كان والدي شارلي قاسياً جداً مايكل شابلن: مايكل جاكسون أحبّ طفلي جورج!
مايكل جاكسون: «مرحباً! هل يمكنني التحدّث إلى جورج؟ أنا مايكل جاكسون».مايكل شابلن: «جورج نائم. الساعة الآن الثالثة بعد منتصف الليل».
كان جورج في السابعة آنذاك. راح الده مايكل شابلن، ابن «الأسطورة» شارلي شابلن، يخبرني تفاصيل ما حدث في تلك الأيام، رغم أنه عجز عن إخفاء ذهوله لطول الوقت الذي أمضاه مايكل جاكسون في التحدّث مع جورج الصغير، حين عاود الاتصال به في ساعة ملائمة.كنا جالسين في منزل مايكل وباتريشا شابلن في سويسرا، الذي يزخر بمعالم الفن وصور الفنانين. يضع مايكل، الذي ذكرتني عيناه بعيني والده الشهيرتين، اللمسات الأخيرة على روايته بعد خمس سنوات من الكتابة والتنقيح. أما باتريشا فتستعد لمعرضها في باريس. يمتلئ منزلهما بلوحاتها الزاهية، التي تقر أنها تعيد رسمها مرةً تلو أخرى إلى أن تشعر أنها صارت ممتازة.تناولنا الطعام في المنزل. كان من المفترض أن يدور حوارنا حول «معرض شارلي شابلن». فمن المقرر أن يُعلن مايكل وأخته الممثلة جيرالدين وغيرهما من أعضاء العائلة تحويل منزل شارلي شابلن في سويسرا إلى متحف يُفتتح خلال سنتين أو ثلاث. يتوقف ذلك على السلطات السويسرية التي وافقت عليه بعد سبع سنوات تقريباً وبدأت بجمع الميزانية اللازمة.لم يفتح المنزل بعد أبوابه أمام العموم، لكنني حظيت بامتياز القيام بجولة خاصة داخله. وخلال بعد ظهر ذلك اليوم المميز، تحوّل الحديث فجأة ليتناول جاكسون. أخبرني الأخير ذات مرة أن حلمه الكبير إنتاج الأفلام، وقد وطّد علاقته بشارلي حين كانت مسيرته المهنية في أوجها. واعتاد زيارة قصره في سويسرا الذي طالما حلم بشرائه.بعد موت شارلي، لم يقطع جاكسون علاقته بهذه العائلة. حتى إنه عبّر عن رغبته في النوم بالمنزل الذي استضاف أبرز مشاهير عالم الأفلام. أخبرني مايكل: «قال لي جاكسون: لا يمكنني النوم بمفردي». نحو نهاية تسعينات القرن العشرين، اشتد هوسه بعائلة شابلن، إلا أنه لم يصب اهتمامه على شارلي شابلن، بل على حفيده، جورج الصغير اللطيف. خرجت باتريشا مسرعة من الغرفة لتعود حاملة معها صورة عائلية لآل شابلن مع جاكسون وجورج بالتأكيد. وتابع مايكل كلامه، مشيراً لأول مرة عن علاقة لصيقة جمعت آل شابلن بجاكسون. قال: «اشتاق جاكسون لجورج. وأخبرني أنه يريد إرسال طائرة خاصة لتقلّنا إلى نيفرلاند. لكننا شعرنا بالقلق، إذ حدث ذلك بعد عام 1993 وكانت آنذاك قضية تحرش جاكسون بالأولاد في أوجها. استغربنا ما كان يحدث. فما الذي يجعل شخصاً راشداً يمضي وقتاً طويلاً مع طفلنا جورج؟ لذلك لم ندع الأخير يغيب عن أنظارنا. حتى عندما كان يجلس مع جاكسون في غرفة أخرى، كنا نبقى في الجوار. وعندما سألنا جورج عمّا كان يدور بينه وبين جاكسون، أكّد لنا أن أمراً غريباً لم يحدث. تحدثا عن الفتيات فحسب... لذلك وافقت في النهاية على زيارتنا نيفرلاند، إلا أنني أصررت أن ندفع تكاليف الرحلة».وأضاف مايكل: «ناقشنا أنا وباتريشا ما حدث معنا خلال تلك الأيام الماضية الجميلة والغريبة في نيفرلاند. تكلمنا عن المسرح الخاص والقطارات... لكنني تفاجأت حين أخبرتني أنها اعتنت بولدَي جاكسون، برينس وباريس (قبل أن تنضم بلانكت إلى العائلة)».أخبرتني باتريشا: «صحيح أن المربية لم تفارقهما، غير أنهما كانا متعطشين إلى عطف الأم. حتى إنني شعرت أن جاكسون سيطلب مني الاعتناء بهما. برينس ولد ذكي. إلا أن عزلتهما عن العالم الخارجي أزعجتني. يحصلان على لائحة بالطعام يومياً ويُسألان عمّا يحبان تناوله. ولأن الموظفين في المزرعة مكسيكيون، ما كانت لائحة الطعام تضم إلا أطباقاً مكسيكية تقليدية. علاوة على ذلك، ما كان لديهما أي أصدقاء».تتابع: «رحت أقرأ لهما القصص، ففرحا جداً. وبدا لي أن أحداً لم يقرأ لهما قصة يوماً. وقد لاحظت أن جاكسون لا يقبل أي رأي مغاير لرأيه. مثلاً، طلب مني ذات يوم ألا أتابع قراءة قصة معينة، فخالفته الرأي. واتضح لي أنه غير معتاد على ذلك...».ما زالت باتريشا تذكر الجو الغريب الذي ساد نيفرلاند حين كانوا يهمّون بالمغادرة: «وقف الخدم والموظفون في الردهة بشكل رسمي كما لو أننا أسرة مالكة. وإلى جانبهم وقف برينس وباريس، وقد غمرهما الحزن بسبب رحيلنا. فجأة، عانقني برينس ونظر إلى عيني قائلاً: لا تنسي! فحيرتني كلماته هذه. ورحت أفكر فيها طوال رحلة العودة إلى أوروبا. ما هو هذا الأمر البالغ الأهمية الذي لم يردني برينس أن أنساه؟ ثم أدركت أنه قصد أن من الضروري ألا أنسى العودة إلى نيفرلاند لأنهي قصة بدأت بقراءتها لهما قبل مغادرتنا».فضلاً عن ذلك، أخبرني آل شابلن أن جاكسون شعر، على حد قوله، برابط قوي يجمعه بمايكل شابلن لأن كليهما لم يتمتعا بطفولتهما. فعلى غرار انطلاقة جاكسون في عالم الغناء في سن مبكرة، شارك شابلن في عدد من أفلام أبيه. كذلك أشار جاكسون إلى أنهما عانيا من قسوة والدهما.إذاً، كيف انتهت علاقة جاكسون اللصيقة بجورج شابلن؟أجابني مايكل شابلن: «توقف فجأة عن الاتصال بجورج. فراح ابني يسألنا: لماذا لم يعد يتصل بي؟ كان آنذاك طفلاً وشعر بحزن كبير. أما أنا فشعرت بالارتياح. مَن يدري؟ ربما عثر جاكسون على طفل آخر...».شفقةلاحظت أن شعور مايكل تجاه طفولته مختلف عن شعور جاكسون. فقد خلا حواره معي من أي شفقة على الذات. لكن روايته مليئة بالحزن، وذكرتني بعبارة «المهرج السعيد». فهو الابن البكر لأعظم ممثل فكاهي في عالم السينما وزوجته أونا، ابنة شخصية هوليوود الشهيرة يوجين أونيل. لذا طرحت عليه بعض الأسئلة:مثّلت في عدد من أفلام أبيك، هل أردت أن تمتهن التمثيل؟لا أعلم... لكن ذلك أتاح لي العمل مع والدي. كان يوجهني، ما ساعدني على تمضية وقت طويل معه. آنذاك ما كنت سأحظى به لولا عملي هذا. صحيح أنني مثلت لاحقاً في أفلام أخرى مع وارن بيتي وآخرين، لكن غايتي كانت آنذاك الحصول على المال فحسب. تتلاءم الكتابة أكثر مع شخصيتي.كتبت سيرتك الذاتية.نعم، لكنني لا أفخر بذلك. كتبتها لأنني كنت بحاجة إلى المال. فأي نوع من السير الذاتية يستطيع المرء كتابته وهو بعد في العشرين؟ أضع اليوم اللمسات الأخيرة على كتاب أشعر حقاً أنه جيد. إنها رواية تدور أحداثها في القرن الثاني عشر في جنوب فرنسا حيث نملك مزرعة. إنه مشروعي الكبير.انتهى المطاف بوالدك هنا في سويسرا بعدما اعتبره السيناتور الأميركي جوزف ماكارثي شيوعياً. أما زلت تذكر ما حدث؟نعم، كنت آنذاك في السادسة تقريباً. غادرنا الولايات المتحدة في رحلة عادية إلى الخارج. عندما كنا على متن المركب، وصلت والدي برقية ذُكر فيها أنه لا يمكنه العودة إلى الولايات المتحدة وأن تأشيرته لن تُجدَّد. كان مواطناً بريطانياً. ما الشعور الذي انتابك؟ لا بد من أنها كانت تجربة أليمة.لم أعلم ما كان يدور من حولي. ورفض والداي إخباري. شعرت أن ثمة خطب. فحين وصلنا إلى إنكلترا، أرسلاني إلى مدرسة هناك. لم أعرف لماذا لم نعد إلى الولايات المتحدة. لم يبقَ أبي معنا في تلك الفترة. وعلمت لاحقاً أنه كان يبحث عن منزل لنا. عثر على هذا المنزل الكبير (68800 متر مربع) في القسم الفرنسي من سويسرا، التي أعتقد أنه اختارها لأن شعبها يحترم المشاهير ولا يتطفّل على حياتهم الشخصية، أمر عنى الكثير بالنسبة إليه. إضافة إلى ذلك، لم تذعن السلطات السويسرية للجناح الأميركي المناهض للشيوعية.هل كان والدك شيوعياً؟لا. تحدّر من عائلة غجرية فقيرة، ومتواضعة. لذلك حين اشتهر وبدأ يجني أموالاً طائلة اعتنى بالفقراء. وربما راقت له طريقة منح السلطات الروسية الأولوية لحاجات الشعب الفقير بعد الثورة الروسية.هل تذكر تلك الفترة التي تلت منعه من العودة إلى الولايات المتحدة؟نعم. مررنا بمرحلة عصيبة. كنت صغيراً آنذاك، واشتقت لأصدقائي كثيراً، لا سيما أنني رحلت من دون توديعهم. فضلاً عن ذلك، كان جميع الأولاد في المدرسة بسويسرا يتكلمون الفرنسية، التي كنت أجهلها. لم أستطع فهم السبب الذي حال دون عودتنا إلى الوطن.هل قمت بزيارات كثيرة إلى الولايات المتحدة منذ ذلك الحين؟لا، خصوصاً بعدما فقدت جنسيتي الأميركية.ماذا؟صحيح أنني ولدت في الولايات المتحدة، لكن كان على المرء في تلك الفترة المطالبة بالجنسية ما إن يبلغ الـ 18. آنذاك قصدت السفارة الأميركية لأطالب بجواز سفري. وفي اليوم التالي، استُدعيت إلى الخدمة العسكرية في فيتنام.كان هذا تطوراً سريعاً.أنتِ محقة. يبدو أن عائلة والدي كانت على قائمة أولويات الحكومة الأميركية. رفضت الذهاب إلى فيتنام. نتيجة لذلك سُحبت مني الجنسية.أخبرتني زوجتك باتريشا أن زيارتها الأولى إلى سويسرا شكّلت لها صدمة. فقد قدمت أنت وهي وولداكما لتمضوا أسبوعين مع والدك ووالدتك الصارمين جداً.نعم، أذكر ذلك... تمتاز باتريشا بدفئها وعفويتها، فيما عاش أهلي مع 20 خادماً. كانت حياتهما فائقة التنظيم. لا تنسي أن والدي ربّى تسعة أولاد، لذا كان مضطراً إلى التمسك بصرامته. استصعبت باتريشا التأقلم مع رسميات يتبعها والدي، وشعرت أن والدتي قاسية ووالدي بارد المشاعر.قصة محرنة جداً. صحيح أنك ابن أكبر ممثل فكاهي في تاريخ السينما، لكن لا يبدو ذلك ممتعاً البتة.برع والدي في صناعة الأفلام، لذلك تمتع بأمور كثيرة لا تتوافر للآخرين. لكن شخصيته الحقيقية كانت مختلفة تماماً عن أدواره في الأفلام. كان قاسياً جداً. أحب الاعتزال مع عائلته وأصدقائه، لا سيما أنه فقد وطنه، ولا تنسي أنه غجري الأصل.قصر شارلي شابلنلم يشغل أحد هذا القصر الكبير منذ سبع سنوات. تبلغ مساحته 68800 متر مربع، ويقع في فيفي بسويسرا. يحيط به سياج عالٍ وبوابة حديدية ضخمة. وقد أحب شارلي شابلن اعتزاله في هذا المكان منذ عام 1953. تمنح الحديقة الكبيرة الزائر شعوراً بالطمأنينة الأزلية. عندما كان شارلي وأونا على قيد الحياة، توزعت في مختلف أرجاء الحديقة ورود حمراء زرعتها الزوجة، واعتاد الزوج أن يقطف شخصياً وردة لكل امرأة تزور منزله.كان شارلي يمضي معظم وقته في غرفة المكتبة. تقع غرف نوم آل شابلن في الطابق الثاني. ويتبع المنزل بتفاصيله كافة الطابع الهندسي الاستعماري، وقد استضاف مايكل جاكسون وصوفيا لورين وكثيرين غيرهم. يشبه القبو سجناً، ويذكر المطبخ بحفاوة كان يلقاها أولئك المشاهير. فهو يحتوي على عدد من الثلاجات ومكان مخصص للطبخ، يكفي لإطعام قرية بكاملها. باستثناء المطبخ، تشعر أن الغرف باردة وقاتمة، وقد ملأها الغبار إلى درجة أنني شعرت عند مغادرة المنزل أن رئتي تعطلتا. تشعر هنا لا محالة بوحدة تتغلغل بين الجدران. وتظن لوهلة أن طيف شارلي لا يزال يسكن المكان. توفي شابلن عام 1977 في غرفة نومه، وكانت عيناه شاخصتان نحو حديقته ومنظر البحيرة والجبل المذهل. طلبت السطات السويسرية من بعض أولاده الحفاظ على إرثه وارتباطه بسويسرا. فانتقل الابناء للعيش في القصر. لكن كلفة صيانة الحديقة الكبيرة والمنزل باتت مرتفعة جداً. لذلك ترك مايكل المفلس القصر قبل سبع سنوات، رغم أنه المكان الوحيد الذي اعتبره والده موطنه في الجزء الثاني من حياته.يشعر مايكل شابلن بأسى كبير، لكن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، يمكنه الافتخار بالنصر الذي حققه. فبفضل أحد معجبي والده، تحوّل القصر إلى مؤسسة شابلن التي يديرها مايكل وعدد من أولاده. وهم يخططون لافتتاح متحف هنا ليبث الحياة مجدداً في هذا المنزل الفارغ من خلال صور شارلي وأفلامه ومشيته الغنية عن التعريف.