وجهة نظر : قانون العمل الجديد 
بين مطرقة المجلس وسندان التنمية!


نشر في 15-11-2009
آخر تحديث 15-11-2009 | 00:00
 د. عباس المجرن يستعد مجلس الأمة هذا الأسبوع، أو هذا ما يُفترض، للبدء بالمداولة الثانية لمشروع قانون العمل في القطاع الأهلي الجديد الذي سيحل محل قانون العمل الحالي (قانون 38 لسنة 1964) الذي مضى على صدوره نحو 45 عاماً، والذي لم تعد تشريعاته ومواده تتناسب مع معطيات التطور الاقتصادي، إذ بات موضع انتقاد واعتراض من قِبَل منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية المحلية إضافة إلى محافل منظمة العمل الدولية، بل والعديد من البلدان التي يرتبط مواطنوها بعلاقات عمل مع مؤسسات وفعاليات القطاع الخاص أو الأهلي الكويتي.

وكان مجلس الأمة قد أنهى مداولته الأولى لمشروع القانون الجديد في جلسته الطارئة التي سبقت فض دور انعقاده الأول الشديد القصر قبل أن يشد النواب رحالهم استعداداً لإجازتهم الصيفية الطويلة، وذلك بعد أن وافق 41 نائباً واعترض 17، وامتنع نائب واحد عند التصويت على إنهاء المداولة.

ورغم أن عدداً لا بأس به من النواب لم يتوقف خلال تلك الإجازة عن التحدث أو التصريح أو التلميح أو التهديد أو التوعد بشأن العديد من الشؤون والشجون والمنغصات المهمة وغير المهمة، فإن أياً منهم لم يقل شيئاً مفيداً أو ذا قيمة، في ما يتعلق بهذا المشروع، أي قانون العمل الجديد، رغم عظم أهميته للاقتصاد الوطني، بل للبلاد ومكانتها الإقليمية والدولية كذلك.

لقد ضمن مشروع قانون العمل الجديد بالقطاع الأهلي للعاملين في هذا القطاع حزمة كبيرة من المزايا والحقوق، وأنصفهم من التعسف الذي كانوا عرضة له في العديد من مواقع العمل في ظل القانون الحالي. ولا جدال في أن هذه المزايا والحقوق التي أغدقها المشروع على العاملين قد لامست في عدد من الحالات سقف المطالبات النقابية، بل ومطالبات بعض النواب وخاصة مَن يربط منهم جودة أدائه بالرضا الآني للشارع، كما أن من شأنها أن تبعث على رضا معظم الهيئات السياسية الأجنبية المستاءة من أوضاع عمالتها في شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، بل والعاملين في المنازل، فضلاً عن رضا منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية، التي ستراقب بدقة مدى التزام الكويت بتطبيق مواد مشروع القانون هذا، متى ما أصبح قانوناً بعد أن يقره مجلس الأمة.

كل ذلك أمر يشعرنا والنواب والعاملين في القطاع الأهلي بالسعادة، ولكن ماذا عن أثر ارتفاع تكاليف عنصر العمل على المركز التنافسي للاقتصاد الكويتي، سواء على مستوى السوق الإقليمي أو الدولي، ومن ثم أثر ذلك على رغبة صاحب السمو في تحوُّل الكويت إلى مركز مالي إقليمي أو عالمي. إن زيادة أعباء وتكاليف عنصر العمل من شأنها أن تجعل المنتج المحلي، سواء كان سلعة أو خدمة، أقل قدرة على منافسة المنتجات غير الكويتية سواء في داخل البلاد أو خارجها، مما سيشكل عامل طرد جديد للمستثمرين من الكويت، إضافة إلى سلسلة عوامل الطرد التي تنوء بها من بيروقراطية كأْداءَ، إلى بنية تحتية قاصرة عن مواكبة التطور الاقتصادي والديموغرافي للبلاد.

ثم ماذا عن رضا الطرف الآخر، في عقد العمل، أي صاحب العمل تجاه الأعباء والقيود والتكاليف التي تلقيها حزمة المزايا والحقوق العمالية على عاتقه؟ بل ماذا عن رضا المستهلك الذي لابد أن تقع على عاتقه هو في نهاية المطاف التكاليف الإضافية التي يرتبها القانون على أصحاب العمل في صورة ارتفاع في أسعار السلع والخدمات؟ إن التضخم النقدي شر لابد منه في هذه الحالة، وقد تتمكن الدولة من التصدي له باستخدام أدواتها المتاحة، أو قد تضطر إلى رفع الرواتب والأجور في مواجهة ذلك، رغم أن رفع الرواتب والأجور لن يكون إلا بمنزلة صب للزيت على نار التضخم، ودخول الحلقة المفرغة لهذه المشكلة.

إن على عاتق السلطة التشريعية مهمةً تاريخية تتمثل في ضرورة دراسة ومراجعة وتنقيح مشروع القانون بما يتواءم مع مرحلة ومتطلبات التنمية الاقتصادية، وبما يتسق مع أهدافها، وفي مقدمتها تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وبما لا يتعارض مع الحقوق الأساسية الإنسانية للعامل، وبما يضمن جاذبية القطاع الأهلي للعمل، وخاصة بالنسبة للمواطنين إناثاً وذكوراً. 

back to top