آمال صراع على الشمس

نشر في 09-07-2009
آخر تحديث 09-07-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي في فيلم هندي جميل، مفتش الشرطة الشريف كبّد اللصوص والعصابات خسائر جمة، وألقى القبض على المئات منهم، وكان يقول للص الذي يسرق عشر روبيات: "أنت ومن يسرق الملايين واحد، السرقة سرقة، ليس لها اسم آخر".

لكن، ومع مضي الأيام، يكتشف أن اللصوص أكثر من الشرفاء، وأن الكل يسرق، وأن عدداً كبيراً من زملائه الشرطة لصوص أيضاً، بطريقة أو بأخرى! وأسقط في يده، ولم يعد يعرف كيف يكافح السرقة، ومَن يكافح بالضبط، فتجاهل السرقات الصغرى وركز على الكبرى، ولم يتغير شيء، فأرهقه ذلك ودفعه إلى السير في الشوارع على غير هدى، والهذيان بكلام غير مفهوم. شيء من الهلوسة أصابه. صار يمر بجانب مجموعة من السكارى والمساطيل ويتحدث معهم بصوت عال وهو يبكي: كلما تسلمت قضية سرقة، وجدت مسؤولاً كبيراً يدعمها، وكلما نويت القبض على المسؤول وجدت البسطاء يشكلون سوراً وحصناً للدفاع عنه، ويقاتلونني قتالاً مريراً، فأندهش وأسألهم: كيف تدافعون عنه وهو يسرق أموالكم؟ فتأتيني الإجابة: هو يمنحنا ما يسد رمقنا.

وهكذا أصبح يمشي ويهلوس ويشتكي إلى طوب الأرض حال البلد الذي يحتاج فيه ضابط الشرطة الشريف إلى مئة وخمسين ألف يد كي يستطيع الحدَّ من السرقة لا منعَها كلَّها، وكيف أنه وحده لا يستطيع ردع أولئك اللصوص كلهم... وتمكنت منه الهلوسة، وتم فصله من وظيفته بمكائد من كبار اللصوص، وأمسى مظهره كئيباً، ثياب بالية، ولحية كثة، وشعر منفوش، وجسم ناحل هزيل، ووو...

وفي نهاية الفيلم، تجمّع مجموعة من شباب الشرطة وانتشلوه من وحل الهلوسة، وتكفلوا برعايته وإعادته إلى رشده،

وعاهدوه على السير على منهجه. فنصحهم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: لا تتفرقوا فهم أقوياء، لا تتفرقوا، لا تتفرقوا...

ومات.

وبالطبع، وكما هي عادة الأفلام الهندية، يتغلب الخير دائماً على الشر، لذا تصدى الشباب بحماسة وشجاعة للصوص الكبار، وألقوا القبض عليهم الواحد تلو الآخر، وبعدما طهروا الولاية منهم، تجمعوا تحت صورة قائدهم السابق وأدّوا التحية العسكرية.

يميناً بالله، فيلم مؤثر، وهو نقل حي ومباشر لما يحدث في الكويت، لكن مع تبديل بعض الأدوار، فهناك مفتش شرطة وهنا نواب وكتّاب. وأخشى بعد فترة ليست بالبعيدة أن يسير النواب والكتاب هؤلاء في الشوارع وهم يهلوسون ويهذون ويترنحون في ثياب رثة، ولحى كثة، بعدما كثرت السرقات وتحصّن اللصوص بالبسطاء من الناس.

ولولا بعض نواب البرلمان لما وجدنا ما نأكله إلا الجراد. والجراد مضر بالصحة إلا للمصابين بتعسر في البول. ومن يكثرْ من أكل الجراد يمشِ ويخرخر. فالجرادة مثل البيرة، أقصد بيرة من غير كحول لو سمحت.

وفي الكويت، يحاول اللصوص دفع الشمس بأرجلهم بعيداً بحثاً عن الليل، بينما يلفّ بعض النواب والكتّاب والناشطين الحبل خلف ظهورهم ويسحبون الشمس

كي تبقى الكويت في نهار دائم. ولاتزال لعبة شد الحبل مستمرة، والحبال تكاد تتقطع، وعروقهم كذلك، فأسعفوهم بحبال جديدة، و"مرهم" يدهنون به أذرعهم المشققة، أو على الأقل لا تنثروا الملح على جروحهم.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top