تركيا والدور الضرورة

نشر في 18-06-2010 | 00:01
آخر تحديث 18-06-2010 | 00:01
الدور التركي هو ضرورة، وربما تكون خطوة اعتقال أحد المشاركين باغتيال المبحوح أيضا ضرورة، لكبح جماح إسرائيل وجرها للتفاوض بعقلانية على تفاصيل الأجندة الأميركية، ولقطع الطريق على العالمين العربي والإسلامي حتى لا يضغطا على حكوماتهما لدعم إيران، أو على الأقل التعاطف معها، كما حصل في لبنان الدولة العضو في مجلس الأمن كممثل للمجموعة العربية.
 مسعود محمد للكلام عن دور تركيا الجديد لا بد من العودة للوراء إلى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي أسفرت عن قدوم نوع جديد من السياسة التي تنتهجها القيادة الإسرائيلية الجديدة، وهو النهج الذي أسس له شارون، هو نهج الجدار العازل، ويهودية الدولة والهوية، عبر ترانسفير جديد يطول عرب الـ48، وبنفس هذا السياق كان الرد الإسرائيلي القاسي عام 2006 على خطف الجنديين في لبنان، والحرب على غزة، وما حدث أخيرا من قرصنة بحرية في المياه الدولية على "أسطول الحرية" الذي كان يضم ناشطين من 32 بلدا وإعلانها المتكرر أنها ستضرب إيران عسكريا لتدمير مشروعها النووي.

لوحظ في الفترة الأخيرة ظهور بوادر تشير إلى رغبة أميركية في تغيير شكل العلاقة مع إسرائيل، للدفع باتجاه السياسات الأميركية الجديدة في عهد أوباما، حيث يمكن تلخيصها بجملة واحدة، هي "علاقات أفضل مع العالمين العربي والإسلامي"، فوضع أوباما أجندة لحلحلة القضايا الساخنة بالمنطقة نلخصها في ما يلي:

على صعيد العراق ترغب في إنهاء الحرب والانسحاب بموجب الاتفاقية الأمنية الموقعة مع الحكومة العراقية، ونقل جميع السلطات إلى الحكومة العراقية المنتخبة.

وفي أفغانستان التركيز على قتال "القاعدة" وحلفائها وتشكيل شراكات تهدف إلى عزل التطرف، ومحاربة الفساد، وتعزيز الحكم والتنمية، وكل ما يحسن الحياة اليومية للناس العاديين ويقوض القوى التي تغذي التطرف.

الأمن العالمي هم من هموم الإدارة الأميركية وهم يعملون لمنع حصول الإرهابيين على أسلحة أو مواد نووية، فاستضافت أميركا قمة الأمن النووي، حيث انضمت 46 دولة إلى هدف تأمين السلامة النووية المعرضة للأخطار في العالم خلال أربع سنوات.

وضع الرئيس الأميركي الشرق الأوسط في قلب اهتماماته في أثناء خطابه في القاهرة، فقال "إنه سيدعم حكومات تعكس إرادة الشعب، لذلك أبقى الإصلاح السياسي، والحكم الفعال والمسؤولية عناصر جوهرية لرؤيته المستقبلية في الشرق الأوسط وحول العالم تلك الرؤية التي ترتكز على هدفين: منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية ووسائل إطلاقها، وبناء سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين كجزء من سلام شامل للمنطقة عبر تحقيق حل الدولتين، أي دولة إسرائيل اليهودية الآمنة، مع دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على حدود عام 1967.

من المؤكد أنه ليس جميع اليهود الأميركيين جزءا من اللوبي الإسرائيلي، ولكن بمعزل عن هذه الاختلافات بين المتشددين والمعتدلين، فإنهم جميعا يتفقون على ترسيخ الدعم الأميركي لإسرائيل، ويؤمن هؤلاء جميعا أن بعث إسرائيل هو جزء من نبوءة الكتاب المقدس، وبالتالي فإن أي تصد لها هو معارضة رغبة الله. يركز اللوبي الإسرائيلي على دوام الصورة الإيجابية لإسرائيل لدى الرأي العام.

من الواضح مما سبق أن هناك تطورا طرأ على العلاقات الإسرائيلية الأميركية، إلا أن تلك التطورات لم ولا تعني تخلي أميركا عن دعم وحماية إسرائيل، فالرئيس الأميركي أوباما قال بوضوح في خطابه بالقاهرة "دولة إسرائيل لن تزول" إلا أن الولايات المتحدة تعلم تماما أنها إذا لم تكبح جماح إسرائيل، فإن الرأي العام العربي والإسلامي سيطالب حكوماته تحت ضغط الغضب الشعبي والانفعال بدعم إيران وأتباعها في المنطقة من "حزب الله" إلى "حماس".

من هنا تأتي الحاجة إلى الدور التركي الذي رغم كل عفويته التي ظهرت منذ "دافوس"، فهو ليس إلا دورا مرسوما بعناية للقفز إلى واجهة العالم الإسلامي ولعب دور الجسر بين الشرق والغرب.

تركيا الدولة الإسلامية ذات التاريخ العثماني العريق، الحاضر بقوة في العالمين العربي والإسلامي، حيث الحنين للسلطان عبدالحميد ورفضه بيع القدس وفلسطين، العضو المؤسس في منظمة التعاون الاقتصادي والعضو المؤسس في مجموعة البحر الأسود الاقتصادية.

استبقت تركيا هذا الدور بمجموعة من التحضيرات التي تريح ساحتها الداخلية لتكون متفرغة لهذا الدور، فعملت على تصفير مشاكلها الدبلوماسية العالقة، التي تمهد الطريق أمامها للعمل على الملفات الإقليمية الساخنة، حتى لا تعمل من داخل بيت من زجاج.

 وأبرز الملفات التي عملت تركيا على تصفيتها كانت الإعلان الذي صدر عن وزارة الخارجية التركية في أبريل 2009 حول التوصل إلى خارطة طريق مع أرمينيا لتطبيع العلاقات الثنائية فيما بينهما، وتحريك المسألة الكردية بهدوء، والسماح بإطلاق قناة تلفزيونية كردية وكسر كل المحرمات التي كانت تتعلق باللغة الكردية، واستقبال رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني بصفته كرئيس للإقليم كأول مرة مما يشير إلى نوع من اعتراف ضمني بالكيان الكردي ونموذجه لحل القضية الكردية، ورعاية المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسورية، والدخول بقوة على الأزمة النووية الإيرانية وطرح حل تبادل اليورانيوم على الأراضي التركية بالشراكة مع البرازيل.

الدور التركي هو ضرورة، وربما تكون خطوة اعتقال أحد المشاركين باغتيال المبحوح أيضا ضرورة، لكبح جماح إسرائيل وجرها للتفاوض بعقلانية على تفاصيل الأجندة الأميركية، ولقطع الطريق على العالمين العربي والإسلامي حتى لا يضغطا على حكوماتهما لدعم إيران، أو على الأقل التعاطف معها، كما حصل في لبنان الدولة العضو في مجلس الأمن كممثل للمجموعة العربية، وهو ضرورة حتى لا يكون كل جندي أميركي هدفا للمتطرفين في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

فأميركا التي ترى إسرائيل لأول مرة عائقا وإزعاجا استراتيجيا يؤثر في أمنها القومي وخططها للمنطقة، ومشاغبا ومهددا للأمن والاستقرار في المنطقة، وعنصرا دافعا لإيران لامتلاك السلاح النووي، بحاجة لتركيا عضو حلف الشمال الأطلسي، ذات العلاقات القديمة مع إسرائيل، ببعدها العثماني الإسلامي لخلق توازن محسوب مع إسرائيل لمصلحتها.

 فأولا وآخرا رغم دماء الشهداء الذين سقطوا في مرمرة "إسرائيل وجدت لتبقى" وأميركا تتدخل مباشرة عبر حليفتها تركيا لإنجاز الأجندة التالية:

حماية أمن إسرائيل وتسويق فكرة الدولتين لإبعاد العرب عن الصراع العربي الإسرائيلي وتوجيههم نحو الصراع مع إيران، وسحب السباق النووي من الشرق الأوسط، وعلى العرب الخروج من الأوهام ولعبة رفع الصور حسب المسلسل وحسب البطولة والالتفات إلى مصالحهم التي يكون بداية ضمانها المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، والكلام بلغة عربية لا لبث فيها.

* كاتب لبناني

back to top