حراس

نشر في 07-07-2009
آخر تحديث 07-07-2009 | 00:00
 محمد سليمان لكل نظام سياسي حراسه الساهرون عليه والمدافعون عنه والمستفيدون من وجوده وبقائه، واتساع دوائر هؤلاء الحراس يعني نجاح النظام وتمكنه وتصاعد شعبيته، وفي المقابل يؤدي انحسار هذه الدوائر إلى اهتزاز النظام وضعفه، وربما اختفائه أو لجوئه إلى العنف والقمع والاستعانة بحراس آخرين محترفين ومدججين بالأسلحة.

في العالم المتقدم تتكفل الديمقراطية والحراك السياسي وصناديق الاقتراع باختيار النظام وتحديد حجم وشكل المؤيدين والمعارضين، بينما يصنع النظام في بلادنا حراسه وحلفاءه إضافة إلى أعدائه المعارضين له والحالمين بالتخلص منه!

تغيَّر حراس النظام في مصر أكثر من مرة منذ قيام ثورة يوليو 1952، وكان التحول الأول على يد الرئيس جمال عبدالناصر وسياساته التي انحازت إلى جموع الكادحين والبسطاء بقرارات الإصلاح الزراعي والتصنيع والإسكان الشعبي ومجانية التعليم وغيرها، وكان من الطبيعي أن تتسع بشكل غير مسبوق دوائر حراس النظام الناصري في الخمسينيات والستينيات لتضم الفلاحين والعمال والموظفين والطلاب والكادحين، وأن تتصاعد شعبية النظام ويتحول

عبدالناصر إلى زعيم وبطل قومي منقذ ومخلص رغم أخطاء نظامه الكبرى وهزيمة يوليو 1967 التي لم تمنع، رغم قسوتها وفداحتها، الجماهير من النزول إلى الشوارع لإجبار عبدالناصر على الرجوع عن قرار التنحي، ولم يكن هذا النزول مُدبراً، كما يشيع البعض فقد كنت واحداً من الملايين التي ضاقت بها الشوارع في ذلك الوقت.

في الخمسينيات والستينيات اتسعت دوائر حراس النظام الناصري لتضم الشعب المصري كله تقريباً، الذي استفادت جموعه من قرارات وسياسات عبدالناصر وشاركته أحلامه وانكساراته.

ثم كان التحول الثاني على يد الرئيس السادات الذي منح نفسه لقب الرئيس المؤمن، وأعلن حرباً على الناصريين والقوميين واليساريين واستبدل بحراس النظام الناصري حراساً آخرين يرفعون راية الدين ويحلمون بالعودة الى الماضي، ويكفِّر بعضهم كل دعاة التحديث والتقدم، ونسى السادات أن لحراسه وحلفائه الجدد خرائطهم المختلفة وأحلامهم ومشاريعهم الخاصة، ونسى أيضاً أن عباءة هؤلاء الحلفاء تتسع للعديد من تيارات التشدد والتطرف التي تخطط للانقضاض عليه وإطاحة نظامه، وكان اغتياله في أكتوبر 1981 نتيجة منطقية لكل هذا النسيان.

والمثير أن السادات، الذي أعتبره من أكثر حكام مصر تأثيراً، كان قد أدرك قبيل اغتياله أن نظامه قد بات عارياً لا حراس له سوى المحترفين، وأنه يواجه وحده معارضي الانفتاح والتحول الاقتصادي ومعاهدة «كامب ديفيد»، وهذا الإدراك كان وراء قرارات سبتمبر 1981 الشهيرة التي ساق بها إلى السجون كل معارضيه، الذين كانوا يشكلون مجمل الحياة السياسية والثقافية المصرية في ذلك الوقت.

وجاء التحول الأخير على يد النظام الحالي الذي رفع راية الشفافية والإصلاح الاقتصادي في بداية الثمانينيات، ثم واصل سياسة الانفتاح وراهن على الخصخصة ودلل رجال الأعمال واتخذهم حلفاءً وحراساً له، وساهم بالجهد الأكبر في صنع ثرائهم ونفوذهم ودفع بهم الى الواجهة باعتبارهم منقذين قادرين على الإنتاج والبناء وفهم لغة العصر وتحولاته. وقد ظل الحذر رائداً للنظام حتى أواخر التسعينيات وانحسار موجات الإرهاب والتطرف، ثم توارى ذلك الحذر واندفع رجال الأعمال إلى ساحة العمل السياسي، وتلاشى الحد الفاصل بين السلطة والثروة، فشاعت قضايا النهب والاحتكار والفساد، خصوصاً بعد انطلاق قطار الخصخصة واستشراء حمى بيع ممتلكات الشعب، وأشير هنا إلى ما نشرته صحيفة «الوفد» المصرية الناطقة بلسان حزب الوفد المعارض قبل أيام تحت عنوان «مجلس الشعب يفضح حكومة مصر»، وجاء فيه «اتهم نواب في مجلس الشعب الحكومة بالفساد وإهدار المال العام وبيع ممتلكات لمجموعة بعينها من رجال الأعمال، كما طالبوا بسحب الثقة منها بعد تورطها في قضايا فساد وتخصيص ملايين الأفدنة لكبار المستثمرين.

وأوضح النواب أن المستندات المرفقة بالاستجواب تكفي لسحب الثقة من الحكومة»!

وكان من الطبيعي أن يطرح رجل الشارع الغاضب سؤاله المثير «مَن يحرس مَن؟» وأن يتزايد في الوقت نفسه اعتماد النظام على الحراس المحترفين لفض الاحتجاجات والاعتصامات التي تصاعدت على نطاق واسع في الفترة الأخيرة.

غالباً لا يحرس رجال الأعمال في مصر سوى أموالهم ومصالحهم، ولا يحرصون إلا على تراكم أرباحهم... ومن ثم فهم بدلاً من حراسة النظام قد يصبحون عبئاً عليه وأحد أسباب اهتزازه وانحسار شعبيته.

* كاتب وشاعر مصري 

back to top