إجماع أم خلاف حول أفغانستان؟

نشر في 20-01-2010
آخر تحديث 20-01-2010 | 00:01
من وجهة النظر العسكرية، تشكّل هزيمة "طالبان" في هلمند عاملاً جوهرياً لاستئصال الحركة من قندهار، لكن بالنسبة إلى المشككين، فقد يبدو شن حملة واسعة في وادٍ ريفي كأنه عملية طموحة بشكل مبالغ فيه لمكافحة التمرد.
 لوس أنجلس تايمز حين أعلن الرئيس أوباما اعتماد استراتيجية جديدة في أفغانستان، الشهر الماضي، كان يُفترض أن يضع قراره هذا حدّاً للجدل المحتدم داخل إدارته حول كيفية خوض الحرب، لكنّ ذلك لم يحدث.

أجاب أوباما عن مسألة عدد القوات العسكرية الإضافية التي ستلتزم الولايات المتحدة بإرسالها إلى الحرب هذا العام، يبلغ هذا العدد 30 ألف جندي، لكن لايزال الجدل قائماً بين المدنيين في البيت الأبيض والخبراء الاستراتيجيين في البنتاغون حول جميع المسائل الأخرى تقريباً.

في هذا السياق، يقول أوباما إنه سيأمر بعودة بعض القوات العسكرية في يوليو 2011. في المقابل، يرى وزير الدفاع روبرت م. غيتس، أن الانسحاب سيكون متواضعاً وقابلاً للتأجيل. يقول أوباما إننا لن نُقدم على بناء هوية موحدة للبلاد، في حين يؤكد الجنرال دافيد هـ. بيتريوس أن الأمر لا مفر منه. يعتبر نائب الرئيس جو بايدن من جهته أن الاستراتيجية لا تهدف إلى مكافحة التمرد، في حين يصرّ الجنرالات على أن مكافحة التمرد هو ما يفعلونه تماماً.

حتى أقل جزء مثير للجدل في خطة أوباما- أي تسريع عملية نشر القوات العسكرية- طالتها الانتقادات. لقد تأجل تنفيذ عملية إرسال 30 ألف جندي جديد إلى منطقة الحرب، بحلول منتصف عام 2010، لشهرين على الأقل، ما أثار سخط بعض معاوني أوباما، مع أن مصادر في البنتاغون تقلل من أهمية الأمر لأن معظم الجنود سيصلون بحلول شهر يوليو.

يصر المسؤولون في الإدارة الأميركية على أن هذه المواقف لا تعبر عن أي ارتباك، بل مجرد اختلاف في وجهات النظر، وفي هذا السياق، قال أحد المعاونين في البيت الأبيض، وقد تكلم شرط عدم الإفصاح عن هويته: «لا عجب في أن تختلف وجهات النظر عند وضع سياسة معينة. أظن أن الجميع هم على الموجة نفسها».

لكن الوضع لا يدل على أي تناغم بين الأطراف، وقد تؤدي الاختلافات المستمرة إلى زيادة حدة المشاكل أمام الرئيس ومعاونيه المدنيين والجيش، حتى قبل جلسة المراجعة الأولى التي ستحدد نسبة نجاح الخطة الجديدة، في نهاية هذا العام.

إذا تابع المسؤولون المدنيون والضباط العسكريون وصف الاستراتيجية بطرق مختلفة، فقد تشعر القوات الأميركية والحليفة التي يُفترض أن تخوض المعارك بالارتباك، وإذا كانت القيادة العسكرية والبيت الأبيض يواجهان اختلافاً أكبر حول الأهداف المرجوة، فقد يؤدي ذلك إلى صدام خطير بين المدنيين والعسكريين حين تدعو الحاجة إلى اتخاذ قرارات مهمة.

تمحورت الجولة الأخيرة من الجدل حول سرعة البنتاغون في نشر قوات عسكرية إضافية. في الشهر الماضي، أعلن أوباما أن القوات العسكرية ستأخذ مواقعها بحلول منتصف هذا العام. اعتبر المعاونون في البيت الأبيض هذا الخبر مؤشراً على جدية الرئيس في تنفيذ المهمة بسرعة، لذا شعروا بالقلق حين قال المخططون العسكريون إنهم لا يستطيعون الالتزام بالمهلة المحددة، فهل عمد البنتاغون إلى الإشادة بقرار الرئيس علناً ليعود ويتهرب من تنفيذ أوامره وراء الكواليس؟ لا تحمل التفاصيل أهمية كبرى بقدر احتمال فقدان الثقة بين معاوني الرئيس والقيادة العسكرية.

يرى الطرفان أن الجدل انتهى الآن، لكنه كان في الواقع مجرد لمحة بسيطة عن الجدل الذي سيحصل حول توقيت بدء انسحاب القوات الأميركية.

وصف أوباما ومعاونوه تاريخ يوليو 2011 بنقطة التحول المهمة: بحلول ذلك الوقت، سيبدأ عدد القوات الأميركية (الذي سيفوق 100 ألف عنصر الآن) بالتناقص، ووعد بايدن، أبرز من عبّر عن رفضه للحرب، بأن تكون نسبة الانسحاب «هائلة».

لكن لن يكون الوضع كذلك بحسب البنتاغون. قال غيتس إن الانسحاب سيحصل تدريجياً، حتى أنه ذكر احتمال عدم بدء الانسحاب في منتصف عام 2011 على الإطلاق: «للرئيس حرية دائمة بتعديل قراراته».

نظرياً، كان يُفترض أن يجمّد قرار أوباما الجدل القائم حول هذه المسألة طوال 12 شهراً، فقد أعطى الرئيس جنرالاته عاماً كاملاً لرؤية ما يستطيعون فعله بالقوات الإضافية، لكنه أمّن لنفسه مخرجاً في حال لم نشهد أي تقدم ملموس في المعركة هذا العام، ويعلم الجنرالات ذلك جيداً.

لذا سيتركز الجدل المقبل على الأرجح على طريقة الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأميركية والحليفة في أفغانستان، في تحديد مهمته والمكان الذي سيركز فيه عمل قواته.

حاول المسؤولون في البيت الأبيض، بدءاً من أوباما وبايدن، منع استعمال عبارات تعبر عن طموح مفرط، مثل «هزم حركة طالبان» و»مكافحة التمرد»، في المصطلحات العسكرية. لا شك أن الهدف من ذلك هو سياسي جزئياً، لإخماد قلق الديمقراطيين وطمأنتهم إلى أن أوباما لا يدخل في التزام مفتوح الأجل، لكن أبدى الجنرالات اعتراضهم على ذلك لأسباب عملية: من دون هذه الكلمات، لن يتمكنوا من تفسير المهمة للجنود.

سنواجه اختباراً أصعب حين يسعى ماكريستال إلى الحصول على الموافقة لشن حملة واسعة في وادي نهر هلمند، وهو معقل لـ»طالبان» في غرب قندهار، ثاني أكبر مدينة في أفغانستان.

روّجت بعض عناصر الجيش لاحتمال شن هجوم في هلمند باعتباره «مشروعاً دلالياً»، أي تجربة للتأكيد على احتمال نجاح خطة ماكريستال، تماماً كما ساهم النجاح العسكري في محافظة الأنبار العراقية، عام 2007، في تعزيز الثقة بتلك الحرب. وفقاً للبعض، إذا نجحت القوات الأميركية في هزيمة «طالبان» في هلمند، فسيتمكن ماكريستال من التأكيد على نجاح خطته (خلال جلسة المراجعة التي ستحصل في أواخر عام 2010).

لكن يجب أن يقنع ماكريستال البيت الأبيض بفكرته أولاً. وافق أوباما على استراتيجية تركّز على حماية مراكز التجمعات السكنية في البلاد، وتُعتبر هلمند منطقة ريفية في معظمها. من وجهة النظر العسكرية، تشكّل هزيمة «طالبان» في هلمند عاملاً جوهرياً لاستئصال الحركة من قندهار، لكن بالنسبة إلى المشككين، فقد يبدو شن حملة واسعة في وادٍ ريفي كأنه عملية طموحة بشكل مبالغ فيه لمكافحة التمرد.

وفقاً للمعاونين، بدأ أوباما يضطلع بدور أكثر فاعلية في اتخاذ القرارات بشأن أفغانستان بعد أن أخذ وقتاً طويلاً لتحديد استراتيجية مناسبة. من الآن فصاعداً، سيصل تقرير ماكريستال الأسبوعي حول التقدم الحاصل إلى الرئيس مباشرةً، وهو أمر ما كان يحصل في العام الماضي. بالتالي، سيكون أوباما مسؤولاً عن هذا القرار أيضاً.

من المفيد طبعاً التناقش حول أهداف الحرب والاستراتيجية المعتمدة، لكن السبب الذي دفع أوباما إلى تكثيف المداولات في السنة الماضية وجعل البلاد تترقب صدور قراره بعد طول انتظار، هو التوصل إلى إجماع حول خطة منطقية. بعد أن توصل إلى واحدة الآن، يجب أن يرى ما إذا كان معاونوه سيوافقون على معنى الخطة، وبالتالي إعطاء ماكريستال فرصة إنجاح الخطة من دون التعرض للانتقاد خلال سير عملية التنفيذ.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus

back to top