اليابانية بنانا يوشيموتو وكتابة الفقدان 2

نشر في 02-09-2009
آخر تحديث 02-09-2009 | 00:01
 زاهر الغافري في «خيالات ضوء القمر» يعود عالم الموت والخسارة، عالم العزلة الداخلية، كما تعود أيضاً تلك النغمة الحزينة، الطفولية أحياناً، على ألسنة الشخصيات، وهي شخصيات عادية تماماً بلا مفارقات دالّة، ولا بطولات مزعومة.

أغلب شخصيات بنانا يوشيموتو ذات صلة بواقع يبدو صلباً من الخارج، لكن نمط تفكير ومشاعر هذه الشخصيات فيه من الهشاشة بحيث تبدو هذه الشخصيات أشبه بأطياف منسية، وهي فوق ذلك لديها الاستعداد للاستسلام لقدر غريب، كأن الألم حينما يستوطن الذات يشف عن تأمل عميق، فيتحول الى فتنة وسحر يقودان الى مزيد من الفقدان.

لن يعود الماضي بالتأكيد، لكن الحياة تستمر على حافة الحنين والأسى. «حينما ذهب، كان هيتوشي لا يفترق عن جرس صغير علقه بمحفظته، كان هدية لا شأن لها قدمتها له حين كنا لانزال متحابّين، ولم أدرِ حينها أنها لن تفارقه حتى النهاية.» هكذا تتحدث ساتسوكي في «خيالات ضوء القمر» عن حبيبها الذي مات في حادثة سير مؤلمة. سيطل على المشهد، هيراجي شقيق هيتوشي الأصغر، الذي فقد في الحادثة نفسها حبيبته، يوميكو، وبحكم الأسى والحزن سيرتبط مصير هاتين الشخصيتين عبر علاقة غاية في الرقة والاحساس بالفقدان. هذا المشهد اليومي والأليف سيُقطع بظهور فتاة اسمها أورارا، فتمر هذه الشخصية مثل قمر عابر يلفّه الغموض، ليدل الشخصيات الى سبل النجاة، أورارا هذه التي تلتقي بساتسوكي بمصادفة قدرية على جسر مُطل على نهر، هي التي ستمنح نوعاً من السلوان الى الأحباء، فتظهر أطياف الموتى في صمت ليلي على ضياء القمر.

«لم يكُن هناك سوى النهر والسماء وأنا... وممتزجا بالماء والهواء، ذلك الصوت الأليف، ذلك الصوت المحزن. الجرس الصغير، لم يكُن هناك أي مجال للشك: إنه رنين جرس هيتوشي، كان يصدر رنينا خافتاً في ذلك الفضاء الذي لم يكُن فيه سوى أنا، أغمضت عينيَّ، لكي أسمعه في الهواء على نحو أفضل، ثم فتحتهما مجدداً، وعندما نظرت الى الضفة الأخرى، حسبت أنني جننت حقاً، أكثر جنوناً مما كنت عليه خلال الشهرين المنصرمين، كدت أن أصرخ وتمالكت نفسي بمشقة كبيرة، كان هيتوشي هناك.» من رواية خيالات ضوء القمر.

هكذا لا يختلف الأمر ايضاً في مجموعتها القصصية «العظّاءة»، إذ تكتب بنانا يوشيموتو في المقدمة: «أردت أن أكتب عن الفقد والخشية واللايقين، تلك المشاعر التي تلازم أغلب محاولات المرء بينما يرتّب حقيبته العاطفية، كذلك عن مشاعر الانعتاق التي يعيشها بعض الناس في أوقات حاسمة من حياتهم».

تعتقد يوشيموتو أن الانسان لا يولد مع الأمل، غير أن هذا الأمل إن جاء يصبح قوة تحولية تدفع الانسان الى التغيير.

هكذا إذن الماضي ليس سهلاً، لكنه ليس بطلاً بالتأكيد، هذا ما تقوله بنانا يوشيموتو في أعمالها، تُرى ألا يكفي أن نسمع رنين أجراس الماضي لنستذكر أطياف الموتى؟!

back to top