ما قل ودل: ملاءمات دستورية حول الاستجوابات الثلاثة

نشر في 14-12-2009
آخر تحديث 14-12-2009 | 00:00
 المستشار شفيق إمام أثار دهشتي ودهشة البعض، تقديم ثلاثة استجوابات إلى ثلاثة من الوزراء، بعد أن قدم الاستجواب الموجه من النائب فيصل المسلم إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، وقد ضاعف من هذه الدهشة مناقشة الاستجوابات الثلاثة بعد تقديم اقتراح بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، من عشرة نواب إثر مناقشة الاستجواب الموجه إلى سموه.

ومصدر هذه الدهشة ما تنص عليه المادة 102 من الدستور من أنه إذا رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.

فالملاءمات الدستورية كانت تقتضي، بعد تقديم استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء، أن يتريث النواب الذين قدموا استجواباتهم إلى الوزراء الثلاثة، حتى ينتهي مجلس الأمة من نظر الاستجواب الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء ومناقشته وإصدار قراره فيه.

والملاءمات الدستورية كانت تقتضي أيضاً، بعد تقديم الاقتراح بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، أن تعلق مناقشة الاستجوابات الثلاثة المقدمة إلى الوزراء الثلاثة حتى يبت مجلس الأمة في الاقتراح السالف الذكر.

وفي رأيي أن هذه الملاءمات الدستورية تكاد ترقى إلى أن تكون أحكاماً دستورية ملزمة، بسبب ما قد يتخلف عن إعفاء رئيس مجلس الوزراء من منصبه وتشكيل وزارة جديدة، من بقاء قائمة الاتهامات التي تضمنتها الاستجوابات المقدمة إلى الوزراء عالقة بالثوب الأبيض للوزراء الثلاثة، دون أن يصدر مجلس الأمة قراراً فيها.

والأصل هو افتراض البراءة في الإنسان، وهي قرينة قررها الدستور فيما نصت عليه المادة 34 من أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن افتراض البراءة في المتهم المقرر في الدستور «من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور».

والاستجواب وطرح الثقة بالوزير محاكمة سياسية، أمام مجلس الأمة، والمحاكمة تعني الضمانات، ضمان المتهم في أن يحصل على محاكمة عادلة ومنصفة.

وأهم ضمانات المحاكمة أن يكون رأي القاضي في الدعوى وهو الحكم فيها، هو آخر الآراء التي تحسم آراء الخصوم المتعارضة، وأن تتم المداولة بين قضاء المحكمة قبل إصدار الحكم.

فإذا كان مجلس الأمة، في النظام الدستوري، يعد بمنزلة المحكمة في النظام القضائي، تجرى أمامه محاكمة سياسية فإن القرار الذي يصدره المجلس، كالحكم الذي تصدره المحكمة، إما بالانتقال إلى جدول الأعمال وهو ما يعد بمنزلة حكم بالبراءة وإما بسحب الثقة من الوزير وهو ما يعد حكماً بالإدانة.

وبذلك تتأذى العدالة في المحاكمة السياسية التي تعقد للوزير في مجلس الأمة بعد أن تمت محاكمته على صفحات الصحف إثر تقديم استجواب إليه، وبعد أن نشرت الصحف قائمة الاتهامات المسندة إليه، وتداولت كل الدواوين الحديث عنها، من أن تظل هذه الاتهامات عالقة به، إذا أعفي رئيس مجلس الوزراء وشكلت وزارة جديدة.

وقد يطرح ذلك سؤالا مهما هو: هل تعدل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة استجابة لهذه الملاءمات الدستورية؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top