مريم فخر الدين: لم آخذ مال أزواجي بل أعمارهم

نشر في 16-03-2010 | 00:00
آخر تحديث 16-03-2010 | 00:00
صاحبة أرقّ وجه عرفته الشاشة العربية، أدوارها الرومنسية صنعت لها تاريخاً فنياً حافلاً بأفلام صارت مع الأيام جزءاً من تاريخ السينما المصرية. مثلت دور الأرستقراطية والفتاة المسكينة والفلاحة والزوجة المخلصة، وعندما امتدّت بها سنوات العمر أدت أدوار الأم وقدّمت أنماطاً مختلفة، فبدت متعجرفة حيناً وطيِّبة غالباً. غنّى لها عبد الحليم حافظ «بتلوموني ليه» و{بحلم بيك» وغنى لها فريد الأطرش «أنا فاكرك ملاك». رصيدها الفني 600 فيلم.

إنها مريم فخر الدين، في الحوار التالي نتسلّل إلى قلبها ونفتّش في عقلها.

ما أهم بيانات بطاقتك الشخصية؟

إسمي مريم محمد فخر الدين، مواليد الفيوم، والدي مهندس ريّ، ووالدتي مَجَرية الأصل، تعلمت في المدرسة الألمانية في باب اللوق في القاهرة ونلت شهادة البكالوريا.

ما أبرز ملامح نشأتك؟

عشت في بيت مصري يعبق بالتقاليد المعروفة في مجتمعنا، لكن وجود زوجة أجنبية أكسبه نوعاً من التفرّد، كانت أمي تحمل في تركيبتها الشخصية الغربية، وكانت صارمة وحازمة وجادة ولا وقت لديها للمشاعر المبالغ فيها.

هل تذكرين موقفاً معها لا يغادر ذاكرتك؟

نعم، عندما التحقت بمدرسة الراهبات لاحظت أن زميلاتي يحصلن على مصروف يومي، وعندما طلبت منها الحصول بدوري على مصروف يومي، على غرار زميلاتي، أجابت: «أنت شحاتة تاخدي الفلوس من دون أن تؤدي عملاً». فبادرتها: «ما العمل الذي قد أؤديه لأحصل على مصروف؟» أجابت فوراً: «تكوي مريلتك وتاخدي تعريفة، تكوي قميص بابا وتاخدي قرش صاغ، تكوي ملاية السرير وتاخدي قرشين»... وافقتُ وما لبثت الأسرة بعد فترة أن استغنت عن التعامل مع محلّ كيّ الثياب.

كيف كانت العلاقة بين والديك؟

كانا قريبين من بعضهما، ساهمت في ذلك دراسة والدي في ألمانيا وثقافته العميقة لا سيما أنه كان قارئاً من طراز خاص، ما جعل شخصيته قريبة من شخصية والدتي.

على رغم مظاهر الصرامة والقسوة، ألم تُظهر والدتك مشاعر الأمومة المجبولة بالحنان تجاهك؟

بلى وإلى أقصى حدّ. أذكر أنني أُصبت في طفولتي بالتهاب رئوي ودفتريا فحملتني والدتي، وأنا مغطاة بالبطانية، واستقلت القطار من الفيوم إلى القاهرة، وهي لا تعرف كلمة عربية واحدة، ومن القاهرة انتقلنا إلى الإسكندرية ثم ركبنا باخرة إلى إيطاليا، ومن هناك استقلينا قطاراً إلى المجر حيث أدخلتني المستشفى وتلقيت العلاج فيها ثلاثة أشهر إلى أن شُفيت.

ما كان اسمها؟

بولا بارتو، فقدتها عندما بلغت ستة وتسعين عاماً.

هل غيرت ديانتها بعد الزواج؟

لا.

ولماذا سمّتك مريم؟

لتناديني ماري. كذلك سمّت شقيقي يوسف أي زوزوكا بالمجري وهما إسمان يناسبان الأديان كافة ومن السهل نطقهما.

لمن كانت الكلمة العليا في البيت؟

لأمي، إذ كانت رئيس مجلس شؤون المنزل.

ما حكاية فوزك بلقب «جميلة الجميلات»؟

عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، طلبتُ من أمي أن تكون هديّتي في عيد ميلادي أخذ صورة لي عند مصوّر معروف، فاستجابت لطلبي وقصدنا استوديو «واينبرغ»، كان أحد أشهر المصوّرين آنذاك، سألته أمي: كم تريد أجراً عن ست صور؟ أجابها: «إذا كانت الصور للمسابقة فهي مجاناً»، فسألته: أي مسابقة؟ أجابها: «مسابقة تنظّمها مجلة «إيماج»، التي تصدر عن دار الهلال باللغة الفرنسية، لاختيار فتاة الغلاف»، فقالت له: «نعم للمسابقة»، لتوفر ثمن الصور، وبعد أقل من شهر فوجئت بوالدي يدخل المنزل متجهّماً بعدما استلم شيكاً بمبلغ 250 جنيهاً قيمة الجائزة التي حصلت عليها.

كم مرة تزوجت؟

أربع مرات.

أخبرينا عن زواجك الأول.

بعد نجاح فيلمي «ليلة غرام»، ومشاركتي في ثلاثة أفلام غيره، زارنا المخرج محمود ذو الفقار للاتفاق مع والدي على أن يُخرج لي فيلماً، فبدأ أبي يفرض شروطه القاسية، عندها لم يجد ذو الفقار طريقة سوى أن يتزوّجني للتحرّر من ضغوط والدي مع أنه كان أكبر مني بـ23 سنة. بدوري وافقت للسبب ذاته، ودام زواجنا ثماني سنوات.

معلوم أن حفلة زفافك لم تكن على غرار حفلات الزواج المعهودة، لماذا؟

بالفعل لم نقم حفلة خطوبة، حضر ذو الفقار ومعه «دبلة» وخاتم ألماس، وطلب ألا يقيم فرحاً لأنه سبق أن تزوّج الفنانة عزيزة أمير التي توفيت ولم يكن لديهما أولاد، وأخبرني أننا سنمضي شهر العسل في بيروت.

بعد ثلاثة أيام حضر إلى منزلنا ومعه إخوته عز وزوجته فاتن حمامة، كمال وصلاح وممدوح وزوجاتهم، وكانت والدته في الإسكندرية فلم تحضر معهم.

رفضت أمي أن أرتدي فستان زفاف أبيض وأصرّت على أن يكون أخضر وأن تكون العصمة بيدي من دون علم والدي، وافق ذو الفقار من أجل أحلامه السينمائية، وخرجت من البيت من دون أي ملابس أو أثاث كما لو كنت أرملة، وما زاد الطين بلة أن أمي أخذت مني 17 غويشة ذهب أهدتها لي في أعياد ميلادي.

وما سبب طلاقك منه؟

كان ذو الفقار حادّ الطباع وعصبي المزاج وشديد الغيرة لأن فارق السن سبّب له شعوراً بالنقص وعدم الثقة بنفسه.

هل أنجبت منه؟

ابنتي إيمان.

وكيف ربّيتها؟

اعتمدت أسلوباً مختلفاً عن أسلوب أمي. كنت أشتري لها الملابس بكميات مبالغ فيها لأعوّضها عن الوقت الذي أمضيه في الاستوديو، واخترت لها مدرسة تدرّس اللغة الإنكليزية فحسب كي لا تعاني أعباء اللغات التي عانيتها في طفولتي.

إذاً كانت مدللة.

إلى أقصى درجة، عندما سألتها، بعد نيلها الثانوية العامة، عن الكلية التي تفضلها، أجابت: «لا أعرف». ثم التحقت بكلية التجارة وبعد ذلك بالجامعة الأميركية التي ارتادتها يوماً واحداً وانقطعت عن الدراسة، ثم أبلغتني بأنها تفضّل البقاء في المنزل.

وماذا عن زواجك الثاني؟

بعد طلاقي من ذو الفقار تزوّجت طبيباً أنجبت منه إبني محمد ولم أستمر معه كثيراً.

ما قصّة زواجك من المطرب السوري فهد بلان؟

في عام 1967 سافرت إلى لبنان هرباً من مصلحة الضرائب التي قرّرت محاسبتي على أفلامي التي مثّلتها منذ عام 1951، وطلبت مني مبالغ طائلة لم أستطع دفعها، فخيّرتني بين إغلاق الشقة بالشمع الأحمر وبين الحجز على محتوياتها، فاخترت الحلّ الأول. اقترضت من فريد الأطرش 250 جنيهاً وسافرت مع ابني محمد، إلى لبنان حيث وقف فهد إلى جانبي وأخرجني من الضائقة المالية وملأ حياتي، وفي اليوم الواحد والتسعين من طلاقي كنت أُزفّ إليه وعشت معه خمس سنوات هي أسعد أيام حياتي.

كان فهد رافضاً فكرة أن يسكن معي في شقتي، إيماناً منه بمبدأ أن الزوجة لا بد من أن تقيم في بيت زوجها، وكان مهذباً ورجلاً بمعنى الكلمة ولم يسئ إليّ طوال زواجنا.

ولماذا تم الطلاق؟

في أحد الأيام فوجئت بابنتي تقصدني والدموع تملأ عينيها بعد وفاة والدها، وبعد أيام قصدني ابني محمد لأنه لم يكن يشعر بالراحة مع والده ففرحت بهما جداً.

كانت إيمان تبلغ الرابعة عشرة ومحمد الرابعة، في أحد الأيام عادت إيمان من المدرسة وهي تبكي لأن زميلاتها، كن يغنين لها كلما رأينها أغنية فهد بلان الشهيرة «وأشرح لها»، فاتضح لي أن ابنتي وابني يكرهان زوجي، وكان علي أن أختار بين سعادتي وسعادة ولديّ مع أن فهد لا ذنب له.

قلت لولديّ آنذاك: «لا أستطيع العيش من دون زواج دوِّروا لي على بابا اللي عاوزينه وأنا أتجوزه».

وكان الزواج الرابع؟

نعم من رجل الأعمال شريف الفضالي، إبن المليونير فتحي الفضالي الذي سُعدت بحبّ الأولاد له، وقد كنت أكبر منه وعشت معه 20 سنة.

أنت مطلّقة وأم لولدين، كيف تعاملت وشريف مع هذا الواقع؟

قلت له: «لو عايز تتجوزني خلّي والدك يطلب إيدي من والدتي». فقال لي: «حاضر»، قلت له: «قول لوالدك أنك رابع زوج لي»، قال لي: «حاضر».

اعتقدت أن والده سيرفض لكنّي فوجئت بأنه حضر وطلب يدي من والدتي لابنه.

هل كانت خياراتك لأزواجك تفرضها مقاييس الثراء؟

أبداً، كنت أتولى دائماً الإنفاق على نفسي وعلى البيت لأن دخلي كان كبيراً وكنت فخورة بنفسي، وكل ما كنت أتمناه أن أعيش في ظل رجل. يعني كان الزوج يدخل بيتي ويعيش فيه وعند الطلاق أقول له: شكراً.

لم آخذ مالاً من أزواجي لكنّي أخذت أعمارهم فلم يستطع أيّ منهم الزواج بعدي بأيّ امرأة في الدنيا.

هل كنت زوجة مثالية؟

كنت زوجة ألمانية من الفيوم، يعني شقراء و{خوجاية» ورقيقة شكلاً فحسب، لكن «دماغي» مثل أي امرأة فلاحة عادية، كانت الكلمات الحلوة في السينما فحسب، وفي البيت كنت أغسل وأطبخ وأمسح وأعدّ القهوة بيدي وأساعد زوجي في خلع حذائه.

المشكلة أن كل زوج كان يتصوّر أنه تزوّج مريم الفنانة السينمائية صاحبة «الشعر الحرير ع الخدود يهفهف ويرجع يطير»، لكنه لا يلبث أن يفاجأ بامرأة أخرى زوجة وأم.

هل تستطيع المرأة الاستغناء عن الرجل؟

نعم، «أنا زهقت من الرجالة».

هل فكرت في الزواج للمرة الخامسة؟

لا، أخذت نصيبي من الدنيا واكتفيت.

ما هي هواياتك؟

مطالعة الروايات البوليسية، كانت أمي تدفعني إلى قراءتها كي لا أقرأ كتب الحب، والسباحة التي كنت أمارسها في أحد النوادي، كذلك أعشق تربية الحمام.

ما هي فلسفتك في الحياة؟

البساطة.

إروي لنا موقفاً من ألبوم ذكرياتك.

عندما وصلت إلى بيروت في الستينيات هرباً من مصلحة الضرائب في مصر وكنت تائهة لا أدري الى أين أذهب أو بمن أتصل، فوجئت بأحد المعجبين يستقبلني في المطار ويسألني عن الجهة التي قد ينقلني إليها، فوجدت أن الفرصة سانحة لتوفير أجرة التاكسي، طلبت منه أن يأخذني إلى منطقة الروشة حيث توقفت أمام إحدى العمارات وسألت البواب عن شقة مفروشة فيها، ورجوته أن يستمهلني لدفع المبلغ إلى أن يتم تحويل المال إليّ من مصر، وكانت كذبة كبيرة لأحمي نفسي من الفضيحة.

back to top