سحب قاتمة تنطلق من إيران باتجاه الخليج المزدهر

نشر في 26-01-2010
آخر تحديث 26-01-2010 | 00:01
أظهرت البحرين والبلدان الخليجية المجاورة صموداً مثيراً للإعجاب وحساً ابتكارياً في معالجة الأزمة المالية في المنطقة، لكنها ستحتاج إلى قوة مماثلة لمقاومة التحديات المختلفة جداً التي سيحملها المستقبل لا محالة.
 ذي تيليغراف لاتزال معدات التشييد قائمة وممتدة، ونشاهد على مرمى البصر ناطحات سحاب غير مكتملة: إنه دليل واضح على الأثر السيئ الذي خلّفه الركود العالمي على دول الخليج النفطية التي كانت في إحدى الفترات تشهد ازدهاراً صاروخياً. وسط أعداد الوافدين الهائلة إلى تلك البلدان، على أمل كسب الثروات مع ميزة الإعفاء الضريبي، حيث تدور الحوارات والأحاديث في جميع المناسبات حول التقلبات الأخيرة التي فرضتها أخطر أزمة اقتصادية واجهتها تلك الدول في تاريخها القصير.

في دبي، آخر منطقة على طرف الخليج، حيث دفع تدهور سوق العقارات في تلك الإمارة إلى حافة الانهيار في نهاية العام الماضي، فيما لايزال الناجون من انهيار سوق العقارات يحاولون التكيف مع الظروف السيئة. بعد التدافع الكبير نحو المطار لمغادرة البلاد في السنة الماضية، ما أدى إلى ترك أفخم السيارات في مواقف السيارات، إلى جانب تراكم فواتير الشراء بالتقسيط، برزت مواقف أكثر توازناً حول قدرة العائلات على تحمل كلفة الأقساط المدرسية.

في الكويت، على الطرف الآخر من الخليج، ابتكر كويتيون من الطبقة المتوسطة المنتعشة وسيلة جديدة للتخفيف من عثراتهم الاقتصادية: فطلبوا من الحكومة تسديد جميع فواتير بطاقاتهم الائتمانية الباهظة لمساعدتهم في استعادة توازنهم المالي.

حتى البحرين، التي نجحت في تجنّب الفوائض العشوائية التي غرقت فيها بعض الدول المجاورة لها، تأثرت بالوضع القائم. نتيجةً لذلك، تجمّدت أهم المشاريع الإنمائية أو أُلغيت تماماً، ولم تسلم بقية قطاعات الاقتصاد من التدهور الحاصل.

لكن ما يلفت نظري دائماً بخصوص دول الخليج هو أن أزمة بهذا الحجم لا تستطيع إخماد روح المجازفة التي ساهمت في تحول هذه البلدان- خلال ثلاثة عقود تقريباً- من مراكز تجارية مجهولة نسبياً في الصحراء إلى منارات مشعّة في مجال تنظيم المشاريع والشراكات.

ينطبق الأمر تحديداً على البحرين التي تحدّت المشاكل الاقتصادية هذا الأسبوع عبر إطلاق أول معرض دولي للطيران على طريقة معرض "فارنبورو" الشهير في بريطانيا. مع أن هذه المملكة الصغيرة تضم مليون نسمة تقريباً، لكنها لطالما حققت أموراً تفوق طاقتها: كانت البحرين الدولة الخليجية الأولى التي تستضيف سباق "فورمولا1"، وسينطلق الموسم الجديد في مارس مع عودة مايكل شوماخير المنتظرة. قبل أيام قدّمت البحرين إنجازاً مدهشاً آخر عبر عرض مجموعة من أهم الطائرات المقاتلة وفِرق الاستعراض الجوي في العالم لتقديم عرض ترفيهي أمام كبار الشخصيات ورجال الأعمال. لكن كانت أبرز العروض عبارة عن طائرة عسكرية جديدة دون طيار اسمها "مانتيس"، من شركة الصناعات الجوية BAe Systems، وهي مصمَّمة لمنافسة طائرات "بريداتور" الأميركية الموجّهة دون طيار والتي أثبتت فاعليتها في محاربة خلايا "القاعدة" وحركة "طالبان" في العراق وأفغانستان.

مع أن طائرة "مانتيس" لاتزال تخضع لاختبارات طيران مكثفة، فإنها تُعتبر منذ الآن نظاماً يفوق في تطوّره الطائرة الأميركية، وهي ستحسّن جذرياً قدرات القوات المسلّحة على تعقّب الأعداء ومهاجمتهم حول العالم. لكن بما أن المقاولين الدفاعيين البريطانيين يبذلون جهوداً هائلة في تصميم أنظمة أسلحة جديدة لاستعمالها في الحرب على الإرهاب، يعني ذلك أن التحديات التي تواجه دول الخليج لا تنحصر في المجال الاقتصادي.

تجد هذه البلدان نفسها وسط محيط مجاور مضطرب جداً، كونها عالقة بين العراق الذي لايزال يصارع للتكيف مع التداعيات المريرة التي فرضتها عملية الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، وإيران حيث يواجه الحكم القمعي بقيادة الملالي آيات الله استياءً شعبياً عارماً. هذا الأسبوع، نفذّت إيران أول خمس عمليات إعدام بحق محتجين اعتُقلوا خلال التظاهرات المطالِبة بالإصلاح، في السنة الماضية، ومن المتوقع أن تلقى أعداد أخرى المصير نفسه في محاولة النظام لإرهاب خصومه ودفعهم إلى الاستسلام.

كذلك، يواجه استقرار الوضع في الخليج خطراً آخر بفعل تفاقم الأزمة الدولية بسبب إصرار إيران على متابعة برنامجها النووي غير الشرعي. دخلت أبرز قوى العالم في جدل محتدم حول الطريقة التي سيعتمدها الغرب للرد على مواقف محمود أحمدي نجاد المتعنّتة. أقلّه، يمكن أن تتوقع إيران مواجهة عقوبات إضافية، الأمر الذي سيعزز انعزال النظام عن المجتمع الدولي.

في الماضي، ردّت إيران على ضغوط مماثلة عبر تنشيط الجماعات المسلحة التابعة لها التي نشرتها في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج. لقد نشط على وجه التحديد الحرس الثوري الإيراني في البحرين، حيث تحكم سلالة آل خليفة المسلمة السُنيّة شعباً ينتمي في معظمه إلى الطائفة الشيعية. لقد دعم الحرس عدداً كبيراً من المخططات التي تهدف إلى إطاحة الأسرة الحاكمة وإنشاء نظام حكم إسلامي على الطريقة الإيرانية في الجزيرة التي تشكّل أهم قاعدة لأكبر أسطول خامس أميركي في الخليج.

حتى اليوم، يلقي بعض المسؤولين اللوم على التدخل الإيراني في أعمال الشغب المناهضة للحكومة التي تحصل أسبوعياً تقريباً في الأحياء الفقيرة الشيعية في البحرين. ما يثير قلق القوى الأمنية هو وجود أبرز المعارضين في لندن، وهي تتهم هؤلاء بالتشجيع على توتير الوضع من خلال توجيه رسائل عبر الإنترنت.

يُضاف إلى ذلك استراتيجيات الترهيب المتعمّدة التي تمارسها إيران، وهي تشمل اختبارات دورية لصواريخ متوسطة المدى صُمّمت لمهاجمة الدول المجاورة الصغيرة في الخليج. لقد أظهرت البحرين والبلدان المجاورة صموداً مثيراً للإعجاب وحساً ابتكارياً في معالجة الأزمة المالية في المنطقة، لكنها ستحتاج إلى قوة مماثلة لمقاومة التحديات المختلفة جداً التي سيحملها المستقبل لا محالة.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top