التسويق بكلام الله


نشر في 25-03-2010
آخر تحديث 25-03-2010 | 00:00
 ضاري الجطيلي من السابق لأوانه الاعتداد جدياً بحكم المحكمة الصادر يوم الأحد الماضي بعدم أحقية بنك الكويت والشرق الأوسط بتقاضي فوائد عن القرض الممنوح للمدعي، فعلاوة على كون الحكم ابتدائياً ومرجحاً تصويبه في محكمتي الاستئناف والتمييز، فإن باستطاعة القارئ لأسباب الحكم الاستنتاج بأنه اتسم بالتزود بالاجتهاد وتخطي تشريعات قانونية قاطعة بالقفز إلى أحكام الشريعة الإسلامية، كما تلفه شبهة تدخل السلطة القضائية بصلاحيات السلطة التشريعية كما استشهد الخبير الدستوري د. محمد الفيلي بحكم المحكمة الدستورية عام 1992 بأن مجلس الأمة هو المنوط بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية من خلال إكسابها قوة قانونية بالتشريع، وما دور القضاء سوى تطبيق القوانين كما هي.

ولكن ما يعطي الحكم قيمة مرحلية هو صدوره بالتزامن مع تقديم مقترح نيابي بحظر الفوائد الربوية في القطاع المصرفي، واحتفال بيت التمويل الكويتي بمرور 33 عاماً على تأسيسه كأول بنك إسلامي كويتي، مع تحفظي على تسميات «ربوية» و»إسلامي»، ولكن سأتجاوزها للاختصار وتماشياً مع العرف.

النقاش حول الفوائد والربا لم يكن يوماً نقاش حلال وحرام، ذلك أنه لو اعتمدنا التعريف السطحي السائد للربا بأنه ما يتم تحصيله فوق أصل الدين، لكانت جميع المؤسسات المالية مذنبة بالحرام بما فيها الإسلامية، بينما لو اعتمدنا التعريف بأنه استغلال حاجة المدين، لانتفى حجة حظره كونه يتعاقد مع الدائن عالماً ببنود العقد، وله القضاء ملاذٌ في حال الإخلال بأي منها.

النقاش لا يعدو كونه تلاعباً في المفردات والمفاهيم لتغيير ثقافة المجتمع وانطباعه حول الصناعة المالية لتحقيق هدف واحد: الربحية ولا شيء سواها، وما فعلته المؤسسات المالية الإسلامية لا يخرج عن فكرتين أساسيتين درسناهما في مادتي الاستراتيجية التجارية والتسويق في الجامعة: الأولى، هي استهداف شريحة سوقية لم يستهدفها أحدٌ من قبل واحتكارها، والشريحة هي المسلمون الطامعون بالرضا الإلهي بمعناه السطحي، والباحثون عن الطمأنينة بالاكتفاء بالمسميات، ولا تتوافر لديهم القدرة على استيعاب فكرة القيمة الزمنية للمال. والثانية، هي الاستثمار بالعواطف في التسويق بخلق شعور عاطفي إيجابي لدى العميل تجاه المنتج، أو سلبي تجاه المنتج المنافس، وأحد أساليب تحقيق ذلك ابتكار مفردات ومفاهيم في السوق مثل ربوي، وإسلامي، ومرابحة، وإجارة، وتوريق وغيرها، لخلق لغة جديدة خاصة بالمنتج تنطلق منها السياسة التسويقية، وليس هنالك أفضل من استهداف مشاعر الخوف والطمأنينة المتعلقة بالدين والغيبيات لتحقيق أقصى الأرباح.

Dessert

ما أعاد هاتان الفكرتان إلى الذاكرة هو الصورة المنشورة في الصحف ضمن موضوع ذكرى تأسيس بيت التمويل، ويظهر فيها مؤسسه السيد أحمد البزيع متحدثاً في حفل الافتتاح، وخلفه لافتة كبيرة كتبت عليها الآية القرآنية: (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)... فقولوا لي بالله عليكم، كيف لمشروع تجاري ألا يربح إذا كان هو أول الداخلين إلى شريحة سوقية جديدة، وشعاره التسويقي نصاً من كلام الله؟

back to top