الأفعى... رمز الغواية والشرّ
حين توفّي نجم البوب مايكل جاكسون، شبّهه البعض بالأفعى لأنه كان يبدِّل جلده مثلها، وفي النسيج الاجتماعي الثقافي الذكوري يقال إن «النساء حياي»، ويربط المرأة بالخبث، أو يزيد معناه حين يقول إنها «حية من تحت التبن».مثل هذه العبارات تأخذنا الى الحديث عن معنى الأفعى في الثقافة والميتولوجيا الشعبية، يقول ج. سيرلوت في «قاموس الرموز»: «الأفعى رمز للطاقة وللقوة الخالصة البسيطة»، من معانيها مثلاً، حركاتها الملتوية المتمعجة وارتباطها عموماً بالشجرة وشبهها المتَّفق عليه بجذور الشجرة وأغصانها وبالطريقة التي تخلع بها ثوبها ولسانها المتوّعد ونموذج جسدها المتموّج وفحيحها وشبهها بالرابطة وطريقتها في مهاجمة ضحاياها بلفّ نفسها حولهم وهكذا. وتتعدد معانيها لأن ثمة أفاعي تعيش في الغابات وأخرى تكافح لتحيا في الصحارى وثمة الأفاعي المائية أو تلك التي تتوارى حول البحيرات والبرك والآبار والعيون. وترتبط عبادة الأفعى أو عبادة روحها في الهند برمزية مياه البحر. فالأفاعي هي حارسة ينابيع الحياة والخلود وثروات الروح العليا والتي يُرمز لها بالكنوز الدفينة. كذلك هي رمز للخراب وأصابت بالبلاء كل من نجحوا في عبور البحر الأحمر وغادروا مصر في الزمن العبري الموسوي. وبهذا المعنى فإنها مرتبطة بـ «الإغراءات» التي تواجه من يتغلّبون على حدود المادة وقيودها ويدخلون منطقة «جفاف» الروح.
تعلن قصيدة Voluspa في الميثولوجيا الاسكندينافية، أي {نبوءات العرّافة}، أن الطوفان سيبدأ حين يستيقظ الثعبان ليدمِّر الكون. وتقول أسطورة بوذا إن {الثعبان لفّ نفسه سبع مرات حول جسد بوذا (كما في تماثيل ميثاريك كرونوس) بحيث أنه لم يتمكّن من سحقه فقد تحوّل الى شاب راكع أمام جوتام}. الشجرةوبعيداً عن الوضع الدائري أو الكوني الذي تنحو الأفعى لاتخاذه وصفة الكمال التي تتضمنها، فإن الأفعى غالباً ما ترتبط برموز أخرى. وأشهر هذه الرموز الشجرة والتي على رغم أنها وحدة متكاملة إنما يمكن القول إنها تتطابق مع العنصر الذكوري، في حين أن الأفعواني يمثل الأنثوي. في الميثولوجيا، الشجرة والثعبان تصوير سبقي لآدم وحواء. يميل الباحث دييل الى تفضيل هذا النوع من التفسير ويقترح أن الأفعى الملتفَّة حول عصا أو صولجان إله الطب تعيد الرمز التوراتي الأساسي الى شجرة الحياة التي تلتفّ الأفعى حولها ممثِّلةً مبدأ الشر، ويشير النموذج هنا الى العلاقة الوثيقة بين الحياة والفساد كمصدر للشر. ويمضي دييل ليقترح أن تدمير الروح هو الذي يجلب موت النفس وهذا ما على الطب الشروع في منازلته في المقام الأول. هكذا ارتبطت الأفعى في الأذهان بدلالتها على الشر والغواية، نظراً الى طبيعتها المميتة من جهة، ولِما ورد في سفر التكوين عنها باعتبارها كانت السبب المباشر في خروج آدم وحواء من الفردوس من جهة أخرى، بعد أن اختبأ الشيطان تحت لسانها ووسوس لحواء أن تأكل من شجرة {المعرفة} بحسب سفر التكوين أو الشجرة المحرَّمة بحسب الدين الإسلامي. وثمة بعض التفسيرات التاريخية القديمة لدى ابن إياس مثلاً يؤكد أن الله عاقب الأفعى على سماحها لإبليس بالاختباء تحت لسانها ودخوله الجنة بأن وضع السم تحت لسانها، فأصبحت لدغتها مميتة، وصارت منبوذة من بني البشر. النيل ولأنّ المصريين القدماء اختاروا آلهتهم من بين مظاهر الطبيعة وفقاً لمنطق الخير والشر، فقد كانوا يعبدون الأشياء الخيّرة تيمناً بها وإكراماً لها، ويعبدون تلك الشريرة اتقاءً لشرّها، وجعلوا من الأفعى كائناً مقدّساً، وخصوصاً {أفعى النيل} التي اتخذها بعض ملكات الفراعنة رمزاً لها وجعلتها تتوّج تاجها. احتفظت كليوباترا بـ{أفعى النيل} لفترة طويلة تحسباً للحدث الأهم والأخطر والأكثر إثارة في حياتها، والمعروف عن هذه الأفعى أن لدغتها تقتل من دون ألم، ولإحساسها بالخطر والخوف من التعرّض للسبي والعبودية بعد هزيمة حبيبها أنطونيو في معركة أكتيوم، وبعدما أصبح مصيرها معلّقاً في يد الإمبراطور الروماني الذي احتل مصر إثر تلك المعركة التي ظل الروم بعدها مسيطرين على مصر قروناً عدة. يقول الروائي المصري يوسف زيدان إن الأفعى شعار الملكات العظيمات في الأزمنة الأولى. إنها شعار عشتار وإيزيس وحتشبسوت وسميراميس ونفرتيتي وكليوباترا وغيرهن، إذ كانت النساء حاكمات وقاضيات في معظم الحضارات القديمة حتى انقضى النصف الأول من حضارة مصر، ومن حياة سومر، فجاءت اليهودية لتحرّم على المرأة ذلك. والأفعى هي (اللاة) المعبودة العربية، ومعناها في اللغة العربية {الحية} والأفعى هي الآلهة، وهي كائن يشارك المرأة في حالة القداسة الأولى، ولذلك عُبِدَتْ الأفعى في الزمن القديم.ظلت أفعى النيل شهيرة وراسخة في الوجدان الشعبي المصري ودراسات المستشرقين، لدرجة أن بعضهم ربط بين تلك الأفعى وبين بعض الحركات التي اشتهرت بها الراقصات أو الغوازي في مصر كبداية للرقصة التي ستؤدينها، وتتمثل تلك الحركة في رفع الذراعين إلى أعلى ثم إنزالهما تدريجاً بانحناءة تشبه تلوّي الأفعى، وهي حركة تحمل من الإثارة والإيحاء ما يضعها في مرتبة الإغواء. وقد أصدرت المستشرقة والراقصة وندي بونافنتورا كتاباً بعنوان {أفعى النيل}.عصر الجواريويبدو أن الإيحاء النفسي الذي تمثّله حركة الأفعى كان قوياً لدرجة جعلت تلك الحركة منتشرة أيضاً في عصر الجواري أيام الخليفة هارون الرشيد وفي قصور الخلافة العباسية والأندلسية وفي عصر المماليك، وإن كانوا يعطونها تفسيراً آخر لا يربط بينها وبين حركة الأفعى المتلوية، إذ يعتبرونها تمثيلاً حسياً يحمل أبعاداً لحركة المرأة في تلوّيها أثناء الغنج أو الدلال.وفي الحالات كلها تبقى الحركة واحدة ودلالتها أيضاً واحدة، فهي تدلّ على غواية المرأة للرجل، وإغرائها له، وتعبيرها عن حركة الأفعى أثناء زحفها بما تحمله تلك الأفعى من ميراث في الأذهان يرتبط بالغواية والخطر هو الأقرب من إعطائها أي تفسير آخر. وما يرجّح ذلك أن ربط حركات الراقصات الشرقيات بالأفعى لا يقتصر على حركة أذرعهنّ المتلوية في بداية الرقصة أو وسطها فحسب بل يتمثّل في حركة الجسد كله أيضاً.