دكان الاعذار!
بينما أنا جالس «قاعد ومستانس» في ديوانيتنا المصونة العامرة إذا بالعم فصيح يدخل علينا وشكله غير مستريح... وبعد ترحاب، وسؤال عن الصحة والأحباب طلبت من العم فصيح بعد هذه الغيبة الطويلة أن يخبرنا عن أحواله.وبعد أن اعتدل العم فصيح في جلسته، واستدار وعدل غترته، قال ياعبدالله يا وليدي، كما تعلم ويعلم قراؤك الأعزاء فأنا أنتمى إلى دنيا «اللا زمان واللا مكان» وبسبب الأزمة الاقتصادية قل العمل في دكاني، فكما تعلم أنا وكيل منظمة الأعذار في بلادي، وأفتح فيها دكاناً لبيع الأعذار وتقديم الاستشارات لكل الأخطاء، وبحكم أن بلادنا انصلحت حالها ولم يعد لدينا من يريد شراء الأعذار حتى لو بأبخس الأثمان، فالحالة أصبحت حالة.فقلت للعم فصيح ما بالك ياعم؟ لا تغتم ولا تهتم، فالأمر بسيط ولدي اقتراح يريحك من كل هذه الهموم ويجعلك تعيش في أحسن حال، وتلبي كل طلبات العيال، فأنا أقترح عليك أن تنقل نشاطك من بلدك إلى الكويت حيث الأعذار كثيرة ومعظمها واهٍ وضعيف وقليل الحيلة.فقال العم فصيح كيف؟ وهل تعطيني أمثلة؟ قلت يا عم ما أكثرها عند بعض النواب، وكذلك الحال للوزراء، فالنائب القلاف سيكون من أول زبائنك لأنك تقدم أعذاراً ممتازة، بينما أعذاره السابقة لم تنطلِ علينا وكانت واهية وضعيفة، وأعذار «بوصادق» القلاف كانت في غير محلها، فعندما مثلاً صوّت على عدم السرية في الاستجواب الذي قدمه ضد الحكومة وتمسك بالجلسة العلنية، عاد وصوّت فيما بعد مع السرية في استجواب رئيس الوزراء، فلما سألوه أنه يناقض نفسه ويحجب عن الشعب الاطلاع على ما يحدث وحقه في المعرفة، تعذر بأن الخلاف نيابي نيابي، وقال لا أحب الدخول في هذه اللعبة.وهنا ضحك العم فصيح وقال أكمل: فقلت: مثال آخر يا عم، النائب عبدالرحمن العنجري في استجواب وزير الداخلية الشهير قال إنه ضد الوزير وأقسم بشواربه، وعند التصويت صوت لمصلحة الوزير وعندما سألوه عن شواربه، قال إنه حلقها في شرم الشيخ! وهنا علا صوت ضحكة العم فصيح. فقلت له يا عم أزيدك من الأعذار، فالنائبان سعدون حماد وغانم الميع أعلنا تأييدهما لاستجواب وزير الإعلام الذي اتهم النواب بأن لكل منهم ثمناً، وعند التصويت صوتّا مع الوزير، فلما سئلا عن السبب في تراجعهما قالا ما شاورونا، وهنا قهقه العم فصيح بصوت عال وتعجب من هشاشة الأعذار.فتابعت والعم فصيح يكاد لا يتماسك نفسه من الضحك، وقلت خذ عندك هذه: النائب علي الراشد أعلن تقديم استجواب لرئيس الحكومة على خلفية الدوائر، وكان مع الدوائر الخمس حتى يمنع شراء الأصوات والتلاعب والحيل، ولكنه يريد الآن تعديل الدستور بحيث لا يحق لنائب منفرد أن يستجوب الرئيس، ويريد أن يقدم الاستجواب مجموعة بهدف المزيد من التضييق لا المزيد من الحرية، وهو أول من سيتعاون معك لأنه لم يقدم عذراً حتى الآن.أما النائب خالد السلطان، فكان موقفه غريباً عجيباً حيث صوّت مع ضمان الودائع للبنوك الربوية، بينما كان ضد شراء فوائد البنوك لأنها ربوية، وهنا وقع العم فصيح على الأرض من كثرة الضحك، وسألني وهل كل نواب مجلسكم هكذا؟ فقلت له لا يا عم فلدينا نواب ثابتون على مبادئهم، ولن يلجؤوا إليك في شراء الأعذار، لكن هناك زبائن آخرون... فسألني ومن هم؟قلت إنهم وزراء يا عم، أمثال وزير المالية الذي تحدث عن البورصة وقال إن هذا الوقت أنسب وقت لشراء الأسهم، وما إن اشترى الناس حتى طاحت البورصة وأفلس الناس، ولما سألوه أنكر أنه كان يقصد ذلك، وكذلك وزير الداخلية قال إن الفالي لا يوجد منع عليه، ولمّا تحرك النواب وهددوا باستجوابه قال أوامر عليا، أما وزير الخارجية فقال سنبني مساكن للعراقيين، لكن العراقيين ردوا عليه... فاحتار في الإجابة ولم يكن لديه مثلك ليعطيه الأعذار المناسبة.قلت للعم: لو أنك تعاونت مع الحكومة بالذات فستحصل على المناقصات والعطايا والهبات، فأخذ العم يفكر، وقال يا عبدالله: والله الكويت بهذه الحال ستصبح بلداً جيداً لاستثمار الأعذار، وأعدك أن أنقل نشاطي حتى أقدم الأعذار المناسبة والممتازة، وحتى أحصل على المناقصات وتنصلح الحال ولا أحمل هم مصاريف العيال.وهنا استأذن العم فصيح... وخرج وهو يتمتم بكلمات فهمت منها أن الأعذار مهما كانت جيدة إنما لا تنطلي على كل صاحب عقل راجح، وأنها مهنة، مهما كان مَن يمارسها، فهي مهنة تحوم حولها الشكوك، وأن الكويت تحديدا لا تستأهل كل ما يحدث فيها من هذه المناورات السياسية والسعي للاستحواذ على ثرواتها بأشكال غير طبيعية.