الفنانة جاهدة وهبي: ألبومي خلطة سحريّة تشفي المرأة من عذاباتها

نشر في 19-08-2009 | 00:00
آخر تحديث 19-08-2009 | 00:00
No Image Caption
تملك المطربة والملحنة والممثلة اللبنانية جاهدة وهبي قدرة الشاعر على التعامل مع آنية الشعر والإمساك بها لوضعها في الإطار المناسب، ولأنها أدركت أن الشعر والنثر تعبير عن المجموع وبلورة أمينة لما يدور في الكون طوعتهما جملاً موسيقيّة.

بإيقاع ضاغط يأخذ صوتها بتلابيبك ويشدّك إليه شداً، وبلغة مجنّحة ذات إيحاءات دالة يربط بين النفس والأشياء الخارجية. تلج معها إلى مرآة الزمن الجميل عندما تغني للكبار ببساطة وانسيابية نادرتين حتى تشعر أنك شاركت في تشكيل هذا الإبداع المتميّز.

عبر مكنون عاطفي يتحرّك تجاه الآخر غنّت وهبي أخيراً للمرأة مصيبتها: صعوبة النسيان، في عمل مشترك مع الكاتبة أحلام مستغانمي.

حول عملها الأخير «أيها النسيان هبني قبلتك» بعد «كتبتني» وتجربتها الغنائية المختلفة كان الحوار التالي.

جاءت تجربتك الأخيرة مشتركة مع الكاتبة أحلام مستغانمي التي أصدرت كتاباً عن النسيان بعنوان «نسيان . com»، فيما أطلقت أنت ألبوم حول هذا الموضوع. لماذا النسيان تحديداً؟

سبق أن قدمت حوالي 15 عملاً من كلمات مستغانمي وألحاني. كانت أخيراً تطلعني على قصيدة جديدة لها بعنوان «أكبر خيانات النسيان» فاقترحت عليها إصدار عمل كامل حول الموضوع. فعلاً أطلقت الـ CD الذي أخترت له عنوان «أيها النسيان هبني قبلتك» ويحتوي على أربع قصائد لمستغانمي: «أبداً لن تنسى» يرافقني فيها غسان سحّاب على آلة القانون، «أكبر الخيانات النسيان» على إيقاعات طوني عنقة وتوزيع كلود شلهوب، «أيها النسيان هبني قبلتك» على إيقاعات روني برّاك ومن توزيع ميشال فاضل، وأخيراً أغنية Bonus Track.

كتاب مستغانمي وألبومي جزء من «رباعية الحب الأبديّة»، فالحب ينقسم بحسب مراحله الى أربعة فصول: اللقاء والدهشة، الغيرة واللهفة، لوعة الفراق، وروعة النسيان. وثمة مشروع مشترك بيني ومستغانمي لإستكمال الحديث عن مراحل الحب كافة، وربما يكتمل المشروع كله خلال سنة.

بدأنا بالنسيان لأننا نعتبر أنه موضوع شائك لدى المرأة تحديداً التي تعاني من عدم النسيان وهي صديقة للوفاء، فيما الرجل صديق النسيان. في الكتاب والألبوم ما يشبه وصفات لنسيان رجل أو خلطة سحريّة تخلّص المرأة من عذاباتها.

الاهتمام بموضوع واحد في الألبوم، ألا يؤثر على رواجه؟

قد يؤثر، وفي الوقت نفسه قد يكون حافزاً أكبر للتسويق، لا سيما إذا كان الموضوع النسيان. ففي الحياة عموماً لغزين: الحب والموت، والنسيان مرتبط بالحب أو هو وجهه الآخر، فإن لم تكوني تعيشين قصة حب فأنت بالضرورة تحاولين نسيان أحد ما أو تفتشين عن حب جديد.

أعتقد أن شريحة القرّاء والمستمعين المهتمة بالنسيان كبيرة، وأكثر بكثير من الذين يتحمسون لقراءة كتاب عن الحب.

هل تريدين مع الروائية أحلام مستغانمي إنشاء حزب النسيان؟

نعم وأعتقد أن هذا الحزب سيحظى بأصوات كثيرة لأن الخيبات في الحب خصوصاً كثيرة، فكل حب مرشّح لأن ينتهي. أشير هنا إلى أننا أنشاءنا موقعاً إلكترونياً لجمع تواقيع من يريد الانضمام إلى الحزب، حتى أن الكتاب يبدأ ببلاغ أسمته مستغانمي «بلاغ رقم واحد»، وتدعو فيه الى إنشاء حزب للنسيان، يسعى الى «مواجهة إمبريالية الذاكرة، وعدوان الماضي العاطفي علينا»، والانشقاق عن الأحزاب والطوائف والجنسيات والانخراط في حزب «جميعنا متساوون فيه أمام الفقدان».

هل تعيشين النسيان في حياتك اليومية؟

أنا شخص وفي جداً ويسترجع الماضي كثيراً ويحن إليه. لا أنكر أن هذا العمل ساعدني كي أشفى من كراكيب الذاكرة، لكن لا شك في أنني أحاول دائماً أن أتسلّح بقول الروائي نجيب محفوظ: «الماضي منصّة للقفز وليس أريكة للاسترخاء»، بمعنى آخر أحاول أن أتعلّم من الماضي وحتى عندما أسترجعه أرى النصف الملأن من الكأس.

لماذا تشتركين دائماً مع روائيين وروائيات بمشاريع ثقافية فنية؟

همي دفع المستمع إلى التأمل في الشعر والنثر من خلال الموسيقى، لذا أعتمد في أعمالي على الكلمة المشغولة بعمق، وأنا قارئة نهمة للروايات والشعر. كذلك تربطني علاقات صداقة بكتّاب كثيرين. عموماً، أرى أنه لا يجب أن ننهل من مخزوننا الأدبي الغزير والكثيف الذي يُهمش في ظل الموجة الفنية الهابطة.

غنيّت قصائد صوفية للحلاج مثلاً، هل يألف الجمهور هذا النوع من القصائد الذي لم يعد يجد من يكتبه اليوم؟

أعتقد أن الجمهور يستمتع بكل ما هو جميل، لكن ماذا يفعل إذا كان الإعلام المرئي والمسموع قد ابتعد عن كل ما هو جميل واكتفي بالسلع الاستهلاكية السريعة؟ نعم، لا نجد من يكتب هذا النوع من الشعر اليوم لأن العالم بات بعيداً عن التأمل، وملتصقاً بالتكنولوجيا التي تسير به كيفما ارتأت. أعتقد أن المرء لم يعد قادراً على الاختلاء للنفاذ إلى عالم الصوفية والكتابة عنه والتفلّت من قضبان التمذهب والأصولية.

هل تستطيع الكلمة الشعرية الصمود أمام تحولات العصر وتبدلاته، خصوصاً مع رواج الكلام المبتذل والسطحي؟

أقدّم الكلمة الجديّة، وأنا لست على يقين أن هذه التجربة قد تصمد وتتناسل وتتواصل. فعلاً، العولمة تأكلنا كأمم صغيرة، لكن لا نستطيع إلا أن نربّي الأمل على طريقة محمود درويش. لعل المختلف يظهر في خضم هذا السواد والضجيج والصخب الفني، وربما يشعر الجمهور بالتخمة من الفن الرديء. بالنسية إليّ، قد لا أنصف اليوم بل مستقبلاً لأن همي إبداعي وليس تجاري، فأنا أفكر في استمرارية الأغنية ولا أستطيع أن أقدّم ما لا يشبهني.

لكن ألا يتوخى هذا النوع من الفن الجمهور المخملي فحسب؟

أرفض مقولة «الجمهور عايز كده»، لأن شركات الإنتاج هي التي تروّج السلع والأنماط الفنية التي تريدها، بالتالي الجمهور لا حول له ولا قوة. قد أتنازل قليلاً وأجذب الجمهور نحوي قليلاً لنصل إلى مكان نتفق عليه.

من خلال تجربتي رأيت أن شريحة المستمعين إلى الفن الأصيل تزداد يوماً تلو آخر، حتى أن الشباب يطالبونني بحفلات.

أي شعور يلامسك وأنت تؤدين أغنيات الكبار مثل عبد الوهاب وأم كلثوم، هل تستعدين ذاكرة الأصوات؟

عندما أغني عموماً أنتقل إلى مكان فريد. الغناء يجعلني أتنفس هواءً مختلفاً ويجعلني أناساً كثيرين. خلال تقديم أغنيات العمالقة أشعر بمتعة، وأعيش حالة الطرب كي أطرب الجمهور، فأشعر أن الدنيا ما زالت بخير، أضيفي إلى ذلك أنني أصبح في حالة منافسة بيني ونفسي لتقديم هذه الأغنيات الأصيلة بشكل يضيف إليها جديداً ولا يشوهها في الوقت نفسه، بذلك أرسم خيطاً بين الأصالة وجيل الحاضر الذي لا بد من أن يتعرّف إلى الموروث التاريخي كي يتغلّب على الشرخ الذي يفصله عن هويته الأصلية.

كيف تطوعين النثر؟

ليست عملية ممنهجة. يأخذني النص أحياناً إلى المسار اللحني الخاص به، فقد تأتي العملية سهلة جداً وتلقائية أو قد تكون صعبة جداً. ثمة نصوص جاء لحنها تلقائياً بسرعة وشفيت منها سريعاً مثل نصوص أنسي الحاج. لكن عندما أشتغلت على نص «لا تلتفت إلى الوراء» لغونتر غراس أو بعض نصوص أحلام مستغانمي شعرت أن التلحين كعملية المخاض ولم أرتح حتى نضج النص اللحني وأصبحت راضية عنه.

تعتريني حالات من البكاء أحياناً أثناء التلحين وأحتاج فترة طويلة كي أستأنف العمل، لا سيما أنني أطّلع على النص مراراً وتكراراً وأحاول أن أراه من زوايا عدة وأقرأ بين الكلمات والأسطر، من هنا أضع نفسي على سكة اللحن.

عندما يكون النص صعباً لا بد من أن تأتي الموسيقى التي سأسكبها عليه شفافة فيسمعها المتلقي ويحاول تردادها، بالتالي يحب الكلام ويحفظه، وأعتقد أنني نجحت في الاقتراب من أذن الشباب على رغم أنها اعتادت الإيقاع السريع.

«لا تلتفت إلى الوراء» نص فلسفي وجودي، أليس تقديم هذا النوع من الأغنيات مع شاعر أوروبي مغامرة؟

طالما اشتغلت على النصوص المعربة، ونحن بحاجة إلى تقديم هذا النوع من النصوص الذي يبحث في وجود الإنسان وعلاقته مع نفسه ومع الآخر ومع الله، لا سيما في هذا العصر المضطرب، وضياع الإنسان العربي بين متاهات العولمة التي لم يستوعبها بعد ولم تألفه هي بدورها.

أعتقد أن لحن القصيدة ساهم في نجاحها لأنه يجمع بين النمط الغجري والأندلسي الشرقي الذي يمس شرائح كبيرة من الناس وليس العرب فحسب.

درست الإنشاد البيزنطي والسرياني والغناء الأوبرالي، ما الفائدة التي تحصلين عليها من الإلمام بهذه الأنواع الموسيقية؟

الإنشاد البيزنطي أحد فروع الإنشاد الترنيمي المسيحي، أما السرياني فترنيم ديني باللغة السريانية. استفدت من دراسة هذه الأنواع الموسيقية، وتعززت قدراتي الأدائية والتلحينية، فالموسيقى اقتبست من الموروث الديني لدى الشعوب. أما الأوبرا وعلى رغم أنه لا يوجد في الموسيقى العربية النهج الأوبرالي إلا أن هذا النهج الموسيقي الحديث يطوع اللغة العربية، ويتعلم الفنان من خلاله كيفية استخراج الصوت عبر الجسد.

كيف يكون رد فعلك عندما تتلقين مديحاً من شاعر مثل أنسي الحاج؟

أسعد جداً، لكنني أشعر بالخوف في الوقت نفسه من أن تجف قريحتي الفنية أو أن أكرر نفسي.

هل يريحك أن تقرأين مقالة جيدة عن أعمالك أم أن يكون لك جمهور كبير؟

أولاً، يهمني كاتب المقالة. ثانياً، يهمني النقد الإيجابي والسلبي وأعرف كيف أستفيد منه كي أحسّن أدائي، لكن لا شك في أن الحالة التي يشكلها الفنان مع الجمهور لا تضاهيها أي حالة أخرى، والجميل أن هذه الأحاسيس التي تشكلها لا تشبه بعضها، فمع كل جمهور وكل منصة سفر إلى محطات جديدة.

هل تعتقدين أن الجمهور الخليجي ما زال متمسكاً بالغناء العربي الأصيل أكثر من غيره؟

أعتقد أن الجمهور الخليجي لم يصاب بعد بلوثة الانغماس بالموسيقى الغربية والابتعاد عن موسيقتنا العربية الأصيلة كما حدث مع الجمهور اللاخليجي. أذنه ما زالت متعلقة بالموسيقى الجديّة لأن انفتاحه على أنماط موسيقية أخرى تأخر مقارنة ببلادنا، إضافة إلى أن الموسيقى الخليجيّة غنية بالمقامات والإيقاعات الموسيقية.

بين الغناء والتلحين والتمثيل المسرحي والتلفزيوني، متى تشعرين أنك تعيشين لحظاتك المفضلة؟

عندما أمثّل على المسرح وأغني من ألحاني في آن، تماماً كما فعلت في عمل لجواد الأسدي بعنوان «نساء السيكسفون». عموماً، أركّز أكثر على الغناء والتلحين راهناً، لكنني أشتاق إلى المسرح دائماً.

وجديدك؟

أطلق قريباً ألبوم من أشعار محمود درويش وأدونيس وأنسي الحاج والأخطل الصغير وأحمد رامي وسعاد الصباح وموضوعه خاص نوعاً ما.

ماذا تقولين عن محمود درويش في الذكرى الأولى لرحيله؟

شكّلني شعر درويش كإنسانة وفنانة، فقد نشأت على قراءة قصائده. إنه فعلاً أهم شاعر عربي أنجبه هذا العصر لأنه ساهم في تطوير الشعر الحديث، وهويته العربية لم تمنعه من الإيمان بالحداثة، لذا كتب للوطن والمرأة والطفل والكائن الحي من دون تمييز. إنه شاعر البلاد الذي ظلّ يبحث عن جذور فقدها يوم التهجير، وقال:

بلادي البعيدة عني...كقلبي

بلادي القريبة مني...كسجني

لماذا أغني

مكانا ووجهي مكانا؟

لماذا أغني؟

 

back to top