خذ وخل: كاميرا و إحم ودستور!

نشر في 10-06-2009
آخر تحديث 10-06-2009 | 00:00
 سليمان الفهد • قلت بنفسي، وأنا أحاورها: لعلك تلاحظ بأن كاميرا "ساحة الإرادة" الأمنية تتسم بتقنيات سحرية، قادرة على تصوير ما يدور في وجدان وعقل كل نائب "من الجنسين"، وما يختلج فيها من نوايا نزقية تنحو صوب ممارسة رياضة دوري الاستجوابات البرلمانية! فهي كاميرا مدهشة ومعجزة، لم ترد على خيال وخاطر الروائي "جورج أرويل" مؤلف رواية "1984" المتمحورة حول الرقابة القمعية في الدولة البوليسية الشمولية!

ولست هنا بمعرض التقليل من مغبة كاميرات التجسس، واقتحامها الحياة الخاصة للنواب والشعب سواء. غاية ما هنالك هو: ظني بأن كاميرا الإرادة حاضرة في جل الدول الأوروبية والمدن الأميركية وغيرهما، ولا يمكن أن يكون حضورها جوار البرلمان محورا أساسيا لاستجواب يستهدف وزارة الداخلية ووزيرها! اللهم إلا إذا كان مولى الاستجواب بحوزته أدلة مادية تدلل على ارتكاب فعلة التجسس والبصبصة! وفي هذا السياق نذكر كيف أن مخبرين صحافيين مبتدئين تمكنا من فضح سوءة "الووترغيت" التي أطاحت بالرئيس "نيكسون" كما هو معروف!

وهكذا نجد أن الخبر والمخبر الصحافيين هما اللذان أحالا رئيس الجمهورية بجلالة قدره إلى الاستيداع ومتحف الشمع "توسو" بلندن!

ولنفترض جدلا، أن وزارة الداخلية شاءت ارتكاب فعلة التجسس، فهل تفعلها جهارا نهارا، في الوقت الذي بمقدورها أن تفعلها بتقنيات تجسسية متطورة جدا، تباع في بازار وسوق "الأحد" في مدينة "نيويورك" وطوكيو وهونغ كونغ وربما في "سوق واجف"! فهي متاحة لكل من يملك شرواها!

• إن محور الكاميرات في الاستجواب إياه، متهافف وضعيف، وينطوي على تعسف طافح بالعجالة المعجونة بالكيد والمشاعر السلبية الشخصانية! تصور- وبالألوان إذا بغيت- أن العبد لله هو القيم على كاميرات ساحة الإرادة، وجد نفسه يجابه المسألة بشأن حضورها الموصوف آنفا، سأهرش مخي، وأمسد لحيتي، ثم أزأر في أذني المستجوب قائلا: يا واش يا واش! حنانيك يا أخا النفط! لا تغضب فيدفعك ذلك إلى الاستجواب الجاهز! إحنا الكاميرا الخفية "صادوه"! نزيع أم نزوع أم ماذا؟ ولأن الجواب- بالضرورة- سيخرج من رحم "ماذا" هذه، قل على كاميرا ساحة الإرادة: "إحم" لتتواءم مع القولة الشائعة "لا إحم ولا دستور!" التي تستأهل ذكر أصلها ومنبتها.

يروي الأديب الباحث "بو علي ياسين" في كتابه "شمسات شباطية" أن الناس في عهد الملك فؤاد المستبد، وإبان القبضة الحديدية لحكومة إسماعيل صدقي باشا، كان الناس لا يجرؤون على التحدث جهرا في الأماكن العامة في الأمور السياسية، لكنهم يفعلونها في المساجد بعد الصلاة، والمجالس الخاصة والمقاهي، وإذا شعر أحدهم بوجود مخبر يتجسس عليهم قالوا "إحم" بصوت عال فيسكت الناس فورا عن الكلام غير المباح!

وفطنت الحكومة إلى هذه الحيلة "إحم" ما غيرها! فكانت تقبض و"تكلبش" كل من يقول "إحم" فقال أحدهم غاضبا: يعني "لا إحم ولا دستور" ومن هنا صارت العبارة مثلا وقولا مأثوراً! ولحسن حظنا أن حكومتنا الرشيدة لم تمنعنا من قولة "إحم" و"دستور" ولله الحمد! لكن البعض يفضلون خيار الاستجواب الجاهز على قولة "إحم" كلما دست الكاميرا أنفها في حرم المجلس، حسب الزعم الوارد في استجواب الكاميرا العلنية لا الخفية!

وأعتقد- جازما- بأنه آن الأوان لمجابهة الحكومة الرشيدة للاستجواب، وعدم الهروب منه بأي ذريعة كانت، لأن هذا المنحى يخصم من رصيدها الشعبي! لتثبت للمواطنين وممثليهم على الأقل ليست من فصيلة حكومات "إحم" بل "أقلط" للاستجواب!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top