«طالعوا منو يتكلم»! (1)


نشر في 09-07-2009
آخر تحديث 09-07-2009 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي حرصت على عدم التعليق طوال الفترة السابقة على نتائج الانتخابات الإيرانية وما صاحبها من ضجة، ليس لعدم وضوح الرؤية، بل لانتظار الكشف عن المزيد من الأقنعة والتناقضات حتى نعلق عليها دفعة واحدة بدلاً من تناولها في مقالات عدة. ولعل ما يثير علامات الاستفهام من ناحية والسخرية من ناحية أخرى هما أمران: أولهما، التناول الإعلامي الغربي والعربي للانتخابات، والآخر، ردة فعل أنظمتها السياسية وكتابهم عليها.

وكمدخل لفهم ما صاحب نتائج الانتخابات من ضجة إعلامية، يجب أن نعرف أولاً أن الانتخابات الإيرانية تكتسب أهميتها الإقليمية والدولية تماماً مثل الانتخابات اللبنانية- بل وأكثر منها- لأن ما تمثله الجمهورية الإسلامية يعتبر عقبة في وجه مشروع «صهيوأميركي» لبسط السيطرة على المنطقة برمتها. ولذلك، من يعتقد أن الغرب- خصوصاً أميركا- لا يتدخل ولا يعمل لإثارة البلبلة والفوضى في إيران، فأقل ما يقال عنه إنه واهم. ومن هنا نستطيع فهم التضليل الإعلامي المتعمد والموجه بشكل سافر في الشؤون الإيرانية.

وللأسف اشتركت بعض صحفنا في التضليل والتلاعب بالمصطلحات، خصوصاً الصحيفة المعروفة بصحيفة «النخبة» والتي كتبت بـ»المناشيت» العريض بعد يوم واحد فقط من إعلان النتائج «استقالة رفسنجاني وموسوي في الإقامة الجبرية»، لكن عندما تقرأ نص الخبر تجده يسند «المانشيت» إلى «معلومات»، وهي بالطبع معلومات مفبركة وتعلم الصحيفة تماما أنها مفبركة، فلا رفسنجاني استقال، ولم يكن موسوي مقيداً، بل كان حراً يشارك في المظاهرات!

من ناحية أخرى، تصبح قوات التعبئة العامة- وهي مؤسسة رسمية- فجأة «ميليشيا» للإيحاء بأنها منظمة تخريبية خارجة عن القانون. وقبل ثلاثة أيام خرجت إلينا الصحيفة نفسها بـ»مانشيت» آخر «رجال الدين في قم يحتجون على الانتخابات»، فللوهلة الأولى يعتقد القارئ أن المراجع الدينية هم المحتجون، لكن عندما تقرأ النص يتضح أن من أصدر البيان هي «الجمعية الإيرانية للمدرسين والباحثين في مدرسة قم الدينية»، وهي جمعية لـ»بعض» الأساتذة المحسوبين تماما على ما يسمى بالتيار الإصلاحي، مع العلم بأن هناك مدارس دينية عدة في قم، وأن كل المراجع الدينية أيدوا النتائج وطالبوا بالالتزام بالقانون باستثناء اثنين لديهما مشكلة في الأساس مع مرشد الجمهورية! لست هنا بمدافع عن نتائج الانتخابات، لكن قليلا من المصداقية والاحترام لعقولنا يا سادة.

وهذه بالمناسبة ليست المرة الأولى التي تسقط فيها تلك الصحيفة بامتحان المصداقية، فبعد نتائج الانتخابات اللبنانية نشرت الصحيفة بالصفحة الأولى تقريرا يقول إن قوى 14 آذار فازت بالأغلبية النيابية والشعبية أيضاً، وهذا هو الكذب والتضليل بعينه لأن المعارضة فازت بـ55 في المئة من الأصوات الشعبية مقابل 45 في المئة للموالاة، بينما كانت حصصهم من المقاعد بعكس تلك النسب تماماً، هذا مع ملاحظة تدخل المال السياسي بمئات الملايين وجلب المغتربين بنسب كبيرة لمصلحة الموالاة!

لكن أكثر ما يثير السخرية والضحك هو موقف الدول الغربية- خصوصاً الرئيسين الفرنسي والأميركي- من نتائج الانتخابات ومطالبتهما باحترام رأي الناخبين وعدم قمع المتظاهرين. فأول ما يتبادر إلى الذهن هو قول «Look who’s talking!» أو «طالعوا منو يتكلم»!

فالرئيس الفرنسي، الذي قمع أهالي الضواحي في العاصمة باريس عندما كان وزيراً للداخلية وقتل منهم أفراداً عدة، والذي تمنع دولته المحجبات من ممارسة حريتهم بارتداء ما يرونه مناسباً في مدارسهم، نراه يطالب بعدم القمع وباحترام الحرية!

والرئيس الأميركي علق على رؤية مقتل الشابة ندا بقوله «إنه منظر يحطم القلب» بينما لم نره يعبأ بعشرات الأرواح من الأفغان والباكستانيين الذين قتلوا منذ بداية عهده بسبب الغارات الأميركية والتي يعقبها دائما كلمة «آسف»!

وهذا الرئيس الذي يطالب بالحرية والديمقراطية قال بنفسه إنه كان ضد إقامة الانتخابات الفلسطينية، لأنه كان يعرف أن «حماس» ستفوز، (يعني الديمقراطية حلوة لما تكون نتائجها على مزاجنا بس)!

هذا مع الأخذ بالاعتبار أنه لا يوجد دليل على أن قوات الأمن قتلت تلك الشابة المغدور بها، خصوصاً أنها لم تكن مشاركة في مظاهرة أصلاً وقتلت في موقع بعيد عن المظاهرة حسب قول مرافقها. والحديث عن التناقضات الصارخة في الخطاب الغربي حديث لا نهاية له، أما عن قصة فوز أحمدي نجاد وموقف العرب منه، فسنتناوله في مقال مقبل بإذنه تعالى.

back to top