مجلس الشورى: من «دكة بدلاء» السياسة... إلى «رأس حربة» السلطة
لسنوات طويلة، ظل مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، مجلساً بلا أنياب حقيقية، ينظر إليه الجميع على أنه "مكلمة" فقط أو مجلس استشاري، يتداول نوابه الذين يعين رئيس الجمهورية ثلثهم الآراء، ويكاد الحزب الحاكم أن يسيطر على كل مقاعده، دون أن تكون لهم أية صلاحيات تلزم الحكومة أو تراقب أداءها، على غرار ما يتمتع به مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، الذي ظل يحتكر كل صلاحيات الرقابة والتشريع في مصر، حتى عام 2007، عندما أقرت التعديلات الدستورية التي طالت 34 مادة من الدستور المصري، في مقدمتها المواد المتعلقة بصلاحيات مجلس الشورى، إذ منحته تلك التعديلات اختصاصات جديدة جعلت موافقته وجوبية على التشريعات المكملة للدستور، كما منحه رئيسه الحالي السياسي النافذ صفوت الشريف بفضل موقعه كأمين عام للحزب "الوطني" الحاكم، ولقربه من الرئيس المصري حسني مبارك ثقلاً رقابياً، وسياسياً، إذ صار المجلس يناقش الكثير من القضايا اليومية المصرية، ويتخذ توصيات تبدو وكأنها قرارات تلتزم بها الحكومة، فضلاً عما يحظى به نشاط المجلس من تغطية صحافية واسعة، لأن الشورى هو الذي يختار القيادات الصحافية للصحف المملوكة للدولة. وربما كانت تلك المتغيرات هي السبب وراء رفع درجة حرارة الصراع على خوض انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، بعدما كان مجلس الشورى بمنزلة "دكة بدلاء" السياسة في مصر، إلى "رأس حربة" في اللعبة السياسية، لاسيما ممن يطمعون في دخول "مجلس الحكماء"، وهي التسمية التي تروق لرئيسه الحالي، ويخشون ألا يفوزوا بمقعد في مجلس الشعب.ومنذ تأسيس مجلس الشورى عام 1980 لتنفيذ رؤية الرئيس المصري الراحل أنور السادات في محاكاة النظام البرلماني الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب، لم تزد صلاحيات مجلس الشورى عن دراسة خطاب رئيس الجمهورية في افتتاح الدورة البرلمانية، ومناقشة الاتفاقيات وبعض القضايا العامة ومشروعات القوانين.
وتسبب غياب المعارضة عن مقاعد الشورى وسيطرة الحزب الحاكم شبه الكاملة على مقاعده البالغ عددها 264 مقعداً، واقتصار تمثيل المعارضة به على بعض رؤساء الأحزاب، الذين يوصفون بـ"المستأنسين" ويعينهم رئيس الجمهورية في تراجع الأهمية السياسية والشعبية للمجلس. واستمرت تلك الحال إلى أن تولى صفوت الشريف رئاسة المجلس في عام 2004، إذ بدأ الشريف في تفعيل أداء الحزب، وتنشيط مشاركته في القضايا اليومية، وشجع ذلك 55 عضواً في المجلس لتقديم طلب لمناقشة تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، بحيث يتمكنون من تقديم بيانات عاجلة وطلبات إحاطة على غرار ما يقوم به نواب مجلس الشعب. ونجح الشريف كذلك في إقناع القيادة السياسية في مصر بضرورة منح المجلس صلاحيات أوسع، ترجمت في التعديلات الدستورية التي خرجت إلى النور في عام 2007، والتي أعطت للمجلس صلاحيات تشريعية، منها ضرورة موافقته على بعض التشريعات قبل إصدارها.وبالإضافة إلى الاختصاصات السابقة، يتبع مجلس الشورى لجنة شؤون الأحزاب، وهي اللجنة التي تعطي الموافقة على تأسيس أحزاب جديدة، كما يتبعه المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للصحافة، وطبقاً لذلك فإن مجلس الشورى يمارس حقوق الملكية على الصحف القومية، كما يختار رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحافية القومية، ورؤساء تحريرها.