خيارات الحوار مع إيران

نشر في 13-10-2009
آخر تحديث 13-10-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هاليري كلينتون الجولة الأولى من المباحثات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، التي عقدت في جنيف أخيرا واستمرت لسبع ساعات متواصلة، بأنها كانت «مثمرة»، في حين أكد منوشهر متقي وزير خارجية إيران، أنها كانت «بناءة». لكن بعيدا عن النتائج والتوقعات، فإن عدم فشل الجولة الأولى والاتفاق على عقد جولة ثانية من المباحثات في أقل من شهر، يشكل نقطة تحول مهمة في سياق تطور العلاقات المتوترة بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية.

إن أي حوار مباشر بين هذين الخصمين اللدودين، هو خطوة إيجابية، إذا كان الهدف الابتعاد التدريجي عن الخيار العسكري في التعامل مع الملف النووي الإيراني وتخفيف حدة الاحتقان السياسي والتخندق المذهبي وتحويل إيران إلى عامل استقرار في المنطقة.

لن تتمكن جولة واحدة أو حتى عدة جولات من الحوار المباشر من إبعاد خيار المواجهة العسكرية كليا ونهائيا، لكن احتمال اندلاع حرب رابعة في الخليج العربي تراجع كثيرا حاليا، وأصبحت المنطقة أكثر استقراراً وأحسن حالاً، والمؤكد أن دول مجلس التعاون التي تعيش مع إيران في منطقة جغرافية واحدة، هي أكبر المستفيدين من حل الخلاف المستعصي حول الملف النوي الإيراني عبر العمل الدبلوماسي. لكن على دول مجلس التعاون التفكير بعمق في الانعكاسات الجيوسياسية للحوار والتحرك في أكثر من اتجاه للحفاظ على مصالحها وأمنها وتحديد خياراتها.

وأول ما ينبغي التحذير منه هو الثقة المفرطة بواشنطن، فقد أكدت إدارة أوباما أنها لن تضحي بالأصدقاء من أجل كسب الأعداء، ولن تعطي إيران دورا أكبر من دورها، ووزنا أكبر من وزنها، لكن الثقة بواشنطن لا ينبغي أن تكون مطلقة، إذ جرت العادة أن ترتكب واشنطن حماقات وكانت دول مجلس التعاون أول من يدفع ثمن الأخطاء الأميركية الشنيعة.

والخوف الآن أن تندفع إدارة أوباما سياسيا نحو إيران كما اندفعت إدارة بوش عسكريا نحو العراق، فكانت نتيجة الاندفاع العسكري عام 2003 إعطاء العراق لإيران على طبق من ذهب، وربما كانت نتيجة الاندفاع السياسي عام 2009 إعطاء الخليج العربي بأسره لإيران على طبق من ذهب من خلال الاعترف بطهران كمركز الثقل السياسي والاستراتيجي في المنطقة.

لقد أرسلت إدارة أوباما برسالة غير مريحة إلى أصدقاء واشنطن عندما تخلت أخيرا عن التزاماتها تجاه دول أوروبا الشرقية الصغيرة عبر إلغاء نظام الدفاع الصاروخي من أجل كسب ود روسيا. والسؤال المشروع هو إذا تخلت واشنطن عن دول أوروبا الشرقية من أجل كسب ود روسيا، فما الذي يمنعها أن تتخلى عن دول الخليج العربي من أجل كسب ود إيران، وذلك من منطلق أن إيران أكثر أهمية استراتيجيا على المدى البعيد من دول مجلس التعاون. إن احتمالات الصفقة مع طهران واردة كما عقدت واشنطن صفقة ضمنية مع موسكو على حساب دول أوروبا الشرقية، لذلك مهما تحدثت أميركا بلغة الصداقة، لا يمكن الاطمئنان كثيرا إلى واشنطن.

لا تخشى دول مجلس التعاون الحوار بين واشنطن وطهران، كما أنها لا تخشى إيران التي تتعامل معها هذه الدول بشكل يومي، فالخوف الحقيقي من اندفاعات واشنطن السياسية والعسكرية، وقدراتها على ارتكاب الأخطاء الفادحة، وعدم الاطمئنان إلى التزاماتها.

من هنا أمام دول مجلس التعاون التفكير في الخيار الأوروبي بجانب الخيار الأميركي من أجل توسيع نطاق الحوار مع إيران ليشمل الولايات المتحدة و26 دولة أوروبية علاوة على دول مجلس التعاون الست. هذا هو حوار 1+1+26+6. أن وجود 43 طرفا إقليميا دوليا يجعل الصفقة مع طهران صفقة جماعية وشاملة وملزمة، تراعي مصالح عديدة، وتسعى إلى حل مشاكل عالقة كثيرة، ولن تقتصر نتائجها على طهران وواشنطن.

لكن مشكلة هذا الخيار أن الطرف الأوروبي كالطرف الخليجي غير موحد وغير مستقل، فأوروبا، بكل قدراتها وإمكاناتها، تعمل سياسيا في ظل الولايات المتحدة وتنسق مواقفها مع واشنطن في الأمور الاستراتيجية، وتتلقى التوجيهات مباشرة منها، مما يعني أن الخيار الأوروبي هو في جوهره نفس الخيار الأميركي لكن في صيغة معدلة ومخففة.

لذلك من المهم لدول مجلس التعاون التفكير في الخيار الثالث في التعامل مع إيران وهو الخيار العربي الذي يتضمن الدفع بحوار عربي إيراني بالتزامن والتوازي مع الحوار الأميركي الإيراني. لقد أكد السيد عمرو موسى أنه يؤيد فتح حوار عربي مباشر مع إيران، وأبدى الاستعداد للقيام بزيارة إلى طهران. لكن الأمين العام لجامعة الدول العربية لن يتحرك في اتجاه طهران من دون ضوء أخضر من القاهرة. فمن دون موقف سياسي مصري إيجابي لا يمكن تحريك الدبلوماسية العربية في اتجاه إيران. هذا الموقف المصري لم يحن وقته بعد، فالقاهرة مستاءة كل الاستياء من التمدد الإيراني في الشأن العربي.

من هنا يأتي الخيار الرابع المتاح أمام دول مجلس التعاون، أي خيار الحوار الخليجي الإيراني المباشر. فدول مجلس التعاون لا تحتاج للحديث إلى طهران عبر بوابة واشنطن أو القاهرة أو أي عاصمة أخرى. ليست لدى هذه الدول مشكلة تجاه الحوار مع طهران حتى في أصعب اللحظات وأكثر الأوقات توترا، ولا تحتاج دول مجلس التعاون أي طرف إقليمي أو دولي أن يمثل مصالحها، فهي أجدر وأقدر على الحوار مع الجار الإيراني الصعب بهدف تخفيف حدة التوترات وحل القضايا العالقة وحل الاختلافات القائمة. هذا هو حوار 1+6 الذي طال انتظاره.

لكن هذا الخيار يواجه مشكلة كبرى حاليا هي الخلافات الخليجية الخليجية وانهيار الانسجام الخليجي، وذهاب دول المجلس إلى أكثر من اتجاه في كيفية التعامل مع طهران التي تستغل الخلافات الخليجية لتقوية موقفها التفاوضي مع دول مجلس التعاون وتفضل الحوار الثنائي على حساب الحوار الجماعي.

لذلك فإن أفضل خيار هو تحريك كل هذه الخيارات سويا لتشكل حالة دبلوماسية ضاغطة على طهران بهدف تحويلها إلى عامل استقرار في المنطقة. إذا تحركت هذه الخيارات معا، فسيكون الضغط مذهلا، وستكون النتائج إيجابية وتصب في مصلحة دول مجلس التعاون التي لا ينبغي أن تخاف من الحوار الأميركي الإيراني بل عليها دعمه والمساهمة في استمراره حتى لو كانت النتائج متواضعة.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top