خذ وخل : فتش عن البدون


نشر في 14-02-2010
آخر تحديث 14-02-2010 | 00:01
 سليمان الفهد * صار من الشائع المألوف نسبة أي بلية تحدث في الديرة إلى عباد الله «البدون»! فإذا اضطرب الجو، وساء الطقس فمرد ذلك «الطوز» الذي يكتم أنفاس البلاد والعباد هو: البدون، لأنهم يتنفسون قهرا: زفيرا وشهيقا، فيتكون غبار القهر وطوزه بكثافة عارمة! والسرقات تترى وتتنامى في كل حين ومكان من جراء بطالة «البدون»، وبسبب «جينات» الحرمنة واللصوصية التي تسكنهم وتحرضهم على الجنوح والسلب والنهب!

باختصار يمكننا استبدال العبارة التساؤلية الشهيرة: «فتش عن المرأة» بعبارة: «فتش عن البدون»! فعند حدوث الزحام المروري اليومي البغيض فتش عن البدون سببا لهذا الزحام، فضلا عن حوادث المرور! وكأن أصحاب هذه الفرضية العبقرية الفذة يوحون إلى أصحاب الشأن والقرار بأن تسفير البدون خارج الحدود هو الحل الأنجع لمشكلتهم ولمشاكل دولة الكويت وضواحيها! والحق أن العبد لله لا ينكر أن جماعة البدون فيهم العصاة الذين يقعون في الخطأ والخطيئة، لكن ليس من الحق والعدل وصفهم ووصمهم كافة بالخطاة المجرمين لمجرد أن بعضهم يزل ويكبو ويخطئ، ويمارس ممارسات رذيلة شتى! ذلك أن تعميم الصفات السلبية على الجماعة كلها مسألة مزاجية ليست من العلم في شيء، وحسبنا في هذا السياق التذكير بمقولة المثل الشعبي القائلة: «الخير يخص، والشر يعم».

وزمان، في الأيام الخوالي التي لم يظهر فيها هتاف «فتش عن البدون» كانت الجرائم آنذاك تنسب دوما إلى الأجانب الوافدين! أما الجرائم التي يرتكبها مواطنون درجة أولى ومتجذرون بالمواطنة «بالتأسيس» فيجري التعتيم عليها والإشارة إليها بحروف رمزية «تستر» الفاعل ولا تفضحه كما تفعل مع غيره من الأجانب! تداعت هذه الخواطر حول محنة البدون إلى ذهني وذاكرتي وأنا أتابع تداعيات ردود فعل قلة من الزملاء الكتّاب الصحافيين على وجود الزملاء العرب والبدون ضمن المراسلين البرلمانيين، على الرغم من أن الأخيرين يؤدون هذه المهمة بنجاح، أو على الأقل بمنأى عن الشكوى، طوال عشرات السنين الماضية.

إن ذريعة تكويت الصحافة التي يحتج بها البعض على حضور الزملاء الصحافيين العرب والبدون في الصحافة الكويتية، أحسبها: حق يراد به باطل! فقد بدأ التلويح بسيف التكويت الباتر وكأنه تهديد للزملاء الصحافيين البرلمانيين البدون جزاء وفاقا على حضورهم الوليمة التي أولمها أحد النواب داخل عقر مجلس الأمة، نكاية بخصمه الكاتب الصحافي، كما يخبر الجميع.

كم هو عجيب فضاء الاتصال في عالمنا اليوم الذي صار في مقدوره تحويل أمر عادي، وربما تافه، إلى خبر عاجل، كأن تقرأ عن «انقلاب عسكري في اليمن» يتصدر الصفحة الأولى لصحيفة الإثارة، وإذا قرأت تفاصيل الانقلاب اكتشفت أنه يتحدث عن سقوط جندي عسكري عن ظهر بغلته! ويبلع القارئ طعم الإثارة، ومن ثم يبلع ريقه ويسكت، لأنه ليس في مقدوره التأسي بجماعة «سينما أونطة هاتوا فلوسنا» حين يكتشفون أن الفيلم سيئ ولا يستأهل الفلوس التي صرفت عليه. ومن المسلمات، التي لا بد من مناقشتها مع هكذا معترضين، هي أن الصحافيين البدون ما اختيروا للعمل في جميع أقسام الصحافة الوطنية إلا لأنهم مبدعون في ممارستهم الصحافية المهنية، فضلا عن أنهم يقبلون بـ»المقسوم» الشهري الذي لا يضاهي مرتبات زملائهم المواطنين، وقد سبق لي مرارا وتكرارا القول إن بلادنا قد خسرت كثيرا حينما تراخت وترددت وعزفت عن تجنيس المبدعين البدون الذين ولدوا هنا وتعلموا في المدارس والجامعات من «كيس» الدولة الريعية، فاختطفتهم الدول الشقيقة الخليجية برحابة صدر يغبطون عليها!

back to top