السينما المصريّة... في مرحلة التأصيل والانتشار
الحدث الثقافي السينمائي الأهم الذي شهدته سينما 2009 في مصر انعقاد حلقة بحث بعنوان: {السينما المصرية... التأصيل والانتشار من 1935 إلى 1952}، أعد لإقامتها، من خلال المجلس الأعلى للثقافة، الناقد والمخرج التسجيلي البارز هاشم النحاس الذي أعد سابقاً الحلقة البحثية الأولى وأشرف عليها، وكانت تحت عنوان {السينما المصرية... التأصيل وبدايات الازدهار}.بحثت الحلقة الجديدة في تاريخ السينما المصرية ـ مثل سابقتها ـ من محاور عدة: اجتماعية، اقتصادية، تاريخية...
استكمالاً لحلقة البحث السابقة، ركزت الحلقة الجديدة على الفترة بين عامي 1935، 1952، باعتبار أن عام 1935 يمثل مرحلة جديدة في السينما المصرية نشأت مع بداية تأسيس ستوديو مصر، كما يقول النحاس، ويكاد يجمع الباحثون على ذلك أيضاً، وتنتهي مع بداية مرحلة ثورة يوليو 1952 التي أدت إلى تحولات جذرية في المجتمع المصري على الأصعدة كافة من بينها السينما. بطبيعة الحال لا تعني السنوات التي تمثل البداية والنهاية لهذه المرحلة سنوات {تقطع} بينها، ذلك أن المراحل الفنية تتداخل سواء في السينما أو غيرها، كما تتداخل المراحل التاريخية عموماً.من الباحثين الذين شاركوا في الحلقة، إلى جانب النحاس، كل من الناقدين والمؤرخين السينمائيين أحمد الحضري ومحمود علي، الناقد كمال رمزي، المخرج د. محمد كامل القليوبي، د. مجدي عبد الرحمن أستاذ التصوير والخبير في الأرشيف والمعامل، د. قاسم عبده قاسم أستاذ التاريخ ، د. السيد ياسين أستاذ علم الاجتماع السياسي وغيرهم...افتتحت الحلقة ببحثي النحاس والقليوبي، طرح الأول في دراسته {قضايا خلافية في تاريخ السينما المصرية}، أسئلة مثيرة للجدل حول بداية السينما المصرية واختلاف الرأي في هذا المجال، إذ اعتبر أن البداية الحقيقية للسينما كانت عام 1935، بالإضافة إلى أسئلة أخرى حول كيفية تحديد العصر الفني وتقييمه، وهو بحث يمكن العودة إليه على نحو مفصل، لأهميته وإثارته النقاش والاختلاف أحياناً. في بحثه {أساطير جديدة في سينما قديمة} يوضح د. القليوبي أن السينما المصرية التي اعتمدت في بداياتها على أساطير التراث الشعبي المصري، ما لبثت أن عادت إلى القيم الأسطورية {الرجعية} ذاتها عندما انتقلت إلى معالجة أحداث معاصرة في أفلامها، ويوضح أن ذلك بدأ مبكراً مع فيلم {ليلى} عام 1927، إذ كان، بحسب القليوبي، نموذجاً لمواصفات الفيلم الاستثماري المصري الذي اتخذ غطاء وطنياً وتبدو فيه المرأة الأجنبية مصدر الشر والخراب للأسرة المصرية (إشارة رمزية للاستعمار)، وهو ما تكرر في أفلام عدة تالية.أما المؤرخ محمود علي فيلقي الضوء في بحثه حول {البنية الاقتصادية للسينما المصرية}، على أوجه النمو للبنية الاقتصادية التحتية للسينما المصرية في أعقاب إنشاء ستوديو مصر عام 1935، وهي البنية التي عملت على إرساء الدعائم الاقتصادية للسينما المصرية وضمنت استقرار وجودها. شملت الدراسة الأستوديوهات، المعامل، شركات الإنتاج، دور العرض، التوزيع.من جهته، يرى د. قاسم في دراسة {السينما والتاريخ.. هل هناك أفلام تاريخية؟} أن للتاريخ جاذبيته لدى جمهور السينما، حيث تشبع الأفلام التاريخية حاجته إلى التعرف على ذاته من ناحية وتأكيد هويته من ناحية أخرى، لذلك يزداد الإقبال على الأفلام التاريخية، من هنا حرص السينما الأميركية والأوروبية على تقديم العديد منها، ويذكر د. قاسم نماذج من هذه الأفلام التي تتوخى الصدق التاريخي مثل {مملكة السماء}، {الفارس الثالث عشر}. أما بالنسبة إلى الأفلام المصرية فيجيب بالنفي عن السؤال الذي طرحه في عنوان دراسته {هل هناك أفلام مصرية تاريخية.. حقيقية؟}، ويتناول الأفلام واحداً بعد آخر مبيناً فيها أوجه القصور أو حتى الانحراف عن الحقائق التاريخية.يختتم الباحث ملاحظاته بأن الفيلم التاريخي الحقيقي هو الذي يتحمل مسؤولية بناء الهوية الوطنية في زمن توارت فيه مصادر الهوية الأخرى بسبب العولمة، ضبابية الأوضاع الداخلية، تآكل مقومات الانتماء الوطني ووشائجه، تنامي مشاعر الإحباط الفردي والجماعي.حقاً، ما زالت السينما الأقدر على القيام بدورها في مجال الفيلم التاريخي الذي يجب أن يقوم على ثلاثية: العلم التاريخي، الفن السينمائي، الحبكة الدرامية.