جمهوريّة قلبي لمحمد اسكندر... رفضٌ نسوي وقبولٌ ذكوري
هل يتعمّد المغني اللبناني محمد اسكندر اختيار مواضيع تثير البلبة للخروج عن المألوف وسط الروتين والرتابة اللذين يسودان ساحة الأغنية اليوم لا سيما الشعبية؟ لماذا واجهت أغنيته الجديدة {جمهورية قلبي} (كلمات فارس اسكندر، ابن محمد اسكندر، ألحان سليم سلامة) ردود فعل متناقضة؟ {كل ما قلبي عم ينبض وبعزّك، بتبقي ملكة وما بقبل تنْهزّي.شغلي وسهري وتعبي عشانك، عندي فيهن لذّة
نحنا ما عنَّا بنات تتوظَّف بشهادتها، عنَّا البنت بتدلَّل كلّْ شي بيجي لخدمتها. شغلك قلبي وعاطفتي وحناني، مش رح تفضي لأيَّ شي تاني، بيكفّي إنِّك رئيسة جمهورية قلبي.شيلي الفكرة من بالك أحلالك، ليش بتجيبي المشاكل لحالك؟ تَنفرض بقبل تشتغلي، شو منعمل بجمالك؟ بكرا المدير بيعشق وبيتحرّك إحساسو، وطبيعي إني إنزل هدّْ الشركة عَ راسو}.حقوق المرأة عَ عيني وعَ راسي، بس يا ريتك بتراعي إحساسي، وجودك حدّي بقوِّيني، وهيدا شي أساسي.وشو هالوظيفة اللي بدا تفرِّق ما بيني وبينك، يلعن بيّْ المصاري بحرقها كرامة عينك}. أثارت كلمات هذه الأغنية موجة كبيرة بين المعارضة والتأييد، فاعتبرها معظم النساء أنها موجّهة ضدّهن واتّهمن اسكندر بأنه يرفض الاعتراف بالمساواة بين المرأة والرجل ويقصد الانتقاص من حقّهنّ المشروع في الحياة، من خلال أغنية لا طعم لها ولا لون سوى التحريض على المرأة العاملة التي تبذل مجهوداً للتوفيق بين منزلها وعملها.أما الرجال ذوو المفاهيم الشرقية البحتة فوافقوا اسكندر على معاني أغنتيه مشدّدين على ضرورة أن يقتصر حضور المرأة في منزلها وأن تقوم بوظائفها الطبيعية وسط أسرتها، فيما لاحظ آخرون أن موضوع {جمهورية قلبي} جديد غايته التسلية والترفيه وتحقيق خبطة فنية نظراً إلى إيقاع الأغنية السريع الذي يتناسب وأجواء السهر الصيفية ولا داعي لتحميلها هذه المعاني كلّها التي تبعدها عن حقيقتها.تظاهرة {نسويّة}اكتسحت هذه الأغنية، التي طُرحت منذ أسابيع في الأسواق اللبنانية والعربية الملاهي والمقاهي والمطاعم في العاصمة بيروت واحتلت المراتب الأولى في سوق الكاسيت وسباق الأغنيات وشكّلت موضوعاً دسماً للإعلام وحتى للجمعيات الخاصة بحقوق المرأة التي اعتبرتها بمثابة {إهانة}.ففي بيروت نظّمت جمعية {نسوية} تظاهرة رفعت فيها شعارات ويافطات ومما كتب فيها: {بدي كون رئيسة جمهورية لبنان}، {الفن رسالة حضارة لا دعارة}، {المرأة صحافية، طبيبة، محامية، وزيرة...}، {لا للفن الهابط، لا للإعلانات الذكوريَّة، لا لصورة المرأة النمطيَّة}. توضح لين الهاشم الناشطة في جمعية {نسوية} أن التجمّع لم يكن موجّهاً ضد محمد اسكندر بل ضدّ كل من يسيء إلى المرأة، تقول: {لا أصدّق أنه في عصرنا الراهن، ثمة من يتعاطى مع النساء بهذه الطريقة، لم تكن هذه الأغاني موجودة في الستينيات والسبعينيات}.تضيف الهاشم أن كلمات الأغنية تنظر إلى المرأة بطريقة دونيّة فيما يجب أن تحمل الأعمال الفنية رسالة إيجابية إلى المجتمع. تنتقد الهاشم الأغاني التي تسيء إلى المرأة وتشير إلى إعلان لأحد المتاجر، تظهر فيه فتاة تحلم بربح جائزة مالية كي تستطيع إيجاد عريس، تقول: {حين يخاف الرجل من عمل زوجته فهذا يعني تهديداً مباشراً لرجولته}.في الإطار نفسه، دعت إحدى الجمعيات النسائية السورية الناس إلى إرسال احتجاجات إلى الإذاعات السورية يطالبون فيها عدم بثّ {جمهورية قلبي}، كذلك نظّمت مجموعة من أنصار تحرير المرأة في بيروت تظاهرة ضد الأغنية.ضجّة بلا طائليستغرب كاتب الأغنية الشاعر فارس اسكندر الضجة التي أثيرت حول {جمهورية قلبي}، مؤكداً أنها لا تحمل أي انتقاص من كرامة المرأة، بل على العكس تضيء على مشكلة اجتماعية وهي التحرّش الجنسي الذي تتعرّض له النساء في مكان العمل أو في سيارات الأجرة.يضيف اسكندر أن الأغنية تنطق بلسان شبان كثر في مجتمعنا الذين، لولا المشاكل الاقتصادية التي يعيشونها، لكانوا منعوا زوجاتهم من العمل. ويوضح في هذا المجال أن الأغنية تبرز الغيرة الموجودة بين أيّ شريكَين، وأنه يؤيد عمل المرأة واصفاً إياها بسند الرجل ومؤكداً خوفه عليها انطلاقاً من كونه عربياً شرقياً همّه الحفاظ على كرامتها.كذلك، يستغرب الملحّن اللبناني سليم سلامة الضجة المثارة حول الأغنية، موضحاً أنها لا تنتقص من قدر المرأة بل على العكس تظهر مدى تقدير الرجل لها وخوفه الكبير عليها، يضيف: {لكل شخص تفكيره المختلف عن الآخر، ثمة رجال يؤيدون عمل المرأة ولا يحبّذ آخرون الفكرة لغيرتهم عليها}.يشير سلامة إلى أن هذه الأغنية تعبير واضح وصريح عن واقع موجود بشكل كبير في مجتمعنا الشرقي.آراءتقول وفاء (37 سنة، موظّفة في مصرف) إن الأغنية لم تعجبها لأنها {تصوّر مجتمعنا اللبناني، الذي نحاول قدرالإمكان تطويره ليكون مجتمعاً حضارياً مثقفاً، بأنه متخلّف لا يسمح للمرأة بأدنى حقوقها وهو العمل}.تضيف وفاء: {منذ فترة طويلة، أثبتت المرأة تفوّقها على الرجل في ميادين عمل كثيرة إذا لم نقل كلّها ولولاها لما تقدّم المجتمع اللبناني ولما نشأت أجيال جيدة مثقّفة وناجحة في الحياة}. من هنا وجدت وفاء في هذه الأغنية استغلالاً للمرأة للقيام بخبطة فنية تتحدّث عنها وسائل الإعلام والناس.تختم وفاء: {شاء القيّمون على هذه الأغنية أم أبوا، ستبقى المرأة متألّقة وناجحة في العمل ومتفوّقة على الرجل لأنها تستطيع التوفيق بين منزلها وعملها على أكمل وجه}.في المقابل، لم تستفزّ الأغنية ديما (25 عاماً) بل على العكس تقول ضاحكة: {يا ريت بلاقي رجال يستّتني بالبيت وينفذلي طلباتي، شو بدّي أحسن من حدا يقلّي يلعن بَيْ المصاري بحرقها كرامة عينك}. تستغرب ديما الضجة المثارة حول الأغنية مشيرة إلى أن كل شخص حرّ برأيه وبالنظر إلى الأمور بشكل مختلف، {لن تزيد أغنية على حقوق المرأة أو تقلّص منها}.في هذا السياق، يصف سمير (30 سنة، موظّف) الأغنية بأنها خبطة الموسم وتضفي الحماسة والفرح على أجواء السهر، يقول: {أعجبني إيقاعها السريع وكلامها المستفزّ لبعض النساء، مع أنني أؤيد المرأة العاملة ولا أحبّ أن تكون زوجتي ربة بيت فحسب بل عنصراً فاعلاً في المجتمع}.ليست {جمهورية قلبي} أغنية محمد اسكندر الأولى التي تثير زوبعة في فنجان بل يذكر الجميع المعارضة التي واجهت أغنيته السابقة {قولي بحبني} التي قال فيها: {يلي بيرميكي بوردة براسو بخرطش فردي، يلي بيطّلّع فيكي تا يتملو عيالو}... واتهمه كثر بأنه يحرّض على العنف والقتل.