خذ وخل: دمشق التي في خاطري 2

نشر في 07-07-2010
آخر تحديث 07-07-2010 | 00:01
 سليمان الفهد * حين تكون زيارتك إلى أي مكان مكبلة بقصر الوقت والحيل، تجد نفسك قد صرت في حالة «حيص بيص» المحيرة! تتنازعك الرغبة في زيارة الأحبة من الأصدقاء، لكن الوقت البرقي المختزل لا يسعفك فتحزن في مكانك لا تريم! لكن «الرجل تدب مطرح ما تحب» بحسب القول المأثور الشعبي المصري، فوجدتني أهرع صوب مكتبة «النوري» في شارع «الحجاز» بدون تردد! ومكتبة «النوري» هي توأم مكتبة «مدبولي» في قاهرة المعز؛ حيث تجد فيهما- لمن لا يعرفهما- جل الإصدارات العربية الحديثة والقديمة سواء، وأحسب- جازما- أن مكتبة «النوري» تغني مرتادها عن زيارة دور النشر والمكتبات التجارية السورية!

فهي تبدو لي كجراب الحاوي بمعنى ما، والذي تجد فيه كل ما يخطر على بالك، سوى أن «جراب النوري» يحضن خير جليس يفد من كل ورّاق عربي في المشرق. يقول مولانا محيي الدين بن عربي: «إن للأمكنة في القلوب اللطيفة تأثيراً...» ولعله يشير إلى تلك الكيمياء المتبادلة التي تحدث بين المرء والمكان الذي يراه أول مرة، فيعشقه من توه، ويسكن وجدانه لا يبرحه البتة! هكذا كانت حالي حين زرت الفيحاء دمشق عام 1955، ومن هنا، حين أعلنت وزارة التربية عن بعثة للدراسة بدار المعلمين بدمشق لطلاب ثانوية الشويخ، هرعت إلى اللجنة الممتحنة التي اختارت عشرة طلاب كان العبد لله من بينهم.

* وقد تزامن وجودنا هناك مع قيام الجمهورية العربية المتحدة المجسدة لوحدة مصر وسورية من عام 1958 إلى عام 1961م، وأحسب أن خواطري وذكرياتي الشامية ينسحب عليها قول الفقيه «بكر بن عبدالله المزني» في سياق وصفه للأيام: «ما مضى منها فحلم، وما بقي فأماني»، وهل ثمة حلم أبهى من الوحدة العربية الذي كان يجيش في الوجدان الجمعي العربي، حين كانت الأرض عروبية و»تتكلم عربي» بلسان الجماهير الغفيرة الطامحة إلى تحقيق حلم الوحدة آنذاك؟!

* ما علينا من شجون السياسة العربية و»سجونها» لا سيما بعد أن اختار «عراب الوحدة» إياه أن ييمم صوب إفريقيا؛ حيث تربع على كرسي «ملك الملوك» طوال عمره الزمني، غير عابئ بتماهي تربعه مع ملوك ورق اللعب الموسوم بمصر بـ»الكوتشينة» اللهم اجعل كلامنا خفيفا على «الكوتشينة» طبعا!

الشاهد أن أيام طلاب البعثة الكويتية في دمشق إبان الوحدة كانت قرابة ثلثيها دراسة، بينما الثلث الأخير مكرس للمظاهرات والمسيرات التي لم تتوقف إلا مع إعلان بلاغ الانفصال! لتعود سورية سيرتها الأولى مع الانقلابات العبثية العقيمة، والتي لم يئدها إلى الأبد سوى الرئيس حافظ الأسد رحمه الله.

back to top