ما قل ودل: مقومات الوحدة الوطنية في الدستور

نشر في 03-02-2010
آخر تحديث 03-02-2010 | 00:00
 المستشار شفيق إمام تناولت في مقالي الاثنين الماضي الحديث عن الحرية والمسؤولية والوحدة الوطنية، وفي تناولي للوحدة الوطنية قلت إنها- حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور– العمود الفقري لهذا الدستور، ونستكمل في هذا المقال الحديث عن مقومات الوحدة الوطنية.

مقومات الوحدة الوطنية

وللوحدة الوطنية مقومات ودعائم، لا تتوافر لشعب مثلما توافرت لشعب الكويت، الذي تضمه بمختلف فئاته وأطيافه قومية واحدة تمثل انتماءه العربي، ويتكلم بلغة واحدة هي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ويدين بدين واحد يقبل التعايش مع الآخر، لا تمييز فيه بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، وهو ما جسده الدستور في نصوصه التالية:

1- ما تنص عليه المادة (1) من أن «شعب الكويت جزء من الأمة العربية».

2- ما تنص عليه المادة (2) من أن «دين الدولة الإسلام».

3- ما تنص عليه المادة (7) من أن المساواة إحدى دعامات المجتمع الثلاث «الحرية والعدل والمساواة».

4- ما تنص عليه المادة (8) من واجبات على الدولة في صون دعامات المجتمع وكفالة الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين.

5- ما تنص عليه المادة (3) من أن لغة الدولة هي «اللغة العربية».

6- ما تنص عليه المادة (29) من «أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».

قومية واحدة لا قوميات

وفي هذا السياق جاء في المذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها لأحكام المادة (1) من الدستور التي تنص على أن شعب الكويت جزء من الأمة العربية، وليس الشعب الكويتي حتى لا تؤدي أداة التعريف إلى مزيد من التخصيص بما يجافي وحدة الأمة الشاملة.

وبالرغم من كل الظروف التي تحيط بأمتنا العربية وانتشار أفكار التجزئة فيها وانحسار المد القومي العربي فإن الانتماء العربي لشعب الكويت ليس نصاً دستورياً صاغته إرادة شعبية، كردة فعل لظروف عارضة كان المد القومي العربي فيها ملء الأفواه والأسماع وأمل الأمة العربية قاطبة، بل هو حقيقة أزلية تستمد جذورها من أعماق التاريخ.

غير أننا لا نسوق هذا النص في هذا المقال في سياق الحديث عن الحلم العربي، بل في سياق اعتبار الانتماء العربي لشعب الكويت إحدى الركائز الأساسية لتحقيق وحدته الوطنية، لأنه لا يجوز أن يعيق تحقيق الوحدة الوطنية لشعب عربي عائق من اختلاف قبلي أو مذهبي، في الوقت الذي تحقق شعوب أخرى وحدتها الوطنية بالرغم من اختلاف انتماءاتها القومية، والقومية الواحدة معناها ثقافة وعادات وتقاليد مشتركة وأهداف واحدة.

دين يتعايش مع الآخر

ويعزر الوحدة الوطنية كذلك أن الإسلام دين الدولة، وفقا لنص المادة الثانية من الدستور هو دين يقبل الآخر، وأن المجتمع الإسلامي لم يخلُ قط من غير المسلمين في أي عصر من العصور لقول المولى عز وجل في كتابه الكريم «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» الأمر الذي لا يمنع المسلمين من العيش مع مخالفيهم في العقيدة والدين، فالإسلام يقبل العيش المشترك مع غير المسلمين في دار الإسلام، وهو ما يفسر نص المادة الثانية من الدستور بالتناغم مع نص المادة (35) التي تنص على حرية العقيدة وحرية القيام بالشعائرالدينية، ومع ما نصت عليه المادة (29) من الدستور التي ترسخ مبدأ المساواة بين الجميع على اختلاف دياناتهم، لأن نصوص الدستور وحدة واحدة فلا يجوز أن يفسر نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى، وكأنه هائم في فراغ.

وهو ما يختلف فيه المجتمع الإسلامي عن المجتمع اليهودي، في ظل عقيدة السامية الراسخة لدى اليهود بأنهم شعب الله المختار، وأنهم يتميزون عن غيرهم من شعوب الأرض، وهم يسعون إلى الاعتراف بهم كدولة يهودية لطرد فلسطينيي 1948 وعدم عودة اللاجئين.

لغة واحدة

كما يعزز الوحدة الوطنية كذلك، وحدة اللغة التي تجمع الشعب العربي، بعكس شعوب أخرى حققت وحدتها الوطنية رغم اختلاف اللغة التي تتحدث بها هذه الشعوب، من ذلك كندا التي تجمع بين إقليمين أحدهما يتكلم اللغة الإنكليزية والآخر يتكلم اللغة الفرنسية، وقد فشلت جميع الاستفتاءات التي جرت لانفصالهما، ولهذا اتخذ دستور الكويت من اللغة العربية، وهي لغة الشعب العربي اللغة الرسمية للدولة.

المساواة دون تمييز

والمساواة هي إحدى الدعامات التي يقوم عليها المجتمع، إعمالا للمادة السابعة من الدستور، تصونها الدولة وتكفل المادة الثامنة من الدستور في ظلها الطمأنينة للأفراد وتكافؤ الفرص للمواطنين، ثم تأتي المادة (29) ليكتمل بها مع هاتين المادتين الثلاثية التي تعتبر ركيزة أخرى للوحدة الوطنية فيما نصت عليه من مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.

وفي تفسير المادة (29) من الدستور تقول المذكرة التفسيرية إن هذه المادة خصت بالذكر أهم تطبيقات هذا المبدأ بقولها «ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».

ومؤدى هذا النص أن حظر التمييز في الحقوق والواجبات يمتد إلى غير هذه التطبيقات، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في مصر في تفسيرها للمادة (40) من دستور مصر التي تقابل المادة (29) من دستور الكويت وتطابقها في صور التمييز المحظورة، إذ قضت بجلستها المعقودة بتاريخ 29/4/1989 من «أن صور التمييز التي أوردتها المادة (40) من الدستور المصري لا تقتصر على الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، لأنها لم ترد على سبيل الحصر، فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها مما يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون ولضمان احترامه في مجالات تطبيقه».

الوحدة الوطنية والخصوصية

إلا أنه من الأهمية أن نشير إلى أن تحقيق الوحدة الوطنية والالتفاف حولها لا يقوم على إهدار الانتماء القبلي أو المذهبي، ولا تتناقض الوحدة الوطنية مع قيامهما، ولا تتعارض مع خصوصيات كل انتماء قبلي أو مذهبي، ولكن يظل الانتماء الأكبر والأشمل هو الانتماء الوطني وتظل الوحدة الوطنية هي المظلة التي تستظل بها كل القبائل وكل الطوائف وكل المذاهب، والملاذ الذي تحتمي به من إثارة النعرات القبلية والطائفية والمذهبية واختلاق أسباب لإثارة الحقد في نفوس أبناء الشعب الواحد، وإذكاء الصراع بين من يضمهم مجتمع الأسرة الواحدة.

وإلى مقال قادم بإذن الله نعرض فيه لحرية النقد البناء والتجاوزات لبعض وسائل الإعلام والحدود التي يجب أن يقف عندها المشرع في تنظيم ممارسة الإعلام لرسالته.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top