لوليتا في طهران إلى العربيّة... الكتابة احتجاجاً على التوتاليتاريا

نشر في 08-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 08-06-2009 | 00:00
No Image Caption
تصدر عن «دار الجمل» قريباً الترجمة العربية لكتاب «لوليتا في طهران/ سيرة في كتاب» لآذر نفيسي ترجمة ريم قيس كبة. من العنوان يعرف القارئ مضمون الرواية، خصوصاً أن لوليتا باتت عنواناً في علم النفس بعدما حوّلها الروسي فلاديمير نابوكوف إلى بطلة، وصُوِّرت مراراً في إطار فيلم سينمائي. لكن وجودها في طهران يكسبها معنى آخر، لا سيما في ظل تنامي الخطاب الأصولي وحكم الرئيس أحمدي نجاد.

جاء في تقديم الكتاب الذي حصلت «الجريدة» على نسخة منه قبل طباعته، أن المؤلفة تقدّم لنا تجربتها الشخصية التي عاشتها طوال 18عاماً في إيران، حيث وُلدت ونشأَت وشبّت. ثم شاء القدر أن تغادر البلاد للدراسة، لتعود إليها فجر اندلاع الثورة الإسلامية الخمينية، فتكون واحدة من ملايين شهود العيان الذين عاصروا التغيير وانقلابات غيّرت خارطة مجتمع بأكمله.

في الكتاب (السيرة) نعلم أن المؤلفة جمعت سبعاً من طالباتها في الأدب الإنكليزي من فئات مختلفة، وراحت تحيي معهن لقاءً أسبوعياً، نهار كل خميس، يقرأن فيه روايات أجنبية ويناقشنها متوقفات عند محطات مهمة فيها وأحداث وشخصيات.

مانا، مهشيد، نسرين، ياشي، آزين، ميترا وساناز... هؤلاء الطالبات كن «بطلات» هذا المحترف، إضافة الى الكاتبة التي تختار الروايات وتوجّه فعل القراءة، ليتحوّل «المختبر» الى غرفة للفتيات يمارسن فيها القراءة بحرية تامة وبعيداً عن عيون «السلطة» وحراس الثورة. وفيها أيضاً يخلعن الحجاب والثياب الطويلة السوداء، ويظهرن في ملابس حديثة وملوّنة كـ{الجينز»، وبوجوه متبرّجة قليلاً.

لكن لماذا لوليتا في طهران؟ سؤال طرحته المؤلفة قبل القارئ، وأجابت بتأكيدها أنهن، أي نفيسي وطالباتها باعتبارهن يمثّلن إحدى شرائح المجتمع الإيراني، لسن لوليتا وأن نظام الحكم ليس همبرت (بروفيسور الأدب الذي أغوته لوليتا في رواية نابوكوف).

قدّمت نفيسي بعض التأملات الأصيلة عن رواياتها المفضلة، خصوصاً «لوليتا» لنابوكوف. وبالنسبة إلى معظم القراء فإن لوليتا، المرأة - الطفلة، هي ملاك - شيطان يغوي عمداً الرجل المضطرب همبرت. لكن نفيسي تنظر إليها كضحية مجتمع يحوّل النساء إلى أدوات للمتعة. وبالنسبة إليها فإن لوليتا تمثل رمزاً لتمرد لا مفر منه ضد المجتمع الأميركي ذي النزعة الاستهلاكية الطاغية والمادية.

لا يُراد من «لوليتا» الجديدة أن تشكل انتقاداً للجمهورية الإسلامية بحد ذاتها، لكنها موجهة ضد كل النظم التوتاليتارية بأطيافها وأبعادها المختلفة. غير أننا نجد الكاتبة في موضع آخر من الكتاب تعقد مقارنات واضحة بين الطالبات ولوليتا، فهن مثلها حاولن أن يهربن وأن يجدن مدى يمارسن فيه حريتهن ويغتنمن الفرص للتباهي بعصيانهن للنظام عبر إظهار بعض الخصل من شعرهن من وراء الحجاب ووضع ألوان خفيفة على وجوههن وإطالة أظافرهن، إضافة إلى استماعهن إلى الموسيقى المحرمة والممنوعة.

تنقل نفيسي صورة قاتمة عن المجتمع الإيراني في أوج الثورة التي قلبت حياة الإيرانيين رأساً على عقب، وحوّلته من مجتمع متحرر ومنفتح على الآخر، بصورة لا تخلو من التبعية والافتتان بالآخر، إلى مجتمع محافظ ومتزمت يفرض أنماطاً سلوكية محددة على المواطنين والمواطنات خصوصاً، ويفرض عقوبات رادعة ضد كل من تسول له نفسه مخالفة القوانين وتجاوز الأنظمة.

ومن الصّور الكارثية التي نقلتها نفيسي، تصويرها كيفية اعتقال الحرس الثوريّ الذّكور والإناث، في حال خروجهم معاً إلى الأماكن العامة، فتُعتقل الإناث ليُخضعن لاختبار «العذرية». وقد وصفت «إيران الخمينية» في كتابها، بأنها تشبه ممارسة الجنس، مع رجل مُشمَئَز منه. وهي التي رفضت ارتداء الحجاب الإيرانيّ و{الشادور»، ما سبّب لها، كأستاذة للأدب الإنكليزيّ، الطرد من جامعة طهران، فأصبحت تُدرِّس الأدب الإنكليزي لطلاّبها في بيتها، حيث تكوّنت أحداث «لوليتا في طهران»، والتي تُظهر فيها، كيف أنّ النساء الإيرانيات لا يخفن، أن تفلت خصلة من شعرهن خارج الحجاب، ما يؤدي بهُنَّ إلى الجلد والسجن، وربما الاغتصاب والموت.

بشاعة الحياة

صوّرت الكاتبة للقارئ مدى بشاعة أن يحيا المرء تحت أي نظام شمولي متعنت كالنظام القائم في إيران. فالحكومات التي تعتمد الصبغة الواحدة والصوت الواحد بالتأكيد لا تبدي اهتماماً لأي شكل من أشكال الحياة الحقيقية، ولا تُعنى بمشاعر الإنسان.

«لوليتا» كانت الرمز الذي عبّرت به نفيسي خلال الصفحات، وعند السطور وبين الكلمات. «لوليتا» لنابوكوف، واحدة روايات طوّعتها «نفيسي» لهدفها... إنها نموذج الطفلة الصغيرة التي تُمثل الحلم الشائك، والداء العُضال، الذي يُصاب به بعض الذكور وتظهر عليه أعراضه واضحة، فكلما تقدّم به العمر، زاد هاجس «لوليتا» في داخله وتفاقم صديده وفاحت رائحته. ذاك الحلم قد يتجسّد في دنيا «اليقظة»، «فيصحو» الذكر فجأة من سباته وبياته الشتوي، وهو يترنح في خريف العمر، ويهرع كثور مسّه جنون البقر، يسيل لعابه، وتضيع مداركه من شدة هوس محموم ينتابه.

تذكر نفيسي في كتابها أن سن زواج الفتاة في إيران صار بإمرة الملالي وأصحاب العمائم تسعة أعوام، بعدما كان في زمن الشاه 18 عاماً. وحاولت أن تجعل الفتيات شخصيات غير روائية طبعاً، مركزة على ملامحهن الحقيقية المتوارية خلف الحجاب وعلى سيرهن العابرة والحافلة بـ{المآسي» الشخصية الصغيرة واليومية، لتحظى كل واحدة بحياتها وزمنها وقضيتها. وما يقربهن من الشخصيات المبتدعة امتلاكهن حكايتين: واحدة واقعية وأخرى مختلقة. فـ{النظام حاول أن يمحو هوياتهن وسيرهن الخاصة. كان يصفهن بالنسوة المسلمات ويأسرهن بهذه الصفة».

تقول الكاتبة: «لم ألجأ الى تغيير الأحداث والوجوه إلا حرصاً مني على أصحابها بالدرجة الأولى، ولأجل حمايتهم. ولا أقصد هنا حمايتهم من عيني الرقيب فحسب، بل من عيون أولئك الناس الذين يسعون إلى قراءة القصص بحثاً عن معرفة من يكون فلان وماذا فعل لعلان، فيزدهرون ويملأون فراغاتهم النفسيّة بأسرار الآخرين. إن أحداث ومعطيات هذه القصة حقيقية الى أقصى مدى تستطيع أن تحمله الذاكرة من صدق، بيد أني بذلتُ قصارى جهدي لئلا أُسيءَ إلى أحد من أصدقائي أو طلابي، فرحتُ أطلق عليهم أسماء جديدة، وأمنح وجوههم أقنعةً تضللهم ربما حتى عن أنفسهم، ورحت أُغيّرُ وأستبدلُ تفاصيلهم الصغيرة، كيما تكون أسرارهم في أمان».

نجح كتاب آذر في أن يكون الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة لعامين، ويعتبر شهادة من إيران الداخلية تعطي فكرة عن الكثير مما قد يكون مبهماً أو غير معروف أصلاً، خصوصاً أن إيران اليوم أصبحت واقعة تحت دائرة الضوء.

نفيسي في سطور

كاتبة إيرانية وأستاذة في جامعة جونز هوبكنز. حصلت على زمالة من جامعة أوكسفورد. عملت في إيران كاستاذة للأدب الأنكليزي في جامعة طهران والجامعة الإسلامية المفتوحة وجامعة العلامة الطباطبائي. وقد فُصِلَتْ من جامعة طهران بسبب رفضها ارتداء الحجاب.

غادرتْ إيران الى الولايات المتحدة عام 1997. كتبَت مقالات كثيرة في الصحف مثل «نيويورك تايمز»، «واشنطن بوست»، «وول ستريت جورنال»، «نيويورك ريببلك»، وظهرَت في مقابلات وبرامج إذاعية وتلفزيونية عدة.

صدرت لها «خلافاً لتيرا» دراسة نقدية لروايات فلاديمير نابوكوف. وتعيش راهناً في واشنطن دي سي مع زوجها وولديها. 

back to top