. يمكن اللجوء أيضاً إلى مساعدة الاختصاصيين.حلول خاطئةصحيح أن الأزمة قد تعطي فرصاً جديدة، لكن يجب الحذر من محاولات {الفرصة الأخيرة}. غادرت إحدى السيدات منزلها العائلي فجأة بعد أن شعرت بالاختناق من واجباتها اليومية المكثّفة، لتعود بعد ثلاثة أيام: {شعرتُ بضغط كبير من الانطلاق في مرحلة جديدة. لذا قررتُ الرحيل فجأة، ثم أدركتُ أنني حملتُ مشاكلي معه. كنتُ بحاجة إلى استراحة كبيرة من الواجبات العائلية لتحليل حياتي وإعادة توجيهها}. قد تولّد الأزمة أيضاً شعوراً بالرغبة في حياة مختلفة. يختار البعض تغيرات طويلة الأمد. يكفي أحياناً إجراء تحوّلات جزئية لتتغير الحياة إلى الأفضل، إذ لا تكون التقلبات الجذرية بنّاءة دائماً.فرصة مثاليّةتمثّل أزمة منتصف العمر فرصة مثالية لتخصيص الوقت للذات والعودة إلى الدراسة ومراجعة الحسابات وتحديد الهوية الشخصية. بعيداً عن الكارثة أو الاكتئاب، لهذه الأزمة جانب بنّاء وإيجابي. إذ يمكن أن يحظى الفرد بوقت طويل أمامه للتخطيط لمشاريع مهنية أو شخصية جديدة حاضراً ومستقبلاً. التغيير مجازفة طبعاً لأن المجهول يثير القلق. لكن يبقى الخطر ضئيلاً لأن الأشخاص في سن الأربعين يقررون سلك الاتجاه الذي يناسبهم. لا يعني تحديد أهداف جديدة وسهلة التحقيق تخفيض سقف التوقعات بل جعلها مناسبة أكثر للحاجات الجديدة في حياتهم. يجب إعطاء الأولوية للسعادة لا للغنى المادي. مثلاً يمكنكم:- الكتابة: يساعد تسجيل قائمة بمصادر الانزعاج ومصادر الرضى في الابتعاد عن التساؤلات والشكوك لإجراء تشخيص أكثر فاعلية لحالة الشخص. - تقييم الإنجازات: الإجابة بصراحة تامّة عن الأسئلة التالية: ما الأمور الإيجابية في حياتك؟ ما الأمور السلبية؟ لماذا؟ - التصرّف: تحديد أهداف سهلة التحقيق بدل الأحلام البعيدة المنال. أثبتت نظرية {الخطوات الصغيرة} فاعليتها في هذا المجال. يمكن التخلّص من مصادر استنزاف الطاقة كبداية.