الفلسطينيون يتمسكون بشروط محادثات السلام

نشر في 03-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 03-08-2010 | 00:01
قد تكشف المحادثات المباشرة بين نتنياهو وعباس بكل بساطة أن حل الصراع القائم على إقامة دولتين، والذي جعله أوباما حجر أساس لسياسته الخارجية، لن يتحقق على الإطلاق إلى أن تبدي الولايات المتحدة استعدادها، بالتعاون مع المجتمع الدولي بإطاره الأوسع، لطرح اتّفاق على طاولة المفاوضات.
 Tony Karon "لا نستطيع أن نرغب في السلام أكثر مما ترغب فيه الأطراف". تلك هي العبارة التي كان يكررها المسؤولون الأميركيون دوماً، على مدى إدارتين أميركيتين، في أثناء مناقشتهم السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن إدارة أوباما وجدت نفسها يوم الخميس بالفعل ترغب فيه أكثر مما قد يرغب فيه الأطراف وذلك بعد أن صادقت الجامعة العربية على الشروط المسبقة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لدخوله في محادثات مباشرة مع الإسرائيليين، فعلى الرغم من الجهود الحثيثة لإقناعه التي بذلتها الولايات المتحدة بخوض محادثات غير مشروطة، فإن الرئيس الفلسطيني يصر على تلقي ضمانات مكتوبة بأن إسرائيل ستوقف كامل عمليات بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأن يستند أي اتفاق سلام يُناقش في مثل هذه المحادثات إلى حدود إسرائيل منذ ما قبل حرب عام 1967.

 من جهته، أعلن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيلفان شالوم، يوم الأربعاء أن الشروط المسبقة الفلسطينية "مستحيلة"، بينما حذّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أن حكومته قد تنهار إن حاول تمديد قرار التجميد الجزئي لعمليات البناء لما بعد المهلة النهائية المحددة في 26 سبتمبر.  

بالنظر إلى عمق التشكيك الفلسطيني في نوايا إسرائيل، لم يستطع عباس حتى الاعتماد على مصادقة حركته فتح بالمشاركة في محادثات غير مباشرة برعاية إدارة أوباما. في المقابل، كان عليه ضمان تفويض من الجامعة العربية في وقت سابق من هذا العام. فما من شيء تمخض عن المحادثات غير المباشرة التي قام بوساطتها المبعوث الأميركي جورج ميتشل منح عباس الثقة بأن المحادثات المباشرة ستؤول إلى اتفاق موثوق.  

يقوم التحفظ الفلسطيني على اعتقاد راسخ بأن نتنياهو لا ينوي تقديم ما يعتبره الفلسطينيون أدنى متطلباتهم لسلام موثوق، وبالفعل أوضح نتنياهو أنه يتوقع أن يرضى الفلسطينيون بأقل من الشروط التي عرضها رئيسا الوزراء السابقان إيهود باراك وإيهود أولمرت في العامين 2000 و2008 على التوالي، ورفضها الفلسطينيون لكونها قليلة ونتنياهو لكونها كثيرة.

 يرى القادة الفلسطينيون أن نتنياهو غير جدي بشأن توقيع اتفاق سلام، ويلجؤون إلى الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للقيام بتنازلات من المستبعد أن تقوم بها هذه الأخيرة من تلقاء نفسها. فضلاً عن ذلك، يخشون أن تعطي المحادثات غير المحسومة والغامضة انطباعاً بإحراز تقدم وتخفف بالتالي الضغط على الولايات المتحدة للتدخل، الأمر الذي يضعف في الوقت عينه الرئيس الفلسطيني الذي فقد هيبته مسبقاً في عيون شعبه. لهذا السبب يضع عباس، بدعم من الجامعة العربية، شروطاً للمشاركة في المفاوضات.

في المقابل، حثّ نتنياهو بقوّة على إجراء محادثات مباشرة من دون شروط مسبقة، على الرغم من أنه لا يعتقد مطلقاً أن مثل هذه المحادثات قد تؤول إلى اتفاق مقبولاً للجانبين، فلو لو صح ذلك، لما وجد صعوبةً في استمالة عباس إلى طاولة المفاوضات. لا يقبع رئيس الوزراء الإسرائيلي تحت أي ضغط سياسي محلي لتوقيع اتّفاق سلام، وتعتقد حكومته أن تراجع مكانة عباس السياسية يجعله عاجزاً عن تقديم اتفاق ملزم، هذا ويسخر كبار مساعدي نتنياهو أيضاً من فكرة إمكان التوصّل إلى اتفاق لإنهاء الصراع في غضون العامين المقبلين.

 يُذكَر أن الضغط الوحيد الذي يتعرّض له نتنياهو للتحاور مع الفلسطينيين يأتي من الولايات المتحدة، وقد أثبت رئيس الوزراء مهارته في إعادة ذلك الضغط إلى المستوى الذي لا يسبب  له إزعاجاً، ويدرك الإسرائيليون جيّداً أنه من أجل إعاقة الضغط على الولايات المتحدة لأداء دور مباشر في وضع شروط اتّفاق السلام، فإن عليهم إثبات أن مسار المفاوضات لم ينقطع على الأقل بينهم وبين الفلسطينيين.  

من جهة إدارة أوباما، يبدو دافعها في الحث على محادثات مباشرة غامضاً، لا سيما أن الفجوة بين الطرفين تجعل التوصل إلى اتفاق مستحيلاً، ويتعامل نتنياهو مع المحادثات مع الفلسطينيين على أنها بداية مسار قد يستغرق سنوات، من دون الإشارة إلى محاولات صناعة السلام على مدى العقدين اللذين سبقاه (والتي عارض معظمها).

 من جانب آخر، لن يوافق عباس والجامعة العربية إلا على محادثات ذات جدول زمني محدد هدفه التوصل إلى اتفاق نهائي قائم على مفاوضات مسبقة، من شأن إجبار الطرفين معاً على خوض محادثات مباشرة أن يضعهما في موقف صعب، لكن إن لم يستطيعا التوصل إلى اتفاق، فستواجه الولايات المتحدة أيضاً وضعاً صعباً.

في هذا السياق، كتب المفاوض الأميركي السابق حول السلام في الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، يوم الخميس: "يجب أن تظهر هذه النقاشات مدى اتّساع الفجوات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأي جانب يبدي جدّيةً في التوصّل إلى اتفاق. فهل يريد الرئيس حقاً مواجهة مثل لحظة الحقيقة هذه هذا الخريف؟".

قد تكشف المحادثات المباشرة بين نتنياهو وعباس بكل بساطة أن حل الصراع القائم على إقامة دولتين، والذي جعله أوباما حجر أساس لسياسته الخارجية، لن يتحقق على الإطلاق إلى أن تبدي الولايات المتحدة استعدادها، بالتعاون مع المجتمع الدولي بإطاره الأوسع، لطرح اتّفاق على طاولة المفاوضات لن يقبل به أي من الجانبين من تلقاء نفسه إن تُرك لهما الخيار بقبوله أو رفضه. سيفرض مثل هذا الاتفاق على الأرجح تنازلات مؤلمة على إسرائيل في ما يتعلق بالقدس، الحدود والمستوطنات وعلى الفلسطينيين في ما يخص موضوع اللاجئين، لكن عدم استعداد الإدارة المتزايد لفرض ضغوط على الإسرائيليين بسبب الانتقادات السياسية المحلية قد يجعل أي حجر عثرة أمام المفاوضات المباشرة موضع قلق بالنسبة إلى أوباما، وإن اتضح أن المفاوضات عقيمة، فستزداد على الأرجح احتمالات وقوع مواجهات على الأرض.

back to top