إبراهيم الخالدي 2-2

نشر في 06-09-2009
آخر تحديث 06-09-2009 | 00:01
 آدم يوسف في ديوان عاد من حيث جاء لإبراهيم الخالدي نلامس التاريخ، عبق الماضي، أسماء القبائل العربية، والمدن المدثرة بالملوك والخلفاء، والحروب أيضاً. نجد ذلك في قصائد: الفتى الشامي، والأقدام بين المدينة والشام، والخطوط الرئيسية لكتابة التاريخ العربي. تحضرنا في هذه القصائد مصر، الشام، مكة، النهروان، وقبيلة مضر، وكذلك الشاعر جرير، وصاحب جاور الحرم المدني ثلاث سنين ووشوش قبر النبي بأنات أوجاعه.

تختلف تجربة الخالدي في هذا الديوان إلى حد كبير عن ديوانه الأول دعوة عشق للأنثى الأخيرة، وهو الديوان ذو القصائد الوجدانية المصورة تصويراً دقيقاً، مع إيقاع وزني وتصويرات شعرية مكتنزة وجميلة. يظهر من كلا الديوانين أن الخالدي لا يعبأ كثيراً باللغة المجازية، أو الصور المركبة شديدة التعقيد. هو لا يختبئ خلف المجاز، يمنحك شعوره شعراً تصويرياً أبعد ما يكون عن المباشرة، وهو في الوقت ذاته يصنع دهشته الداخلية عن طريق استدعاء التاريخ، وتصوير زوايا المكان، والإحساس المربك حين يداهم الشاعر لحظة الكتابة.

يرتبط الديوان الثاني للخالدي بفكرة حبه للتراث وتعلقه به. فهو مغرم بتراث الجزيرة العربية، وحكايات قبائلها وشعرائها، وأوزانها النبطية أيضاً، ومَن يقرأ بتمعن عاد من حيث جاء لا يغيب عن باله أن هذا الشاعر ربما يخطو خطوة أخرى نحو البحث في التراث، وتحقيق المخطوطات الثمينة، والتأريخ لأبرز الشخصيات الأدبية والشعبية. وهو العمل الذي سبقته إليه شخصيتان بارزتان في الـتأريخ لتراث الجزيرة، وشعرائها، وأنساب قبائلها هما الشيخ عبدالله بن خميس، والعلامة الشيخ حمد الجاسر. ولكليهما كتب يعتبرها الباحثون مرجعاً مهماً في مجالها. عاصر هذان الشيخان مرحلة انتقال التراث الشعبي من الشفوية إلى التدوين.

يكمل الخالدي مسيرة هذين الشيخين بجهد دؤوب، وصمت مطبق. وكنت قد زرت منزله الكائن في منطقة الرقة فرأيت أنه كوّن ديوانية بجوار المنزل، محاطة بأرفف الكتب، تفوح منها رائحة الهيل العربي، ويلتقي فيها بخاصة أصدقائه من الشعراء والباحثين وغيرهم. أستطيع أن أطلق عليها غرفة عمليات للكتابة والتأليف.

من غرفة العمليات هذه أصدر الخالدي كتباً تراثية مهمة من بينها جمع ودراسة وتحقيق دواوين لستة شعراء نبطيين من شعراء القرن الثالث عشر الهجري المهمين وهم: محسن الهزاني، مشعان الهذال، تركي بن حميد، عبيد الرشيد، عبدالله الربيعة، بديوي الوقداني. كما حقق مخطوطة مهمة في تاريخ الجزيرة العربية وأشرف على طباعتها وهي بعنوان تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق وتعدّت الـ400 صفحة.

في مجال التأليف أصدر الخالدي دراسة عن أوزان الشعر العامي وعلاقتها بعلم العروض وهي بعنوان طواريق النبط. كما ألف كتاباً جمع فيه الألقاب والشعارات اللفظية للقبائل والأشخاص في الماضي وهي بعنوان: الجامع المختصر للألقاب والعزاوي عند البدو والحضر، وألف كتاباً من جزأين جمع فيه الطرائف الشعرية بعنوان المستطرف النبطي، وكتابا آخر بعنوان المصور البدوي جمع فيه ألف صورة قديمة من البادية مع تعريفات وتراجم وافية. كما أصدر دراسة أدبية في مقارنة سيرة الزير سالم بين المصادر التاريخية والمرويات الشعبية وصدرت بعنوان حقيقة الزير سالم.

يكتب الخالدي القصيدة الشعبية باقتدار، إلا أنه لم يصدر ديواناً بالشعر الشعبي حتى اللحظة. ولم يشأ كذلك الخوض عميقاً في تجربة قصيدة النثر، على الرغم من أنني قرأت له بعض المقاطع الشعرية النثرية في الصحافة المحلية.

back to top