من هو الإماراتي؟

نشر في 27-10-2009
آخر تحديث 27-10-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله بدأ البعض في البحرين، التي تعاني حاليا التخندق المذهبي، يطرح السؤال الذي لم يطرح من قبل حول مَن البحريني؟ وفي بريطانيا، حيث ارتفع عدد المسلمين في إجمالي السكان بشكل ملحوظ ومقلق للبعض، بدأ المجتمع البريطاني يبحث في من هو البريطاني؟ أما في ماليزيا، حيث نسبة السكان الأصليين المالاي في تراجع مستمر قياسا بالجاليات ذات الأصول الصينية والهندية، برز السؤال من هو الماليزي؟ وحينما شعرت الأغلبية البيضاء والبروتستانتية الحاكمة في الولايات المتحدة بالتهديد بسبب تجاوز تزايد نسبة السكان من الأصول اللاتينية طرح صومائيل هانتنغتون، مؤلف كتاب «صراع الحضارات» السؤال من نحن؟

وفي الإمارات، حيث التركيبة الاتحادية الفريدة التي تخلق ازدواجية الهوية، وبعد أن تراجعت نسبة المواطنين إلى 16.5% من إجمالي السكان وفق آخر البيانات، أصبح من الملح طرح السؤال من هو الإماراتي؟

لقد كان أمر الانتماء والشعور بالولاء واضحا كل الوضوح حتى وقت قريب، وكانت الهوية الوطنية الإماراتية جلية كل الجلاء ولا يشوبها أي غموض. وكان من المستحيل طرح السؤال من نحن؟ ومن هو الإماراتي؟

لم يكن هناك أي غموض حول من هو المواطن الإماراتي النابع من صلب وقلب مجتمع الإمارات، والذي شب وشاب منتميا إلى دولة الإمارات، بل إن الأمر برمته لا يشغل بال الإماراتي فيما عدا قلة قليلة تحمل همَّ الوطن وتطرح قضاياه وتشعر بالخوف تجاه مستقبله وتجاه الارتداد نحو المحلي، والاستمرار في الصعود السريع نحو كل ما هو عالمي. الخلل السكاني، وتغلب العالمي على الوطني، وتضخم المحلي على حساب الاتحادي أمور جعلت من المشروع طرح سؤال الهوية والسؤال الإشكالي: من هو الإماراتي؟

من المدهش أن يطرح هذا السؤال الآن والدولة الاتحادية على أبواب الاحتفال بمرور 38 سنة على قيامها واستمرارها، لقد كان يعتقد أن الدولة الاتحادية عبر مؤسساتها التعليمية والإعلامية، وعبر استثمارات ضخمة في إنجازاتها الوطنية في الداخل والخارج قد تمكنت من صهر ودمج أبناء وبنات الإمارات في بوتقة وطن واحد، ومجتمع واحد، وتحت راية واحدة ودولة واحدة ومواطنة واحدة تتمتع بنفس الحقوق والواجبات الدستورية والامتيازات الاجتماعية والمعيشية.

كان الإماراتي يعرف منذ لحظة ولادته وفي قرارة نفسه أنه إماراتي محب لوطنه وقيادته. صحيح أن الإماراتي يقف دائما على مفترق بين كيانين: محلي وآخر اتحادي، لكن الهوية الوطنية بالنسبة له لا تتجزأ ولا تتفرع ولا تتوزع مناصفة: الهوية واحدة موحدة على الرغم من أنها في حالة الإمارات مؤلفة من عنصر محلي وآخر اتحادي، ففي قرارة كل مواطن إماراتي لا يوجد سوى انتماء واحد وولاء واحد لكيان وطني واحد، هو الكيان الاتحادي. لقد تمكن الكل الوطني الإماراتي من احتواء الكل المحلي دون أن يلغيه كليا ونهائيا.

لكن الدنيا تغيرت، والبشر ليسوا هم البشر، والإمارات لم تعد هي الإمارات، والثوابت القيمية والسلوكية والحياتية اهتزت واختلطت، وثمة مجتمع جديد وجيل مختلف قيد التشكل، والخلف ليس بخير السلف، والنهج الجديد لا يمت بصلة للنهج القديم. وأسوا ما حدث من تغير في الإمارات خلال الـ38 سنة الأخيرة هو تضخم الخلل السكاني الذي يهدد النسيج الاجتماعي والانسجام المجتمعي الذي تراكم عبر الأجيال، والذي أخذ يتصدع ليس في المظهر فحسب، بل في الجوهر وفي عمق الأعماق.

لذلك أصبح من المشروع طرح السؤال: أين هو المجتمع الإماراتي؟ ومن هو الإماراتي؟ وما الذي تبقى من الإماراتي في الإمارات؟ وهل الإماراتي هو من ينتمي إلى مجتمع الإمارات أم إلى دولة الإمارات؟ وهل عمر الإماراتي بعمر الدولة الاتحادية أم أن الإماراتي كان موجودا قبل قيام الإمارات ككيان سياسي مستقل؟ هل الهوية الإماراتية جديدة كل الجدة أم قديمة كل القدم؟

لا توجد إجابات سهلة لهذه الأسئلة المركبة، وربما كان الجواب المختصر يمر عبر السؤال من هو ليس بإماراتي؟

من البديهي القول بأنه ليس كل من يعيش على أرض الإمارات إماراتي. هناك نحو 6 ملايين نسمة يعيشون في الإمارات، لكن 83.6% من هؤلاء لا علاقة لهم بالانتماء إلى مجتمع الإمارات ولا دخل لهم بقيمه وثقافته وعاداته وتقاليده، ولا يوجد بينهم وبين أهل الإمارات انسجام اجتماعي عميق.

ومن المفروغ القول بأنه ليس كل من ولد في الإمارات وأبصر النور في سمائها إماراتي، فعدد المواليد بين الوافدين والأجانب يفوق عدد المواليد من المواطنين. الولادة في الإمارات لا تعني تلقائيا أن المولود إماراتي وله حق الحصول على الهوية الإماراتية، فلا علاقة بين الولادة والهوية لا من قريب ولا من بعيد.

ومن المسلمات التأكيد بأنه ليس كل من يحمل جواز الإمارات إماراتي، فالحصول على جواز الإمارات لا يؤسس أن حامله هو إماراتي. لقد أغدقت الحكومات المحلية بسخائها المعروف على عدد من الأفراد بجوازات السفر من أجل تسهيل أمورهم المعيشية والاعتراف بمساهماتهم، وكخطوة في سياق الحصول على الجنسية الإماراتية. الإماراتي حالة ذهنية وتاريخية واجتماعية قبل أن تكون حالة قانونية. الهوية شيء والجواز شيء آخر، الهوية لها علاقة بالماضي بقدر ما لها علاقة بالحاضر، والثابت في الهوية أهم بكثير من المتحول والمستجد.

إذا كان من الصعب القول إن كل من يعيش على أرض الإمارات وقدم خدمات جليلة، ويحمل جواز سفر الدولة وولد على أرضها هو إماراتي، فمن هو الإماراتي الذي يشكل حاليا نسبة 16.5% من إجمالي السكان في وطنه والتي تتناقص بمعدل 1% سنويا ليصل إلى صفر في المئة عام 2025، أي أن الإمارات مرشحة أن تكون وطناً من دون مواطنين بعد نحو 15 سنة من الآن إذا استمر الخلل السكاني من دون علاج.

في ظل الخلل السكاني وتصدع النسيج الاجتماعي وتضعضع الانسجام المجتمعي والارتباك الذي حدث للهوية الوطنية والشخصية الإماراتية، حان الوقت لتحديد من هو الإماراتي وهل يحق له أن يردد مقولة «إماراتي وأفتخر».

هذه واحدة من أصعب اللحظات عندما يبحث الإماراتي عن جوهره، ويشعر بالغربة في مجتمعه ويفقد اليقين بمن هو؟ ويبحث أهل الإمارات في السؤال من نحن؟ وأي مستقبل ينتظر الوطن؟

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top