خذ وخل: توثيق محنة المفقودين!


نشر في 03-03-2010
آخر تحديث 03-03-2010 | 00:01
 سليمان الفهد • لولا السطور القليلة الواردة في آخر مقالة الصديق «بوصقر غانم النجار» لما علمت بخبر وفاة الصديق «بومهند سامي الرشود» رحمه الله، قرأت الخبر بنشرة الوفيات، لكني استبعدت أن يكون هو «المرحوم» لكوني على تواصل به عبر التلفون والرسائل النصية دوما، لاسيما أنه كان يمثل لي «ذاكرة» بشأن قضية الأسرى والمفقودين.

إن «أبا مهند» واحد من الجنود المجهولين الذين عملوا لهذه القضية الوطنية الإنسانية، بدأب وحمية لا تكل ولا تمل، وقد اعتدت أن ألوذ بذاكرته المترعة بالمعلومات والإحصاءات وغيرهما، كلما غاب العراب «بوصقر د. غانم النجار» عن الوطن في مهام حقوقية إنسانية أممية، كما هو دأبه، وكان «أبومهند» يجابه طلباتي المعلوماتية الشفاهية والمكتوبة برحابة صدر المتطوع الناذر نفسه كلها لقضية «أسرى الكويت»، كما اصطلح على نعتهم بهذه التسمية من قبل رابطة الأسرى والمفقودين «غير المرخصة» طوال عقد التسعينيات! ومن هنا كنت تجده حاضراً في كل منتدى وفضاء يعنى بالقضية، ويعمل على إثراء إحيائها بكل السبل الإعلامية والحركية، ولعله الوحيد الذي لم أسمع أحدا «يتهمه» بأنه ينتمي إلى الجماعة السياسية الفلانية والترتانية، كما كان يحدث كثيرا، طوال الفترة التي سبقت إشهار رابطة أهالي الأسرى والمفقودين المدجنة!

• ومن نافل القول التنويه بمشاعري تجاه غياب «أبومهند» الفاجع المفاجئ، حسبي القول أني كنت أعتبره واحدا من أبنائي الذين من صلبي، سوى أنه يختلف عنهم بدوام تواصلي معه، ليزودني بما استجد على القضية، حين كان ثمة قضية نتابع تداعياتها، وأحسب أنه آن الأوان لتوثيق قضية الأسرى والمفقودين، بعد مرور تسع عشرة سنة على تحرير الوطن، وبات الحديث عن تفاصيل هذه المحنة الوطنية الإنسانية آمنا، ويمكن الخوض فيها دون خشية من أحد.

ومنذ حوالي سنتين التقيت بقطب وطني مخضرم وكبير سنا ومقاما متمنيا عليناـ نحن معشر أهالي الأسرى والناشطين الذين سهروا الليالي، وبذلوا الجهد نهاراً سنين عدة- المسارعة إلى تسجيل وتوثيق قضية أسرى الكويت، قبل أن يغيب الشهود العدول الذين بذلوا النفس والنفيس، ويتناقص عددهم سنة بعد أخرى، كما فاجأنا غياب الصديق «بدر عبدالمحسن الموسى» أول رئيس رابطة الأسرى والمفقودين، ومن ثم الصديق «سامي الرشود» وغيرهما ممن غاب عن الذاكرة الضعيفة بحكم انتهاء العمر الافتراضي لها، فضلا عن عوامل التعرية الزمنية إياها، الشاهد أني لن أكف عن طرح مسألة توثيق هذه القضية إلى حين رؤيتها مجسدة في شهادات تلفزيونية لشهداء الحق الذين كابدوا وعاينوا كل ما يتعلق بها.

رحم الله ولدنا «بومهند» فقد كان معنيا جدا بمسألة عودة رفات المفقودين، بعد أن تواضعت أحلامه، إن لم أقل أجهضت، بشأن عودتهم أحياء! والعبد لله يعرف سلفا أن «بوصقر» لا يملك وقتا كافيا لحك رأسه وتمسيد لحيته، لكنه لن يعدم الوسيلة لإيجاد صيغة منهجية لتوثيق محنة الأسرى والمفقودين، بمعاونة فريق عمل من المتطوعين الذين ما برحوا يتابعون مسيرتها في الأمم المتحدة واللجان المعنية بها الساعية إلى إغفال هذا الملف، بعد العثور على رفات بقية المفقودين.

إن محنة أسرى الكويت، كما سبق أن ذكرت، رواية تستحق أن تروى وتوثق، لأنها جزء عضوي من تاريخنا، وكان «أبومهند» من أشد المتحمسين لهذه المهمة، ومن أكثر أهالي المفقودين رغبة في تجليها على الأرض، وثيقة تاريخية حرية بالحفظ لا النسيان!

back to top