ورطة أوباما في استراتيجية الأمن القومي

نشر في 01-06-2010
آخر تحديث 01-06-2010 | 00:01
منذ نهاية الحرب الباردة، يحاول صناع السياسة في واشنطن، بدرجات محدودة من النجاح، تحويل التحالفات التي تعود إلى فترة الحرب الباردة إلى شراكات ما بعد تلك الحرب بحيث تكون قادرة ومستعدة لتشاطر عبء المهمات الأمنية المحددة عالمياً.
 ناشيونال إنترست تحدث الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي، في الأكاديمية العسكرية الأميركية، عن موضوع مألوف تحسّر عليه جميع من تعاقبوا على الرئاسة الأميركية في الفترة الأخيرة، حين قال، "يجب ألا تقع أعباء هذا القرن على جنودنا وحدهم، أو على الأميركيين وحدهم". كذلك أكد أوباما مقترحات مقبولة في وعده بأن "يكون ملتزماً بتعزيز تلك التحالفات القديمة التي أفادتنا كثيراً"، ورغبته "في بناء شراكات جديدة، وإنشاء معايير ومؤسسات دولية أقوى". يُذكَر أن استراتيجية الأمن القومي الأميركية لعام 2010 التي أُطلقت لتوّها تواصل هذه المقاربة، معلنةً أن "التحالفات تضاعف القوة: فعبر التعاون والتنسيق بين الأمم، ستكون نتيجة أعمالنا ككل أعظم دوماً مما لو تصرفنا بمفردنا".

لكن على غرار حكاية يعسوب عن الفئران التي قررت وضح جرس إنذار حول رقبة القطة، فالمهمة أسهل قولاً منها فعلاً.

فالتحالفات الأميركية الحالية أشبه بـ"القِرب القديمة" التقليدية، حيث يتبين من الصعب جداً سكب "الماء الجديد" الذي تمثله التحديات الأمنية للقرن الحادي والعشرين. كان هدف التحالفات التي صقلتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إضعاف وإحباط "الهجمات الخارجية" المحتملة لقوة عظمى أوروبية آسيوية في أوروبا الغربية، والشرق الأوسط، وشرق آسيا. فقد وافقت البلدان على حشد جهودها الأمنية لمجابهة خطر محدد وملموس، وذلك عادةً ضمن مناطق عمليات جغرافية محددة فحسب.

في هذا الإطار، شكّلت الولايات المتحدة مركز هذا النظام من التحالفات الإقليمية التي تلتقي كل منها شكلياً في واشنطن من دون أن تتفاعل إحداها مع الأخرى بشكل فعلي. لم تكن اليابان وكوريا الجنوبية مثلاً ملتزمتين بالدفاع عن أوروبا. ذلك يعني نظرياً أنه لو كان الاتحاد السوفييتي قد شن هجوماً على الغرب عبر ممر فولدا، لاستطاعت طوكيو وسيئول التزام الحياد. وعلى نحو مماثل، بالنظر إلى القيود الجغرافية المفروضة على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لم يكن التحالف الغربي ذا نفع بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي كانت ملتزمة بوقف زحف الأنظمة المؤيدة للاتحاد السوفييتي في آسيا وإفريقيا.

منذ نهاية الحرب الباردة، يحاول صناع السياسة في واشنطن، بدرجات محدودة من النجاح، تحويل التحالفات التي تعود إلى فترة الحرب الباردة إلى شراكات ما بعد تلك الحرب، بحيث تكون قادرة ومستعدة لتشاطر عبء المهمات الأمنية المحددة عالمياً. ما من شك في أن بعض الدول أبدت اهتمامها، وقد افترضت الدول الأعضاء الجديدة والمستقبلية في حلف شمال الأطلسي، مثلاً، بأن تعبيرها الملموس عن دعمها للعمليات الأميركية في أماكن مثل العراق وأفغانستان ستكون بمنزلة استثمار في اهتمام الولايات المتحدة المستمر في أمنها.

مع ذلك، تواصل دول "الناتو" ككل التصارع مع كامل مفهوم المهمات "في الخارج" ولايزال "الناتو" يحاول في مفهومه الأمني المقبل إيجاد حل لتلك المسألة. يقوم بذلك جزئياً عبر ربط المهام العالمية بالدفاع عن مصالح أوروبا والولايات المتحدة الحيوية، مثل المهمة المستمرة في أفغانستان أو عمليات مكافحة القرصنة بمحاذاة السواحل الصومالية. كذلك تجرب استراتيجية الأمن القومي لعام 2010 هذه الخدعة اللفظية الماكرة، معلنةً أن "الناتو" يجب أن يكون قادراً على معالجة "تحديات القرن الحادي والعشرين كاملةً، ويشكل في الوقت عينه أساس الأمن في أوروبا".

في المقابل، لم تثمر هذه المقاربة التزاماً أوروبياً بقدر متساو في العمليات العسكرية الناشطة في أنحاء العالم كافة. فإن قارنا عدد الجنود الذي تساهم به كل دولة في قوات المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان، مثلاً، يتبين أن الولايات المتحدة حتى اليوم هي المساهم الأكبر بأكثر من 60 في المئة، وذلك فضلاً عن القيادة العسكرية الأميركية المنفصلة في أفغانستان والتي تعمل إلى جانب قوات المساعدة الأمنية الدولية.  

قد يشكل "الناتو" دوماً بديلاً موقتاً لسد الفراغ، لكن من غير المرجح أن يتبنى "الحلف" ككل الدور الجديد الذي ترغب واشنطن في أن تضطلع به الدول الأعضاء. وطالما أن "الناتو" هو "حلف الخيار" المفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فسيكون من الصعب اتّخاذ خطوات طويلة وشاقة لبناء منظمة أمنية عالمية جديدة.  

إذا ما اقتبسنا عن أميتاي إتزيوني مصطلح "السلطة الأمنية العالمية" الذي طرحه في عام 2003، وعدّلناه إلى حد ما، فقد تتضمن بعض مظاهر مثل هذه السلطة الجديدة ما يلي:

- دول ملتزمة بمفهوم عالمي للأمن، لا إقليمي.

- استعداد للمساهمة بقدر نسبي بحسب حجم البلاد وقدرتها الاقتصادية.

- الإيمان بأن التركيبة الراهنة للمؤسسات العالمية والنظام العالمي الذي أبدت الولايات المتحدة استعداداً لدعمه والدفاع عنه في القرن العشرين مفيدة، مثل المجتمعات المفتوحة التي لا تحظى بدفاع كاف، وخطوط التواصل المفتوحة، والتجارة الحرة.

- نظام انسيابي لاتخاذ قرارات بشأن الانتشار السريع للجنود واستخدام القوة.

لسوء الحظ، يواجه كل مسعىً لتحقيق ذلك عوائق كثيرة. بدايةً، نفتقر راهناً إلى مجموعة العوامل القادرة على توليد مثل هذا الاتفاق الأمني الجديد، فكلما ابتعد الخطر أو الأزمة عن أوروبا، قل احتمال أن ترغب الدول الأوروبية في المشاركة. فضلاً عن ذلك، قد تبدي دول ناشئة مثل الهند والبرازيل اهتماماً بأداء دور عالمي أكبر، فضلاً عن استعداد للمساهمة، لكن ليس طالما أنها ترى في النظام العالمي الحالي تناقضاً مع مصالحها. إلى ذلك، فالولايات المتحدة بحد ذاتها غير مستعدة لتشاطر سلطة مهمة في اتخاذ القرارات مع الدول الأخرى، لاسيما بعد تجربة الجيش الأميركي في حرب كوسوفو فضلاً عن الخلاف المستمر بشأن قواعد التدخل العسكري بين مختلف القوى المتحالفة في أفغاستان.

للمفارقة، قد يتمثل السبيل إلى المضي قدماً في اعتماد مفهوم "التحالفات الإرادية" وتطويرها، وذلك بالنظر إلى الطريقة المخزية التي طبق بها الديمقراطيون هذا المفهوم خلال فترة حكم بوش. لا يهدف ذلك إلى تصوير أي عملية تقودها الولايات المتحدة بشكل أساسي خطأً على أنها تمثل إرادة المجتمع الدولي، كما استُخدمت هذه الفكرة قبل حرب العراق، إنما إلى صقل شراكات منفصلة مع بلدان مقيدة بمعايير جغرافية واضحة وذلك بهدف تنفيذ مهمات محددة.

في المقابل، يُستبعد أن تتحد البرازيل، وفرنسا، والهند، ونيجيريا بطريقة ما تحت رعاية "ناتو عالمي". أما بخصوص بناء منظمة رسمية مثلاً لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي الغربي بدلاً من الحلف الحالي المحدد الهدف، فقد يساهم ذلك في بعض الفوائد التي ولدتها التحالفات التقليدية مثل "الناتو"، كعلاقات العمل الوطيدة والخطوات المتخذة باتجاه تعزيز التعاون العملي بين الدول، لكنه لن يلزم أن تقدم البلدان لبعضها بعضا ضمانات أمنية غير محدودة، كما في المادة الخامسة الشهيرة في نظام "الناتو".  

مع ذلك، لا يبدو  أن الولايات المتحدة تسير في هذا الاتجاه، إذ لاتزال ملتزمة على ما يبدو بإيجاد منظّمة منفردة مستعدة وقادرة على تحمل مسؤولية سيل التحديات الأمنية بالكامل. لذلك قد يدعو الرئيس بلداناً أخرى إلى مساعدته في حمل عبء الأمن العالمي، لكن في الوقت الراهن، يجب ألا يتوقع عروضاً كثيرة.

* نيكولاس غفوسديف | Nikolas Gvosdev محرر سابق في مجلة the National Interest ومعلق حول السياسة الخارجية في الصحافة المكتوبة والمرئية. يعمل راهناً في الكلية الحربية البحرية الأميركية.  

back to top