النفوذ الآسيوي في الشرق الأوسط: صديق أم عدو؟

نشر في 13-07-2010
آخر تحديث 13-07-2010 | 00:01
بينما أصبحت الهيمنة العسكرية الأميركية المؤكّدة في الشرق الأوسط أمراً مسلّماً به بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن بلدانا آسيوية رئيسة عزّزت وجودها العسكري في تلك المنطقة، لا سيما الهند، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية.
 فوراين بوليسي أصبحت الولايات المتحدة معتادة على وجودها العسكري المهيمن في الشرق الأوسط الكبير، فقد أدّى التحالف الدولي ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة بعد غزو الكويت في أغسطس عام 1990 إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي المباشر في منطقة الخليج. وقد تكثّف هذا الوجود بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحربين اللاحقتين في أفغانستان والعراق، أمّا اليوم، فتنتشر القوّات الأميركية على طول الطريق من صحراء سيناء مروراً بشبه الجزيرة العربية، والخليج العربي، وبحر العرب، والمحيط الهندي، فضلاً عن أفغانستان، وبينما أصبحت الهيمنة العسكرية الأميركية المؤكّدة في الشرق الأوسط أمراً مسلّماً به بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن بلدانا آسيوية رئيسة عزّزت وجودها العسكري في تلك المنطقة، لا سيما الهند، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، لذلك يجب ألا تنظر الولايات المتحدة إلى الأمر كتهديد إنما كفرصة لتعاون أكبر على مجموعة واسعة من الهواجس الأمنية المتنامية.   

تتجلّى بوضوح المؤشرات التي تدل على اندفاع آسيا إلى منطقة الخليج، ففي أنحاء الخليج العربي، يدير الفنادق، والبنوك، والمدارس ومراكز التسوّق مهاجرون آسيويون يشكّلون أيضاً أغلبية اليد العاملة في المنطقة، فمن دون العمّال الآسيويين، قد تنهار اقتصادات الخليج. ويشرف كذلك الأمر على الكثير من مشاريع البناء الضخمة في الدوحة، وأبو ظبي، ودبي وغيرها من الدول المدن شركات كورية جنوبية، فضلاً عن أن معظم السيارات والشاحنات في الشارع هي يابانية أو كورية.

 من جهة أخرى، تتّخذ السفن التي تبحر من موانئ الخليج الضخمة محمّلةً النفط والغاز الطبيعي المسال من السوق الآسيوية وجهةً لها أكثر فأكثر، فضلاً عن ذلك تتّسع في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مشاريع البنى التحتية، بما فيها الطرقات، وسكك الحديد، والموانئ البحرية، والمطارات، وخطوط أنابيب الغاز والنفط الجديدة، وخطوط النقل تحت البحار، الأمر الذي يجعل التنقّل بين المنطقتين أسهل وأقل ثمناً.  وتشير هذه النزعات بالتالي إلى أن الوجود الآسيوي في الشرق الأوسط سيواصل نموّه بشكل مهيب على طوال العقد المقبل، في ظل غياب ركود عالمي ممتد.  

في السنوات الثلاثين المقبلة، يُتوقّع أن يفوق اقتصادا الهند والصين الاقتصاد الأميركي حجماً، الأمر الذي يمنح حكومتيهما سطوة إقليمية وعالمية، وذلك بالرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد فيهما سيبقى منخفضاً نسبياً نتيجةً للنمو السكاني، ومع تنامي الهند والصين، ستتخلف اليابان عنهما، مع ذلك، ستظل هذه الأخيرة على الأرجح لاعباً آسيوياً جوهرياً، نظراً إلى علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة، هذا فضلاً عن أن حاجاتها إلى الطاقة ستجعلها دوماً على علاقة مع الخليج، وعلى نحو مماثل، لكوريا الجنوبية، ولو أنها أصغر من اليابان، وجود راسخ في الشرق الأوسط لا سيما في قطاع الطاقة.

 تُصنّف كوريا الجنوبية التي لا تملك احتياطيات نفط محلية كخامس أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم، وتحل في المركز الحادي عشر بين أهم الدول المستوردة للغاز الطبيعي المسال. علاوةً على ذلك، وُظّفت شركات بناء كورية جنوبية لبناء مصافي نفط، معامل بيتروكيماوية، مكاتب، وبنى تحتية في أنحاء الشرق الأوسط.  

في المقابل، تظهر الهند كلاعب لا يُوفّى حق قدره في هذا الشرق الأوسط الآسيوي الجديد، فعلى مدى قرون، جمعت علاقات تجارية وطيدة شبه القارة الهندية هذه بالخليج، وقد نجحت الهند اليوم في صقل علاقات عمل طيّبة مع كل البلدان في الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، وبينما شكّلت المصالح الاقتصادية أساس الكثير من تلك العلاقات، اضطلعت الهند أيضاً بدور عسكري متواضع، إذ شاركت الحكومة الهندية منذ عام 1956 في عمليات حفظ السلام في المنطقة.  فضلاً عن ذلك، تعزز الهند علاقاتها العسكرية الثنائية الجانب مع جميع البلدان الصغيرة في الخليج، لذلك من المرجّح أن تبني لنفسها وجوداً أقوى وأكثر حزماً في الخليج على مر العقود المقبلة.

لكن ما من شك في أن الصين هي محط الاهتمام الواسع، فقد كانت، لفترة قصيرة في القرن الخامس عشر، القوّة المسيطرة في المحيط الهندي، لكن على مدى القرون الأخرى، لم يكن لها شأن كبير في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، بعد الثورة الشيوعية في عام 1949، حاولت الهند بناء علاقات وطيدة مع المجموعات الثورية في العالم العربي، إلا أن القوميين العرب تصدوا بعنف لجهودها، وفي أعقاب الانفصال الصيني السوفييتي والتقارب النهائي بين الصين والولايات المتحدة في عام 1972، غيّرت الصين مسارها وسعت في المقابل إلى صقل علاقات ودية مع حكومات دول الشرق الأوسط. فأصبحت بوجه خاص مرتبطة بشكل مباشر بالجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال عمليات بيع الأسلحة، لا سيما للسعودية، وإيران، والعراق خلال ثمانينات القرن الماضي.  ومنذ وقت ليس ببعيد، حذت الصين حذو الهند عبر المشاركة في عمليات حفظ سلام في المنطقة، إذ بدأت مشاركتها في قوّات حفظ السلام الدولية في لبنان رسمياً في التاسع من أبريل 2006.    

في المقابل، لا يزال الغموض يلف إلى حد كبير وجود الصين في المنطقة في المستقبل، لا سيما في المجال العسكري، فهي تبعد عن الخليج مسافات طويلة، لكن في حال اتّسع نفوذها البحري الدائم في النهاية ليصل إلى المحيط الهندي وامتد نفوذها البري إلى آسيا الوسطى وباكستان، فقد تتحوّل إلى لاعب استراتيجي بارز في الشرق الأوسط.

وتشكل أهمية الدور الصيني في الجدال بشأن العقوبات على إيران تناقضاً واضحاً مع دورها المحدود في الجدال بشأن العقوبات على العراق في التسعينيات. تسهل رؤية الشكوك المتنامية حول قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ طويلاً على وجودها في المنطقة والاستمرار في أداء دور الشرطي في الخليج والمحيط الهندي، فقد استنفدت الحربان مواردها، كذلك حطّت الأزمة المالية من هيبتها بعد أن بات نموذجها الاقتصادي، الذي اعتُمد بحماسة في شبه الجزيرة العربية، أغنى جزء في الشرق الأوسط، موضع شك، وفي حال أدّت هذه العوامل مجتمعةً إلى انسحاب أميركي بطيء من المنطقة، فهل ستشغل أي قوةّ آسيوية هذا الفراغ؟

لا يوجد إجماع حول هذه النقطة، ويقر البعض بأهمية توسّع آسيا اقتصادياً وثقافياً في الشرق الأوسط لكنهم يجادلون بأن العوامل المحلية في الهند والصين ستحد من قدرتهما على الاضطلاع بالدور الذي تؤدّيه الولايات المتحدة اليوم، وعلى العكس، يشير آخرون إلى أن الصين ستتخذ على الأرجح مقاربةً أكثر جرأةً تجاه الشرق الأوسط، وتطور علاقات وطيدة مع بلدان مثل سورية وإيران.

 مع ذلك، يسلّط آخرون الانتباه على العلاقة المزدهرة بين الهند والولايات المتحدة، مفترضين أنها قد تساهم في موازنة الطموحات الإيرانية، وفي هذا السياق، يجب ألا تأخذ القوى الجديدة في الحسبان التحديات الإيديولوجية المتنامية التي يواجهها الغرب فحسب، إنما أيضاً الظهور المتجدد لسياسة أكثر تقليديةً في ميزان القوى في وقت أصبحت فيه الأمم الآسيوية من اللاعبين العالميين وواقع أن الأميركيين قد يسأمون في النهاية من حماية أصول "الطفيليين".

في النهاية، سينعش الوجود الآسيوي المتنامي في الشرق الأوسط بطرق كثيرة منطقة تعاني مرارة الآثار التاريخية للسيطرة الأوروبية، وتبدي حالياً موقفها العدائي تجاه الدور الأميركي المهيمن. في المقابل، لم يستعمر اللاعبون الآسيويوين الجوهريون في الشرق الأوسط يوماً المنطقة أو يحتلوها، فضلاً عن أنهم لا يأخذون طرفاً في الصراع العربي الإسرائيلي. فذلك يعني، من جهة، أنهم يتعاملون مع المسائل السياسية والصراعات التي لم تُحل بعد بما يعتبره البعض موقفاً مشككاً يؤثر عدم الانحياز. وخير مثال على ذلك على الأرجح قلّة مبالاة الصين المبدئية بانتهاكات حقوق الإنسان في السودان.

 ومع ذلك، يتمثّل الجانب الإيجابي في أن الآسيويين لا يتدخلون مباشرةً في سياسة الشرق الأوسط، ولذلك يتمتعون بعلاقات طيّبة مع معظم الدول، ويبقى السؤال: كم من الوقت سيستطيعون الحفاظ على سياسة عدم التدخل هذه في حال جُرّت قدمهم إلى فوضى السياسة الشرق أوسطية بحجة سيطرتهم الاقتصادية ومصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، وذلك في وقت يخيب فيه أمل الولايات المتحدة بأعباء الهيمنة؟!

في الوقت عينه، من مصلحة الولايات المتحدة والدول الآسيوية التوصّل إلى اتفاقات مشتركة حول أهمية منع نشوب المزيد من الصراعات في المنطقة، وضمان أمن التنقل البحري المتزايد في أرجاء المحيط الهندي معاً. فيشكّل بالتالي التعاون على مواجهة تحدّي القرصنة بمحاذاة الشواطئ الصومالية اختباراً مبكراً لهذا الواقع الاستراتيجي الجديد.

Geoffrey Kemp

* مدير البرامج الاستراتيجية الإقليمية في مركز نيكسون... يلخّص هذا المقال بعض المواضيع الأساسية في كتابه الأخير The East Moves West: India, China, and Asia's Growing Presence in the Middle East (منشورات معهد بروكينغز 2010).

back to top