خفايا وملابسات اعتقال ريغي بين باكستان وإيران
رغم أن وزير الاستخبارات الإيرانية حيدر مصلحي وصف اعتقال زعيم «حركة مقاومة الشعب الإيراني» (جندالله سابقاً) عبدالملك ريغي، بأنه عملية كبرى ذات أبعاد استراتيجية، نفذها جنود «إمام الزمان» المجهولون، وقدَّم رواية شبه بوليسية، على غرار أفلام جيمس بوند، عن ملابسات وخفايا اعتقال ريغي، فإن مصادر مطلعة في طهران ومدينة كويتا الباكستانية أكدت أن القضية لا تعدو كونها عملية بسيطة اعتَقل خلالها رجال الاستخبارات الباكستانية (أس. أس. آي) ريغي خارج مدينة بيشاور، أثناء توجهه برفقة عدد من أفراد عشيرته نحو المناطق الحدودية في بلوشستان الباكستانية.وأشار العميد محمد رضا مدحي، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري، إلى أن الاستخبارات الباكستانية دخلت في صفقة مع نظيرتها الإيرانية كان تسليم ريغي بندها الأساسي.
وذكرت مصادر مطلعة أن «عجز النظام عن مواجهة حملات مجموعة ريغي، لاسيما الهجوم الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 80 شخصاً، بينهم مساعد قائد الحرس اللواء شوشتري وقائد منطقة خراسان وبلوشستان وثلاثون من ضباط الحرس والأمن جنوب بلوشستان، أثار انتقادات حادة بشأن أداء وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس في لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية في البرلمان وشخص المرشد الذي أمهل وزارة الاستخبارات بضعة أشهر للقضاء على ريغي والتمرد البلوشي».وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية جنّدت للبحث عن ريغي عشرات من عملائها، بينهم مواطنون من باكستان والدول العربية وبعض عناصر «القاعدة» ممن تقيم أسرهم في إيران، وحددت 10 ملايين دولار لرأسه و20 مليوناً لاعتقاله حياً. ووعد وزير الداخلية الإيراني العميد مصطفى نجار نظيره الباكستاني خلال لقائهما الأخير، بتقديم مساعدات نقدية تتجاوز 100 مليون دولار، فضلاً عن مكافأة نقدية لحرس الحدود الباكستاني مقابل القبض على ريغي ومساعده «ناروئي»، علماً أن أجهزة الأمن الباكستانية سبق أن سلمت شقيق عبدالملك إلى إيران مقابل استرداد ثلاثة من المتمردين البلوش الباكستانيين الموجودين في الأراضي الإيرانية.وكان الجانب الباكستاني، كلما زار مسؤول أمني إيراني باكستان مثيراً موضوع ريغي وسبل اعتقاله، طالَبَ بتوقف إيران عن دعم الانفصاليين البلوش في باكستان، علماً أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري تبنى موقفاً متعاطفاً مع انفصاليي البلوش في باكستان منذ أوائل التسعينيات في القرن الماضي.وتوقف «الفيلق» عن مساندة متمردي البلوش وراء الحدود مادياً وتسليحياً منذ أواسط العام الماضي عقب تسليم شقيق عبدالملك إلى إيران من قِبَل الاستخبارات العسكرية الباكستانية.وكشف أحد أقارب عبدالملك ريغي، ويُدعى أمان الله خان، عن مفاوضات سرية بين عبدالملك وقائد فيلق القدس العميد قاسم سليماني بعد عملية جنوب بلوشستان الانتحارية ضد كبار ضباط الحرس، بواسطة برنامج skype. وأسفرت هذه الاتصالات عن مباحثات جدية بين بعض مساعدي ريغي ومستشاريه مع وفد إيراني رفيع كان يضم مدير عام وزارة الاستخبارات لشؤون الأمن، ونائب قائد استخبارات الحرس، وممثل وزير الداخلية، وثلاثة من رجال «وحدة التصفيات»، علماً أن أعضاء هذه الوحدة كانوا ضالعين في اغتيال عدد من قادة المعارضة في الخارج، مثل رئيس وزراء إيران قبل الثورة د. شهبور بختيار في باريس، والقائد الكردي عبدالرحمن قاسملو، وخليفته د. شرفكندي في فيينا وبرلين. وجرت المفاوضات في بيت آمن للاستخبارات العسكرية الباكستانية في بيشاور، غير أن غياب عبدالملك نفسه أسفر عن توقف المفاوضات وعودة الوفد الإيراني إلى إيران.وعُقدت جولة جديدة من المفاوضات بين نهاية شهر نوفمبر وبداية ديسمبر في باكستان، وحضر عبدالملك مع عدد من حراسه بضمان القائد العسكري لمنطقة بيشاور، جانباً من هذه المفاوضات التي استغرقت ثلاثة أيام، وقد عاد الوفد الإيراني إلى بلاده للتشاور.وحسب أمان الله خان، الذي يقيم في باكستان، فإن تحركات ريغي بعد المفاوضات كانت تُرصَد من قِبَل الاستخبارات الإيرانية عبر بعض العملاء.ورفض أمان الله خان الإدلاء بالمزيد من المعلومات بشأن هؤلاء العملاء، غير أنه أوضح أن محاولة «وحدة التصفيات» التابعة لاستخبارات الحرس خطْفَ ريغي أو قتله، بعد أيام من انتهاء المباحثات، والتي أفشلتها الاستخبارات الباكستانية باعتقال عناصر الحرس المتوغلين في باكستان، تسببت في تغيير زعيم حركة «مقاومة الشعب الإيراني» لتحركاته واتخاذه جانب الحيطة والحذر. وختم خان حديثه قائلاً: إن «عبدالملك لم يُخطَف، ورواية وزير الاستخبارات الإيرانية عن طريقة اعتقاله مفبركة ولا صحة لها، إذ إن عبدالملك لم يكن يسافر بالطائرات، لاسيما تلك التي تدخل سماء إيران».إلى ذلك، فإن صورة التأشيرة التي استند إليها وزير الاستخبارات الإيراني باعتبارها تأشيرة صادرة لمساعد عبدالملك من قِبَل سلطات إمارة دبي، قد انقضى تاريخها في ديسمبر الماضي، وهو ما يؤكد كذب مزاعم حيدر مصلحي بشأن سفر ريغي ومساعده إلى دبي.من جانب آخر، أعلنت حركة «مقاومة الشعب الإيراني» (جند الله) في بيان صادر بعد ساعات من حديث مصلحي لوسائل الإعلام، أن اعتقال عبدالملك تم ضمن صفقة، كانت الاستخبارات الأفغانية والأميركية والباكستانية متواطئة فيها.وحذّر البيان السلطات الإيرانية من مغبة سوء معاملة قائد «جند الله»، قائلاً: «بلوشستان تحولت كلها إلى عبدالملك، ورغم أن النظام الإيراني اعتَقل ريغي، فإن أبناء بلوشستان والطائفة السُّنِّية في إيران يسلكون منهج ريغي، إذ إنه ليس فقط قائداً لحركة مقاومة الشعب الإيراني، بل هو فكر ونهج وحلم».