عائلتي العزيزة... أكرهك!
يكره المراهق الذي يمرّ بأزمة العالم بأسره، لكنّ الحصّة الأكبر من غضبه تنصبّ على عائلته. فيختفي فجأةً الطفل الذي طالما اتّفق مع أهله. في سن الثانية عشرة، يبدأ بالابتعاد عن محيطه وينتقد بشكل متزايد النموذج العائلي. بالنسبة إلى الاختصاصيين، تعني هذه التصرفات أن المراهق يبني شخصيته. لكن بالنسبة إلى الأهل، فهو يقترب من حدود الوقاحة. ما سبب هذا السلوك؟ كيف يمكن مواجهته؟ أي حدود يجب فرضها؟ المراهقة والعائلة، علاقة متفجّرة!يسعى المراهق إلى إعادة بناء قصّته العائلية الخاصّة، فيتأمّل في أن يصبح أفضل من والديه وأن يعيش حياة مختلفة ومثيرة للاهتمام في عالم أفضل، ويعد نفسه بأنه لن يتحول أبداً إلى فرد {مثير للشفقة} كأمه وأبيه! هذه هي باختصار الحالة النفسية التي يعيشها المراهق الذي يمرّ بأزمة. يدلّ هذا التفسير تحديداً على أنّ أزمة المراهقة تستهدف العائلة قبل كلّ شيء.
متى تبدأ الأزمة؟وفقاً لعلماء النفس، تبدأ أزمة المراهقة مع بدء سن البلوغ. إذ تؤثر التغيرات الجسدية في هذا العمر على الحالة النفسية بلا شك. ما المؤشرات على ذلك؟ يُلاحَظ تغيّر مزاج الراهق وأذواقه في أسلوب الملابس والموسيقى والثقافة. يمضي وقتاً أقلّ مع أهله بما أنه يفضّل الآن رفقة أشخاص من عمره. باختصار، يحاول الابتعاد عن محيطه العائلي. هذا ليس كلّ شيء! فجأةً، لا يوافق المراهق على شيء مما يقوله أو يفعله الأهل، فتتعارض أفكارهم في جميع المجالات. يعني ذلك كلّه أن الوقت حان ليتخلّى المراهق عن النموذج العائلي.هل هي مرحلة انتقالية إلزامية؟لا شك في ذلك، فرفض النموذج العائلي جزء من {اللعبة}. بالنسبة إلى المراهق، تصبح العائلة بمثابة {حقل تجارب} أو {ساحة مواجهة}. فيتمرّن على الاعتراض ويراقب ردود فعل أهله لمعرفة إلى أي حدّ يمكنه التمادي. تُسمّى هذه الحالة {أزمة الاعتراض}. من خلال هذه المواجهة مع الأهل، يتمكن المراهق من النضوج وبناء شخصيته. وفقاً للخبراء، تدخل مواجهة نموذج الكبار في إطار نموّ المراهق الطبيعي. للاعتراض على المحيط، لا بدّ أولاً من وجود نموذج بغض النظر عن نوعيته. لا يجب اعتبار الأهل سيئين لأن المراهق يشكك في القيم العائلية التي جاهد أهله لتلقينه إياها. اتّهام الأهل بالرجعيّة!وفقاً للخبراء، يحاول المراهق الابتعاد عن كلّ ما يتعلّق بعالم الأهل من مبادئ وآراء وحتى أبسط الأمور المادية التي يستعملونها من كتب وأسطوانات ومقاعد... لكنّ الأهل يحافظون على مكانتهم بالنسبة إلى المراهق مع أنه يعتبرهم رجعيّين! من هنا أهمية صمود الراشدين في وجه هذه الأزمة والإصرار على مواقفهم بصرامة حتى لو جادلهم الأولاد. كذلك عليهم أن يتجنبوا التعامل مع المراهق وكأنه رفيق من عمرهم. في هذا المجال، رأي علماء النفس واضح: في اللحظة التي يتحول فيها المراهقون إلى {نموذج اجتماعي}، تتزايد الرغبة في التشبه بهم، لأن {موضة} المراهقة أصبحت في كلّ مكان من حولنا: الموسيقى، التلفزيون، ألعاب الفيديو، ومنتجات السوق التي تهتمّ بتحقيق الأرباح لا أكثر. يشعر المراهق برغبة جامحة في امتلاك ما يملكه الكبار. بالتالي، لا تقدّم الأم التي تتشبّه بابنتها أو ترتدي مثلها أي مساعدة للمراهِقة في بناء هويّتها. من الأمثلة الأخرى على تقليد الآخر تلك النزعة المزعجة لدى الأهل إلى استعمال المصطلحات العصرية الخاصة بالمراهقين. إنه سلوك يزعج الشباب لأن هذه الرموز اللغوية وُجدت للتواصل في ما بينهم. لذلك، يُنصَح الأهل بتجنّب استعمال هذه اللغة سعياً إلى الحفاظ على شبابهم. لا يحتمل المراهقون فكرة تعلّق الأهل بفترة الشباب الممتعة. الرسالة واضحة! أهميّة الحوارللسيطرة على أزمة المراهقة، لا بدّ قبل كلّ شيء من الحفاظ على الرابط بين الأهل وأبنائهم ومناقشة الأمور سويّاً. حتى بعد الأزمات الكبرى، لا بدّ من إعادة ترميم الحوار لأن المراهق بطبعه متغيّر المزاج. من الضروري إعادة الأمور إلى نصابها بعد مرور الأزمة. لا يمنع ذلك الأهل من التعبير عن مشاعرهم أمام أبنائهم لكن عليهم أن يحرصوا على التعبير عن حبّهم لهم في جميع الأحوال. يرى الخبراء أن التجادل مع المراهق باستمرار هو طريقة لإثبات اهتمام الأهل به وبأفكاره. تحتلّ آراء الأهل أهمية كبرى بالنسبة إليه.رسم الحدودعلى الأهل أن يجيدوا رسم الحدود لأولادهم لأن المراهقة فترةٌ نكتشف فيها جميع مساحات الحرية الممكنة. لكن يجب التنبه إلى أنّ الحدود تتغير مع العمر وبحسب الحالة السائدة. في فترة العطلة، يمكن أن نسمح للمراهق مثلاً بالسهر لوقت أطول مما يفعل خلال الأيام الدراسية. الأهم هو التفاوض بهذا الشأن وعدم تنازل الأهل عن دورهم. يكمن الحل في خلق مسافة بين سلوكيّات المراهق وطريقة الأهل في استيعابها. في هذه الحالة، لا بدّ من الابتعاد قليلاً لا سيّما إذا تضاعفت استفزازات المراهق. يكمن دور الأهل في منعه من التمادي في التهجّم عليهم وتسهيل مرور مرحلة {التمرّد} هذه لأنه يسعى حقاً إلى إزعاجهم. عملياً، يجب أن يجيبه الأهل على الشكل الآتي: {أنت تفكر بالطريقة التي تريدها، لكن رأيي مختلف. انتهى النقاش!} حتى لو قرر المراهق فعل المستحيل لمعارضة والديه، فهو لا يسعى في جميع الأحوال إلى إيذائهم. من خلال التهجم على الأهل، ينتظر المراهق ردة فعلهم التي تشكل نموذجاً بالنسبة إليه.حب الأهل مقابل اعتراض المراهق على نموذج الأهل، على الكبار أن يتذكروا أمراً بسيطاً: على الرغم من كل شيء، يبقى لكلامهم وآرائهم أهمية كبرى في نظر المراهقين، لأن العدائية التي يظهرونها تتوقف على الأهمية التي يعطونها لنظرتهم إلى الأمور.تعبّر مواجهة النموذج العائلي عن السؤال التالي: {إذا كنتُ مختلفاً عنك إلى هذا الحدّ، وإذا كنتَ تظنّ ألا أهمية لما أقوله، هل ما زلتَ تحبّني على الرغم من كلّ شيء؟} على الجواب أن يأتي من الأهل على هذا النحو: {نعم أحبك بغض النظر عن طريقة تفكيرك. أنت تشكك بآرائي والأمر يزعجني كثيراً. سنتكلم بالأمر مرة أخرى}. نماذج عائليّة جديدة تغيّر مفهوم سلطة الأهل اليوم عما كان عليه منذ ثلاثين عاماً. هل أصبح تفتّح المراهق على الحياة أمراً معقّداً أكثر من السابق؟ من الصعب تحديد ذلك. ما نعرفه هو أنّ النماذج العائلية تطوّرت بسرعة كبيرة بين جيلين. غياب أحد الوالدين وتفكك الأسرة يصعّبان على مراهق في سن الخامسة عشرة إيجاد مكانه في الحياة. لكن بغض النظر عن تركيبة الأسرة، يؤثر غياب المعايير التي يُقتدى بها مباشرةً على نموّ المراهق.