الترجمة جسر نحو الاخر

نشر في 27-10-2009
آخر تحديث 27-10-2009 | 00:00
 طالب الرفاعي حينما انطلقت سلسلة «من المسرح العالمي» عن وزارة الإرشاد والأنباء، وزارة الإعلام الكويتية حالياً، في أول أكتوبر عام 1969، بمسرحية «سمك عسير الهضم» بقلم الكاتب الغواتيمالي مانويل جاليتش، ترجمة وتقديم الدكتور محمود علي مكي، إنما كانت تجاري عصرها، في واحدة من أهم فترات ازدهار المسرح عالمياً، فاتخذت لنفسها خطاً في ترجمة أهم المسرحيات العالمية، ونقلها إلى اللغة العربية بأقلام المُترجمين المُتخصصين، لتكون مُتاحة لأهل المسرح والثقافة والفن من جهة، وقرّاء العربية أينما كانوا، من جهة ثانية، ولتضع القارئ العربي أمام حركة تطور النتاج المسرحي الأجنبي، أياً كانت لغته، وبما يتيح وصلاً وانفتاحاً على فكر وعلم الآخر.

ومن المؤكد أن الاهتمام بملاحقة وترجمة أهم الإصدارات الفكرية العالمية، كان وراء إطلاق واحدة من أهم السلاسل الثقافية العربية، وأعني بها «سلسلة عالم المعرفة»، التي صدرت باكورتها من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، في يناير عام 1978، وشكّلت واحدة من أهم السلاسل الثقافية العربية، في ترجمتها لأهم ما توصل إليه الفكر الأجنبي في العلوم والفلسفة والسياسة والاقتصاد والفن.

إن الترجمة في واحدة من تجلياتها هي قراءة في وعي وثقافة وفكر الآخر، وبالتالي محاولة فهمه والاتصال والوصل به، لكن، ظل على الدوام، اهتمام المؤسسة الرسمية والأهلية والمُترجم العربي، منصباً على نقل فكر الآخر إلى اللغة العربية، وقليلة جداً، إن لم تكُن منعدمة، هي المشاريع العربية المدروسة والمستمرة لترجمة الفكر والفن العربي إلى الآخر.

لقد بات واضحاً أثر العولمة على الشعوب، وصار شأناً يومياً انكشاف الإنسان أينما كان على العلم والفن والفكر والثقافة الأخرى، وربما شكّل ذلك واحداً من أهم مشاريع الوصل الفكري والثقافي الإنساني، القادر على التصدي للعنف الأعمى، العنف الذي يتخذ من أرواح الأبرياء وقوداً لدوران ماكينته المجنونة.

إن الإقدام على مشروع إنشاء سلسلة شهرية أو دورية لترجمة الفكر والفن العربي إلى اللغة الأجنبية، والإنكليزية تحديداً، بسبب انتشارها الواسع، بات أمراً ملحاً وضرورياً، ويوازي في أهميته ترجمة المعارف الأجنبية إلى اللغة العربية.

إن الدارس للفكر العربي المعاصر، فلسفةً وفناً وأدباً، يرى بوضوح تطور وندية هذا الفكر والفن، ووقوفه جنباً إلى جنب مع أي فكر أو فن معاصر، وبالنظر إلى الظرف الإنساني والاجتماعي القاسي الذي يمرّ به الإنسان العربي، وتأثيرات ذلك المباشرة وغير المباشرة وظلاله القاتمة على صورته لدى الآخر، فإن ذلك يجعل لهذا المشروع أهمية قومية كبرى، ويجعل من البدء به مشروعاً ثقافياً عربياً ملحاً.

إن وجود الكتاب العربي المُترجم على مائدة الفكر العالمي يكاد يكون منعدماً، ما يشعر أجيال كثيرة من الناشئة والشباب العربي بالحرج والخجل وربما الدونية، ويكرس لديهم قناعة بتفوق الآخر، وعجز الفكر والفن العربي عن مجاراة نبض العصر، وهذا مُجافٍ للحقيقة.

إن انطلاق مشروع ثقافي لترجمة النتاج الفكري والفني والأدبي العربي إلى اللغة الأجنبية، يعني فتح نافذة ملونة صوب الآخر، وكم نحو في حاجة إلى هذا النافذة؟ 

back to top