بمناسبة الاحتفالية العالمية لتيشخوف لغة الكابة

نشر في 10-02-2010
آخر تحديث 10-02-2010 | 00:01
 زاهر الغافري وصف الكاتب الروسي فلاديمير كورولنكو، تيشخوف بأنه، شاب آسر وموهوب وذو نظرة مرحة الى الحياة.

كان ذلك في اللقاء الاول الذي جمعهما، ولم يكُن تيشخوف حينئذٍ قد نشر سوى قصصٍ قليلة، ذات حسٍ فكاهي ودعابةٍ عالية.

وكان تيشخوف ينشر قصصه تلك باسمهِ المُصغَّر المستعار أنطوشا تيشخونتي، ومن يقرأ أعمال تيشخوف الأولى لا يملك حقاً إلّا أن يبتسم للتصوير الشيق والمفارقة الساخرة في رسم الشخصيات الروسية.

وكان تيشخوف غالباً ما يصعّد الأحداث الصغيرة، أو التي تبدو كذلك، لتصبح بمنزلة بؤرة العمل، مع ما يتبع ذلك من المبالغة وتضخيم المفارقات.

كان هذا واضحاً في أعماله الأولى، وفي السنوات الأخيرة عدتُ مجدداً إلى عالم تيشخوف، وخلال كلّ قراءة أكتشف عالماً من الأفكار والرؤى والتفاصيل، والأبعاد الانسانية العميقة والأصيلة في كتاباته.

وما يجعل القراءة ممتعة حقاً، بالنسبة لي، هو هذا الجو الشتائي الكئيب الذي يلف المدن السويدية، فكأن القراءة هنا هي نوع من التماهي مع أصقاع روسيا الباردة، و»الليالي البيضاء» بحسب ديستوفسكي.

يمكن لقارئ تيشخوف متابعة التحولات الكبرى، في مسيرة كتاباته، خصوصاً بعد قصته الشهيرة «السهوب»، ثم لاحقاً، بعد عمله المذهل «عنبر رقم 6»، إذ تتأزم الشخصيات لتصل الى حافة الجنون، وكان المخرج جواد الأسدي قد استند إلى هذا العمل في مسرحيته المميزة «تقاسيم على العنبر».

في أعماله الأخيرة القصصية والمسرحية، بدا واضحاً أن تيشخوف ذلك الشاب المرح في أعماله الأولى، قد انقلب مزاجه، ودخل الى تلك المنطقة المعتمة، السوداء، التي على أثرها سيكتب أعماله الكبيرة وهي أعمال أغلبها تستبطن الضعف الانساني، وأعماق الحياة، بنظرة سوداوية، عبر غلالة من الحزن الشفيف، وبشاعرية عالية.

وأغلبنا يتذكر قصة الحوذي، الذي رفض الآخرون الإصغاء الى معاناته، بعد موت طفله.

كأن ألم الروح قد نخر عظامه، فلم يجد غير الفرس في الحظيرة التي أصغت اليه، واذا كان بوشكين قد أطلق على غوغول وصف السوداوي المرح، فإن المقارنة تبدو عفوية بين غوغول وأوسبنسكي وشيدرين، وأخيراً تيشخوف، هؤلاء الكبار الذين ماتوا جميعاً وقد أطبق عليهم داء الكآبة المطلقة.

وقد قرأتُ أخيراً، توصيفاً شيقاً كتبه الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي ترجم عدداً وافراً من الاعمال الشعرية الروسية، عن قصة الحوذي، وتلك الوحشة التي لا مثيل لها، التي تُستشعر من قراءة القصة، مشيراً الى اغتراب الانسان والبعد الجمالي فيها، واصفاً الغربة «بأنها روسيا والليل الكئيب هو ظرفها الزمني، آنذاك وقدرها، الأزلي والحوذي هو الروح الروسية المتألمة».

back to top