عُثر فيها على حياة منذ القرن السادس قبل الميلاد الصبية... مزيج من الحضارات في قطعة أرض!

عثرت البعثات المحليّة والدوليّة في منطقة الصبية على مكتشفات أثرية هائلة، أبرزها موقع تجاري كانت له صلة بالمراكز الحضارية في منطقة الخليج العربي خلال الألف السادس قبل الميلاد.

بدأت دول العالم المتحضر منذ وقت طويل التنقيب عن الآثار والبحث عن تاريخ الحضارات السابقة، لكن في الدول العربية جاءت الانطلاقة منذ سنوات قليلة للبحث عن الحضارات التي استوطنت آراضينا.

في هذا المجال خطت الكويت خطوة جيدة في مجال البحث والتنقيب عن الآثار والحضارات القديمة التي سكنت أرضها في عصور قديمة تعود الى آلاف السنين، فاكتشفت آثاراً كثيرة في جزيرة فيلكا ومنطقة الصبية ومناطق أخرى تعود الى عصور ما قبل التاريخ.

يحد منطقة الصبية من الشمال الغربي مرتفعات جبال الزور ومن الجنوب جون الكويت ومن الشرق جزيرة بوبيان، وبدأت عمليات البحث والتنقيب عن الاثار منذ عام 1998 من خلال البعثة الكويتية البريطانية المشتركة، واستمرت أربعة مواسم متتالية مدة كل واحد سنة.

البعثة البريطانية

بدأت البعثة البريطانية عملها في موقع العبيد في الصبية عام 1998، واستمرت حتى عام 2003، فاكتشفت في الموقع مستوطنة أرخت التي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من الألف السادس قبل الميلاد.

نشأت هذه المستوطنة على مرتفع رملي طبيعي واعتمد سكانها في غذائهم على الصيد البري والبحري. ووجدت البعثة فيها دلائل على الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ودلّت المكتشفات على وجود نشاط تجاري بحري بين سكان هذا الموقع والحضارات المجاورة.

الموقع الذي كشف عنه في منطقة الصبية نواة الاستيطان في الكويت الأولى، وعلى رغم أن الظروف البيئية تغيرت كثيراً منذ ذلك الوقت، إلا أن الدلائل الأثرية تشير إلى أن الاستقرار خلال العصر الحجري الحديث أصبح حقيقة مؤكدة وقد نشرت نتائج التنقيب في مجلات علمية عدة.

ضمن هذا الاتجاه، بدأت البعثة البولندية أعمالها في تلال المدافن في الصبية لموسم 2007، في منطقة مغيرة، وحفر الفريق موقع اتضح أنه بئر في منطقة مديرة، وتعتبر البعثة البولندية التي عملت جنباً إلى جنب مع الفريق الكويتي في تلال المدافن أن استكشاف تلال المدافن يعود إلى عام 1999 على يد فريق كويتي، كذلك عثرت البعثة في أحد هذه المدافن على كمية كبيرة من الخرز أرّخ بعضها بالعصر البرونزي بناء على زخارفه، إضافة إلى بقايا عظام بشرية.

نقوش وأحافير

تؤكد البعثات المحلية والدولية على أهمية هذه المنطقة، لأنها عثرت على نقوش وأحافير ورسومات ملونة لحيوانات قديمة تعود إلى العصر الحجري الوسيط، وبالإستناد إلى ذلك تخفي الصبية بين رمالها آثاراً ومقتنيات كثيرة شاهدة على حضارات كثيرة استوطنتها. كذلك عثرت البعثة في المنطقة على آثار تعود الى عصور ما قبل التاريخ، والعصر الإسلامي فقد أشارت دلائل البحث الى موقع تجاري كانت له صلة بالمراكز الحضارية في منطقة الخليج العربي استقر به الإنسان منذ منتصف الألف السادس قبل الميلاد.

الفريق الكويتي البريطاني

انصبت أعمال بحث الفريق الكويتي - البريطاني على موقع العبيد في الصبية حيث التل الرئيس المنسوب إلى حضارة العبيد.

قسّم الفريق الموقع إلى مناطق صغيرة وبناء على ذلك كشف عن مجموعة من أساسات الغرف السكنية تشبه خلية النحل يعتقد بأنها بنيت من الأخشاب، خصوصاً عيدان أشجار البوص أما السقف فمن جلود الحيوانات، وقد تحلل الخشب والجلود ولم يتبق سوى الأساسات الحجرية.

أثناء المسح اكتشفت الفريق مجموعة من الأدوات من حجر الصوان وفأساً حجرياً، فضلاً عن بقايا عظام السمك التي تميزت بطولها وزخارف على شكل أزرار زجاجية مصنوعة من القواقع.

كذلك عثر على إحدى الحفر المليئة بالرخويات والأصداف وفقاريات سمكة متراصة طولياً وبانتظام من سمك القرش، إضافة الى حفرة حوت ترسبات رمادية مملوءة بطبقة ثخينة من القواقع.

أما الفخار الذي احتواه الموقع فيقسم الى أربعة أقسام هي الفخار الأخضر المطلي والخزف الدقيق والفخار الأخضر الخشن والفخار المحلي، إضافة إلى أنواع من الخرز المصنوع من الأصداف البحرية والفخار والأحجار.

حرف وصناعات

توضح المؤشرات والدراسات أن الإنسان عاش في منطقة الصبية حياة كريمة، إذ كان يقتات من صيد السمك والقنص ويربي الأغنام والماعز، واشتغل بحرف كانت جديدة آنذاك مثل صناعة الخرز والفخار الأحمر الخشن.

إحدى الفرق الأثرية التي عملت في الصبية البعثة الخليجية، وجاء عملها بعد توصيات الوكلاء المساعدين عن الآثار والمتاحف في دول مجلس التعاون الخليجي بشأن العمل المشترك في مجال الآثار وتبادل الخبرات الميدانية وتدريب الكوادر الخليجية، لذلك سعت الكويت إلى أن تكون السباقة من خلال دعوة منتسبي الآثار في دول المجلس للتنقيب في مواقع متفرقة في الكويت، وأبرز هذه المواقع كانت مدافن الصبية حيث عثرت البعثة الخليجية على اكتشافات مذهلة.