خذ وخل: زكريا فيلسوف الموقف والفعل


نشر في 17-03-2010
آخر تحديث 17-03-2010 | 00:01
 سليمان الفهد أننا إزاء إنسان يستأهل من الكويت- حكومة وشعبا- الاحتفاء به، وتخليد ذكراه، لأعماله الجليلة التي أعطاها للثقافة والتعليم الجامعي في بلادنا، فضلا عن موقفه الفردي المتميز تجاه الاحتلال كما أسلفنا، وقد أضيف إلى ما اقترحه الزملاء التمني على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إصدار أعماله الكاملة في طباعة تليق بمضمونها، وبقامة مولاها السامقة.

* بعد تحرير البلاد حرصت على كتابة مقالات عدة حول من اختاروا الوقوف ضد الاحتلال وتعرية ادعاءاته المتعاقبة، وكان على رأس هؤلاء المفكر الحر المستنير الأستاذ الدكتور «فؤاد زكريا» رحمه الله، وأذكر أني اعتبرت مقالاته التي دبجها طوال فترة الاحتلال، بمنزلة فعل كتيبة من الكتائب التي أسهمت في تحرير الوطن، ودعوت- يومها- إلى تثمين موقفه الفروسي الحر، وتكريمه بصيغة ترقى إلى قامته الفكرية السامقة، على الرغم من أنه- بداهة- لم يكن ينتظر جزاءً ولا شكوراً، لكونه كان يعبر عن موقفه ورأيه اللذين لا يخشى في التصريح بهما لومة لائم.

ولن أعيد هنا ما كتبه الزملاء الذين سبقوني في تأبين الرجل، لكني أود التوقف قليلا عند اقتراح الصديق الدكتور «غانم النجار» الذي اقترح إصدار كتاب في سياق تكريمه من قبل الكويت والكويتيين، بينما ارتأى الأخ «بوطلال» محمد مساعد الصالح، تسمية مرفق أكاديمي أو مدرسة باسمه، وكلاهما يمكن تنفيذهما بيسر، لاسيما أن مريديه كثيرون، ومن حقهم وواجبهم المبادرة إلى تكريمه بالسبل كافة، لكونه- بحق- أحد أبطال تحرير الكويت.

*وإذا كان الكثيرون قد تعرفوا إليه من خلال الأستاذ المفكر صاحب الفكر المستنير، فإني عرفته أول مرة من خلال قراءاتي لكتاب صغير ضمنه رأيه ورؤيته للموسيقى العربية، والموسيقى السيمفونية الكلاسيكية، وقد استفزني رأيه الصريح في تراثنا الموسيقي العربي، وحرضني على لقائه حين جاء إلى البلاد أستاذا من ثم رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة الكويت، وكانت الموسيقى هي التي أفضت بي إلى الاختلاف إليه، والتردد عليه في منزله للاستماع إلى تحليله الخصب لروائع الأعمال الموسيقية العالمية، قبل أن نصيخ السمع إليها. وكان هذا اللقاء الحميم بمنزلة «دروس خصوصية» مجانية للتذوق الفني بالنسبة إلى الثلة من «الربع» الذين اعتادوا زيارته كلما كان هذا متاحا له. أذكر منهم الأصدقاء: (عيسى العصفور.. رحمه الله، وسليمان الفليح، ومطلق مساعد العجمي، وحسين العتيبي، وعبدالرحمن صالح الشايع... شفاه الله وجملنا وأهله بالدعاء له بأن يعود إلى «الشامية والعبدلي» بسمته الباسم مترعا بالعافية إن شاء الله).

من هنا لم أدهش حين وجدت أحداً يخبرني بأن الدكتور «زكريا» يرغب في الحصول على نسخة من «هتاف الصامدين» الاسم الذي اختاره الفنانون الصامدون للتعبير عن استجابتهم لمحنة الاحتلال بتجلياتها كافة، وكان حريصا على أن يكون بحوزته التسجيل الأساسي الذي أنجز أثناء الاحتلال، بعد أن وصل إليه نسخة من التسجيل الذي سجل في القاهرة بعد التحرير، بفرقة موسيقية أدت الألحان بعد أن أثراها الفنان الملحن الفذ «راشد الخضر» بالتوزيع الموسيقي، وكان رأيه أن التسجيل البكر الأول أجمل وأشد تأثيرا في الوجدان.

الشاهد: أننا إزاء إنسان يستأهل من الكويت- حكومة وشعبا- الاحتفاء به، وتخليد ذكراه، لأعماله الجليلة التي أعطاها للثقافة والتعليم الجامعي في بلادنا، فضلا عن موقفه الفردي المتميز تجاه الاحتلال كما أسلفنا، وقد أضيف إلى ما اقترحه الزملاء التمني على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إصدار أعماله الكاملة في طباعة تليق بمضمونها، وبقامة مولاها السامقة.

رحم الله الفقيد الغالي وألهمنا وأهله الصبر والسلوان، وأن تكون مواقفه الحرة الجريئة وعطاؤه الثر المتميز في ميزان حسناته.

back to top