ما زالت الصفقة الكبرى بين واشنطن وطهران بعيدة المنال

نشر في 02-06-2009
آخر تحديث 02-06-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله من السابق لأوانه إصدار الحكم على سياسة الانفتاح على إيران التي يطرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكن الخبير الاستراتيجي في الشأن الإيراني، فلينت لافايت، كتب مقالة ناقدة نشرت في جريدة النيويورك تايمز الأسبوع الماضي، يؤكد فيها أن «سياسة إدارة أوباما تجاه إيران والاعتراف بها كقوة إقليمية جديدة في طريقها للفشل».

يقول فلينت لافايت إن الإدارة الأميركية الجديدة تكرر أخطاء الإدارة الأميركية القديمة، وهي غير جادة في تغيير حالة العداء بين طهران وواشنطن المستمرة منذ عام 1979 والتي «أضرت كثيرا بمصالح الولايات المتحدة».

كان فلينت لافايت أول من طرح فكرة الصفقة الكبرى بين واشنطن وطهران، ويراهن حاليا على أن باراك أوباما، هو الرئيس المناسب لإنجاز هذه الصفقة، إذا تحلى بالشجاعة، وواجه المؤسسة السياسية التقليدية وتحرر من سيطرة اللوبي الصهيوني في واشنطن ووضع ثقله السياسي والمعنوي للدفع بسياسة الانفتاح على إيران والحوار الدبلوماسي المباشر مع طهران والتفكير في عقد صفقة تاريخية كبرى معها.

تنطلق فكرة الصفقة الكبرى من اعتقاد أنه من الممكن تحويل إيران على المدى القريب من عامل عدم استقرار إلى عامل استقرار في المنطقة العربية، ثم تحويلها على المدى البعيد من قوة عقائدية وسياسية مشاغبة ومشاكسة إلى قوة اقتصادية وتجارية منفتحة على الاقتصاد العالمي والاستثمارات الأجنبية. فالهدف الاستراتيجي من سياسية الانفتاح على طهران هو تحويل إيران عبر الحوار إلى قوة اقتصادية وسياسية معتدلة تساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة من حولها.

سياسة الانفتاح على إيران والذهاب مباشرة إلى طهران قريبة من سياسة إدارة الرئيس نيكسون في الانفتاح على الصين في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، والتي تمكنت من تحويل الصين إلى قوة سياسية معتدلة وإلى أهم شريك اقتصادي وتجاري للولايات المتحدة الأميركية. لقد نجحت سياسة الانفتاح على الصين سابقا وأتت بنتائج باهرة، ومن الممكن جدا أن تنجح سياسة الانفتاح على إيران والحصول على نتائج إيجابية تخدم المصالح الإيرانية والأميركية على المديين القريب والبعيد.

إيران في التصور الاستراتيجي لإدارة أوباما هي كالصين التي تخلت تدريجيا وعلى مدى ثلاثين سنة الماضية عن طموحاتها السياسية ومشاغاباتها الإيديولوجية وتحولت إلى قوة اقتصادية كبرى. فبعد أن تأكدت الصين أنها لم تعد مستهدفة من قبل واشنطن، ركزت اهتمامها على الشأن الداخلي وتوجهت بشكل أحادي نحو النمو الاقتصادي السريع، وأصبحت تجذب أكبر قدر من الاستثمار الأجنبي، وهي اليوم أكبر قطب دولي مهم وشريك تجاري للولايات المتحدة الأميركية وعامل مهم من عوامل الاستقرار السياسي والأمني في شرق وجنوب شرق آسيا.

يقول لافايت إن طهران ينتظرها نفس هذا الدور في محيطها الإسلامي والعربي. لذلك من المهم لإدارة أوباما السير في سياسة الانفتاح على إيران بهدف تحويلها إلى عامل استقرار عبر الحوار، ويعتقد لا فايت أن أوباما شخصيا مقتنع كل الاقتناع بهذه السياسة وعقد الصفقة الكبرى مع إيران. لكن المشكلة ليست في شخص الرئيس الأميركي بل في المؤسسة السياسية الأميركية التقليدية خصوصا وزارة الخارجية، وبالأخص وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي تقاوم سياسة الانفتاح على إيران وتختلف مع أوباما في كيفية التعامل مع المعضلة الإيرانية والملف النووي الإيراني.

لكن بالإضافة إلى اعتبارات المؤسسة السياسية، يعتقد لافايت أن إسرائيل مازالت مؤثرة كل التأثير على الإدارة الأميركية الجديدة وستمارس «الفيتو» ضد توجهات الرئيس أوباما عبر القنوات المختلفة بما في ذلك الكونغرس الأميركي. فاللوبي الصهيوني في واشنطن لن يسمح بأي تحول ضخم في السياسة الأميركية يمكن أن يؤدي إلى اختلال موازين القوة في المنطقة العربية ويضر بالعلاقات الخاصة القائمة بين تل أبيب وواشنطن.

إسرائيل هي العائق الأكبر لتحقيق أهداف الصفقة الكبرى التي تبدو الآن بعيدة المنال إذا استسلم أوباما للوبي الصهيوني مبكرا، لذلك حتى لو كانت المصلحة الأميركية تحتم السير في الصفقة الكبرى، فإن إسرائيل لن تسمح بتحويل إيران إلى قطب دولي جديد ومركز الثقل السياسي في المنطقة.

إسرائيل هي الخاسر الأكبر وتسعى حاليا لتكوين تحالف إقليمي موجه ضد الصفقة الكبرى من خلال التركيز على فكرة أن إيران هي الخطر والعدو المشترك وتدفع واشنطن دفعا نحو الإبقاء على العقوبات الاقتصادية وتصعيد المواجهة العسكرية. لكن إدارة أوباما لم تعد مقتنعة بالتوجهات الإسرائيلية. لكن إدارة الرئيس باراك أوباما غير مقتنعة بالتوجهات الإسرائيلية وغير مستعدة لخيار المواجة العسكرية أو السياسية مع طهران. لقد قامت إدارة هذه الإدارة بمراجعة شاملة لمجمل السياسة الأميركية تجاه إيران وتوصلت إلى قناعة أن ثلاثين سنة من سياسة العداء والعزل والصراع هي سياسة فاشلة ولم تحقق أي هدف من أهدافها الاستراتيجية.

البديل لسياسة الصراع هو سياسة الحوار، والبديل لسياسة المواجهة هو سياسة الصفقة، والبديل لسياسة إيران كدولة من دول محور الشر هو سياسة إيران كمركز الثقل السياسي الجديد الذي يساهم في تخفيف التوترات في منطقة في أمس الحاجة للاستقرار.

أين المصلحة العربية؟ وأين الطرف الخليجي من الحوار الأميركي الإيراني؟ وما الانعكاسات الاستراتجية للصفقة المرتقبة بين طهران وواشنطن؟ لقد تم طرح هذه الأسئلة في ندوة عقدت أخيرا في القاهرة. كانت محصلة نقاشات هذه الندوة أن مصر لن تسمح باختلال موازين القوة لمصلحة إيران في المنطقة. هذا الموقف المصري هو الذي يغذي الحديث عن حلف إقليمي موجه ضد «العدو الإيراني المشترك».

كذلك طرحت هذه التساؤلات في ندوة أخرى مغلقة في الرياض أخيرا وبرز إجماع أنه إذا كان الهدف الاستراتيجي من الصفقة الكبرى تحويل إيران من عامل عدم استقرار إلى عامل استقرار، ومن قوة سياسية مشاكسة إلى قوة اقتصادية معتدلة، فهذا الهدف يصب في مصلحة دول مجلس التعاون. لذلك لا داعي للشعور بالخوف من الحوار الأميركي الإيراني، ولا داعي للقلق من الصفقة الكبرى، والحديث عن تحالف إسرائيل مع الدول العربية المعتدلة ليس سوى وهم تسوقه حكومة نتنياهو لتحقيق أهداف إسرائيلية وللضغط على إدارة أوباما.

مهما كانت توجهات الإدارة الأميركية الجديدة والمصالح الإقليمية المتضاربة، فالسؤال المهم هو مدى استعداد إيران لمثل هذه الصفقة الكبرى؟ الجواب عن هذا السؤال في طهران، وسيتقرر قريبا في ضوء نتائج الانتخابات الإيرانية التي من المهم متابعتها عن قرب.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top