ما قل ودل: التعذيب جريمة دولية

نشر في 08-08-2010
آخر تحديث 08-08-2010 | 00:01
 المستشار شفيق إمام (عندما قال عبدالناصر لامرأة "إني وراء القتلة")... كان عنوان مقالي الأحد الماضي الذي تناولت فيه مقتل شاب في مقتبل العمر يدعى خالد سعيد إثر تعذيب تعرض له في الطريق العام بالإسكندرية على أيدي شرطيين في مارس الماضي، ولم يجر تحقيق في هذا الحادث إلا بعد صدور بيان بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر باستنكار الحادث والمطالبة بإجراء تحقيق فيه، وهو الأمر الذي اعتبره بعض الكتاب تدخلاً في شؤون مصر ومساساً بسيادتها، وقلت في هذا المقال إنه لم يكن هناك من هو أكثر وطنية أو أكثر حرصاً على سيادة مصر وكرامتها من جمال عبدالناصر، الذي أمر بالتحقيق في مقتل شهدي عطية أحد المفكرين اليساريين في مصر، وكان الرئيس الراحل يشاهد بصحبة الرئيس تيتو عرضاً للشباب اليوغوسلافي، عندما وقف الحضور دقيقتين حداداً على مقتل المفكر اليساري المصري، وأبرق الرئيس من على المنصة في الحفل إلى أرملة الشهيد "إني وراء القتلة"، ثم أوقف التعذيب في سجون مصر بعد أن ثبت من التحقيق أن المفكر المصري مات من التعذيب، دون أن يعتبر ذلك تدخلاً في شؤون مصر أو مساساً بسيادتها، ووعدت بأن أخصص هذا المقال للتدخل الإنساني الدولي لمكافحة التعذيب.

التدخل الدولي... تطبيقاته

كان العراق هو مسرح التدخل الإنساني الدولي لحماية سكان الشمال (الأكراد)، الذين تعرضوا لصنوف العذاب والتنكيل والقمع في عهد الطاغية صدام حسين، حيث أصدر مجلس الأمن قراراً طالب فيه النظام العراقي بضرورة قيامه بإزالة الخطر الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين في المنطقة، وبوقف عمليات القمع التي يتعرض لها السكان المدنيون.

كما أصدر مجلس الأمن قراراً بإرسال قوات عسكرية إلى الصومال وإلى دارفور وغيرها، لخلق أجواء آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها.

وقد استندت هذه القرارات إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، دون أن تضع في اعتبارها موافقة الدول التي كانت مسرحاً لأحداث تمس حقوق الإنسان، وذلك خلافاً للقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة، والتي لا تفرض على عاتق هذه الدول التزاماً قانونياً بل تقتصر على إدانة أعمال القمع والتعذيب وتحث الدول المنتهكة لحقوق الإنسان على الالتزام بحماية المدنيين وحقوق الإنسان، وأحياناً تكتفي هذه القرارات بالتزام هذه الدول بضبط النفس، مثلما تفعل الأمم المتحدة مع إسرائيل في انتهاكها لحقوق الفلسطينيين في الأرض المحتلة.

التدخل الدولي الإنساني في كوسوفو

وهو التدخل الذي أعقب فشل المحاولات السياسية السلمية لفض النزاع في هذا الإقليم من أقاليم يوغوسلافيا السابقة، إذ وجه حلف "الناتو" ضربات عسكرية إلى القوات الصربية في الإقليم خلال الفترة من 24 مارس إلى 10 يونيو سنة 1999، دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة أو على تفويض من مجلس الأمن، وهي الضربات التي أدت إلى انسحاب القوات الصربية من الإقليم، وعودة الاستقرار إليه.

وقد أصدر مجلس الأمن بعد ذلك قراره رقم 1244 الصادر في 10 يونيو سنة 1994 الذي طالب جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية بإنهاء العنف والقمع في كوسوفو، وضرورة منح الحكم الذاتي لهذا الإقليم وتشجيع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على الإسهام في إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي للإقليم.

القضاء الدولي قيد على سيادة الدولة

وكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أكبر مظهر للتدخل الإنساني الدولي، وأكبر قيد على سيادة الدول، فجوهر هذه السيادة هو استئثار القضاء الوطني بالمحاكمات الجنائية للجرائم التي تقع على إقليمها، كما كان إنشاء هذه المحكمة بارقة أمل للشعوب المستضعفة التي تعاني جرائم ترتكبها سلطات الحكم الشمولي بها ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.

ولهذا قررت أميركا وإسرائيل سحب توقيعيهما على اتفاقية روما بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وإقرار نظامها الأساسي، وذلك لحماية الجنود الأميركيين أثناء قيامهم بعمليات عسكرية في أي بقعة في العالم، ولحماية الجنود والمسؤولين الإسرائيليين عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني.

مكافحة التعذيب قضية المجتمع الدولي

إن التدخل الإنساني الدولي لمكافحة التعذيب، قد أصبح أمراً مقنناً ومستقراً في القانون الدولي العام.

ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المؤرخ في 19 ديسمبر1966)، يرد النص في المادة (7) على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة..." وتتضمن المادة (3) من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية (المؤرخة في 4 نوفمبر 1950)، والمادة (5) من الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان (المؤرخة في 22 نوفمبر 1969) أحكاماً مماثلة تحظر التعذيب، وفي هذا الخصوص ينص عهد 1966 (في المادة 4)، والاتفاقية الأوروبية (في المادة 15)، والأميركية (في المادة 27) على أنه يتعين مراعاة حظر التعذيب في جميع الظروف، وهو ما يعني كذلك "حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة". وهي قواعد "غير قابلة للخروج عليها"، وتعتبر جزءاً من قانون الشعوب. وأخيراً، فإن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب (المؤرخ 27 يونيو 1982) يحظر هو أيضاً "جميع أشكال الاستغلال والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية" (المادة 5).

وتشكل اتفاقيات جنيف الأربع (المؤرخة في 12 أغسطس 1949)، جزءاً من القانون الدولي للحرب، وتتعلق بحماية الجرحى والمرضى والغرقى في القوات المسلحة في البر والبحر، وأسرى الحرب والأشخاص المدنيين، كما تتضمن أحكاماً تحظر التعذيب، ولا يقتصر هذا الحظر على التعذيب البدني، ولكنه يشمل أيضاً التعذيب النفسي.

لا ينطبق في المنازعات المسلحة الدولية فحسب، ولكن أيضاً في المنازعات المسلحة الداخلية. ويرمي هذا الحظر إلى تحقيق حماية مطلقة؛ ولا يمكن إبطال الحظر لا لأسباب أمنية ولا بدعوى القصاص. وعلاوة على ذلك، فإن تعذيب الأشخاص المحميين يندرج في فئة الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات، التي تلتزم الدول الأطراف إزاءها بمعاقبة مرتكبي التعذيب ومحاكمة الأشخاص الذين يعرقلون حظره أو تسليمهم لدولة ثالثة لمحاكمتهم. ويؤكد البروتوكولان الإضافيان إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 (المؤرخان في 8 يونيو 1977) حظر التعذيب في المنازعات المسلحة الدولية والداخلية ويوسع نطاق تطبيق هذا الحظر.

كما تم إقرار "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" (المؤرخة في 10 ديسمبر 1984، وكذلك "الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب وضروب العقوبة أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة" المؤرخة في 26 يونيو 1987).

وللحديث بقية عن مكافحة التعذيب باعتبارها قضية دستورية تعلو على كل قضايا السيادة.

back to top