كفاكم مجلساً وحكومة تدخلاً في الشأن القضائي! كيف تطلب أمانة المجلس إبعاد 20 قضية عن إحدى الدوائر القضائية؟ تحديد منصب نائب التمييز من اختصاص مجلس القضاء... فلماذا وجَّه سعدون السؤال إلى الوزير؟

نشر في 28-02-2010 | 00:00
آخر تحديث 28-02-2010 | 00:00
يُمثِّل الكتاب الذي أرسلته الأمانة العامة لمجلس الأمة إلى رئيس المحكمة الكلية، لإبعاد 20 قضية عن الدائرة الإدارية التي يترأسها المستشار عادل الكندري، والسؤال البرلماني الموجه من النائب سعدون حماد العتيبي، صورتين من صور التدخُّل في الشأن القضائي.

لا يمكن تصنيف التصرفات التي صدرت عن الأمانة العامة لمجلس الأمة والنائب سعدون حماد العتيبي إلا على أنها تصب في خانة التدخلات غير المقبولة في الشؤون القضائية، ومثلما كانت الحكومة تُنتَقد لتدخلها في الشأن القضائي، وآخِر تدخلاتها البيان المزور والممهور بتوقيع المجلس الأعلى للقضاء، لم يكن مجلس الأمة أفضل بكثير بتدخلاته غير المقبولة، والتي لا يمكن اعتبار إلا أنها تدخلات تنم عن الجهل الحقيقي بهوية السلطة القضائية وحدودها.

أمانة المجلس

ومثلما تعاملت الأمانة العامة لمجلس الأمة بشكل غير مقبول، ينم عن عدم إدراك حقيقي لدور القاضي، بطلبها من رئيس المحكمة الكلية المستشار خالد سالم إبعاد 20 ملف عن الدائرة الإدارية التي يترأسها المستشار عادل الكندري، لأن هناك تعارضاً غير قانوني، وذلك لأن رافع الدعوى عن 20 متقاض ضد مجلس الأمة هو المحامي يوسف الكندري، ورئيس الدائرة هو عادل الكندري، والأمين العام لمجلس الأمة المرفوعة ضده القضايا هو علام الكندري، وبالتالي لم يكن التعارض موجوداً على ما يبدو، إلا في نفس مرسل الكتاب إلى رئيس المحكمة الكلية وهي خطوة لا يمكن اعتبار إلا أنها تمثل تدخلاً صريحاً وواضحاً من الأمانة العامة لمجلس الأمة في عمل القضاء، وهو ما يتطلب من رئيس مجلس الأمة محاسبة مرسل الطلب وتقديم اعتذار إلى رئيس السلطة القضائية عمَّا بدر من الأمانة العامة لمجلس الأمة التي شككت كتابياً في نزاهة رجل القضاء بطلبها غير المقبول من رئيس المحكمة عدم فصل المستشار عادل الكندري في القضايا المرفوعة ضد مجلس الأمة، وهو الأمر الذي سيفتح الباب للجهات الحكومية،

وربما لمجلس الأمة في المستقبل لمطالبة رؤساء المحاكم بإبعاد القضايا التي تنظر لدى دوائر قضائية معينة، وهو ما يتعارض صراحة مع نص المادة «50» من الدستور، التي تؤكد الفصل بين السلطات وعدم تدخل أي سلطة في شؤون السلطة الأخرى.

بينما تُمثِّل الحادثة الأخرى إحدى صور التدخل في الشؤون القضائية، والتي تتمثل في السؤال البرلماني الذي وجهه النائب سعدون حماد العتيبي مطالباً فيه بمعرفة سبب عدم البت في شغل منصب نائب رئيس محكمة التمييز حتى الآن مع طلبه بياناً بأقدم المستشارين حالياً.

حق السؤال

وعلى الرغم من كفالة الدستور لحق النائب في السؤال البرلماني إلا أنه يمثل إحدى صور التدخل في الشأن القضائي استنادا إلى أن مَن يتولى ترشيح تلك المناصب هو المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي فالوزير يعتمد فقط قرار المجلس الأعلى للقضاء، ومن هنا فسؤال النائب يفسر على أنه موجه للمجلس الأعلى للقضاء لكونه هو الذي يتولى تعيين منصب نائب الرئيس، وذلك بالتأكيد لا يُقبل، وذلك لأن السؤال البرلماني يوجه للوزراء لا لرئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهو بالتأكيد أمر لم يغِبْ عن ذهن النائب سعدون حماد العتيبي، الذي لا يمكن تفسير سؤاله البرلماني إلا على أنه محاولة لإحراج السلطة القضائية في حسم منصب نائب رئيس محكمة التمييز على الرغم من عدم فاعلية هذا المنصب الذي شغر مراتٍ طويلة دون حسم سريع له،

وذلك لأن محكمة التمييز مكونة من عدد من الدوائر القضائية التي لا تزيد على 15 دائرة، وبالتالي يكفى أن يُحسَم منصب الرئيس منها، خصوصا أن المكتب الفني في كل محكمة يقوم على مباشرة الدور التنفيذي لها، خاصة أن المحكمة الكلية التي تزيد فيها الدوائر القضائية على 300 دائرة قضائية لا يوجد بها منصب نائب رئيس حتى الآن، وبالتالي فإن السؤال المطروح لا يُفسَّر إلا أنه محاولة واضحة لإحراج المجلس الأعلى للقضاء لحسم هذا المنصب، وهو ما يمثل إحدى صور التدخل في شؤون السلطة القضائية من قِبَل رجال السلطة التشريعية وهو ما يخالف نص المادة 50 من الدستور الكويتي.

المناصب القيادية

ومن جانب آخر، فإن هذا السؤال رغم إدراك مُوجِّهه أنه يمثل إحدى صور التدخل فإنه يهدف إلى معرفة الأسماء التي ينوي المجلس الأعلى للقضاء ترشيحها، خاصة أن بعض الأسماء التي ترى أن لها الأولوية في التعيين في المناصب القيادية حاولت إثارة هذه القضية بعدة صور ومناسبات من أجل حسم المجلس الأعلى للقضاء شغل المناصب الشاغرة، التي اعتاد المجلس الأعلى للقضاء مناقشتها بروية وهدوء دون إشراك أي رأي لوزير في الحكومة أو نائب في المجلس، وذلك لأن ذلك من صلب اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء المنصوص عليها في قانون تنظيم القضاء الكويتي.

مجلس القضاء

وإزاء هذين التدخلين من مجلس الأمة، وقبلهما من الحكومة ممثلة في وزارة العدل عبر البيان الصادر من وزارة العدل باسم المجلس الأعلى للقضاء فإنه يتعين على المجلس الأعلى للقضاء عدم السكوت عن مثل هذه التدخلات، التي لا يمكن اعتبار إلا أنها تُمثِّل تدخّلاً في سياق الإساءة إلى استقلال السلطة القضائية للجهاز القضائي بشقه الإداري، ومحاولة إدارة شؤونه بذاته حسب ما يقتضيه نص المادة 50 من الدستور، والذي يشدد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وهو مبدأ يضمن لكل سلطة العمل بحرية دون تدخّل من أي سلطة أخرى في شؤونها،

ويضمن لها الاستقرار، فكيف حال السلطة القضائية التي يتعين توفير الاستقلال الإداري والمالي لها؟ وذلك نظراً إلى الدور المنوط بها لتحقيق العدالة وإنصاف الحقوق.

مفاجأة

وتقول مصادر قضائية مطلعة لـ«الجريدة» إن كتاب مجلس الأمة سبب مفاجأة كبيرة وغير متوقعة من الأمانة العامة لمجلس الأمة التي حاولت معالجة الأمر لاحقاً، بتشكيل لجنة تحقيق، وهي سابقة خطيرة، أن تطلب جهة من القضاء إبعاد عدد من القضاة عن دائرة قضائية، وهو ما يمثل إحدى صور التدخل في الشأن القضائي.

وتضيف المصادر أنه بشأن السؤال البرلماني فإن القضاء يحترم السؤال البرلماني، إلا أن إجابة هذا السؤال كما يعلم النائب، من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي فالغاية من توجيهه غير واضحة، خاصة أن المنصب غير فعال في ظل شغور مناصب رؤساء محاكم التمييز والاستئناف والكلية.

ارفعوا أيديكم عن القضاء

وإزاء طرح مثل هذه القضايا التي تشير إلى تدخل واضح، فإنه يتعين على السلطتين التشريعية والتنفيذية الحياد تجاه السلطة القضائية وعدم إدخالها في صراعاتها السياسية أو الاقتصادية أو الرياضية، فالقضاء جاء ليعيد الحقوق إلى أهلها بعيداً عن الهوى والميل والمصلحة والسياسة، فارفعوا أيديكم عن القضاء، واتركوه يدير شؤونه بنفسه وابتعدوا عن الهمز واللمز تجاه رجاله في القضاء والنيابة العامة، وادعوا لهم بالتوفيق في أداء رسالتهم على الوجه الأكمل.

back to top