فلسفة الشعر عند ابن جدلان (1-2)
ابن جدلان شاعر لا يختلف فيه اثنان، فالتميز هو عنوانه الدائم، ورغم أن لمعانٍ نجمه قياساً على عمره جاء متأخراً بعض الشيء، فإنه كان إسعافاً للساحة الشعبية في وقت سعى فيه أرباب الحداثة والغثاثة إلى مواراة القصيدة التقليدية، فكان نجمه سعداً على شعراء المدرسة الكلاسيكية، لقد أعاد ابن جدلان التوازن إلى هذه الساحة لأنه أجبر الجميع على الاتفاق على إبداعه الذي لا يحتذي النماذج السابقة، لكنه يشكل نموذجه الخاص في اقتناص المعاني النادرة والصور الشاردة.
مدخل: جـل شـان الـلـي ملكـوتـه عـلـى عرّيـشـه الـمـكـارم مـــا تـعــادل مكـرمـتـه لـعـبــده يا أخي الشاعر ترى ما فوق راسك ريشة مــا تحـتـك ألا ظـلالـك ترمـحـه وتـهـبـده ما يهم،تسب، تمدح شخص، تطلب عيشـة الـمـهـم أن المـشـاهـد يفـهـمـون الـزبــده تتـقـي وتبـيـن كـنّــك تـلـعـب الخشـيـشـة تحرق أعصـاب المشاهـد ليـن تدبـل كبـده بالـمـزاج المنـجـرف وأفـكـارك الطنّيـشـة لا تسمّـع فـي السديـس ولا محـمـد عـبـده رسالة مختصرة من شاعر عملاق هو سعد بن جدلان الأكلبي موجهة إلى أغيلمة الشعر المتطاولين إعلامياً، فلعلهم يستفيدون من تعليمات الأساتذة الذين ينظرون إلى الشعر بمنظار أدبي عالٍ. ابن جدلان شاعر لا يختلف عليه اثنان، فالتميز هو عنوانه الدائم، ورغم أن لمعانٍ نجمه قياساً على عمره جاء متأخراً بعض الشيء، لكنه كان إسعافاً للساحة الشعبية في وقت سعى فيه أرباب الحداثة والغثاثة إلى مواراة القصيدة التقليدية، فكان نجمه سعداً على شعراء المدرسة الكلاسيكية، لقد أعاد ابن جدلان التوازن إلى هذه الساحة لأنه أجبر الجميع على الاتفاق على إبداعه الذي لا يحتذي النماذج السابقة، لكنه يشكل نموذجه الخاص في اقتناص المعاني النادرة والصور الشاردة. لقد فاجأ الشعراء والنقاد في زمان كثر فيه الغث وقل السمين. قبل حوالي عشرين سنة استمعت إلى هذا الشاعر عبر «كاسيت» سجله له الأخ بداح بن عبدالله بن عون، ولهذا الرجل -رحمه الله- فضل في تسجيل شعر عدد من الشعراء الذين كان يجمعهم مجلس والده الشاعر الكبير عبدالله بن عون مما ساعد في انتشارهم وتداول شعرهم في مرحلة المنابر الإعلامية المحدودة . أذهلني الأكلبي بشاعريته المتدفقة، وإلقائه غير المتكلف ولهجته المضمخة بنسيم الجنوب، لقد فاجأ بشعره حتى كبار الشعراء فقال عبدالله بن عون حين سمع شعره: أنا يوم (غازي) جاب تقريره الطبـي عن (الأكلبي) درته وفوجيت بأعجوبة والحقيقة أن المفاجأة بقوة الشاعرية كانت مصحوبة بصدمة كبيرة نتيجة اكتشاف أن يعيش بين ظهرانينا شاعر بهذا الحجم ولا نعلم عنه ولا عن شعره شيئاً. فلسفة الشعر عند الأكلبي الشعر عند الأكلبي رسالة سامية يجب على الشاعر أن يفيد الآخرين من خلالها، فيختار الموضوع الهادف في قالب جزل الألفاظ، جميل المعاني، باهي الصور، لكي يحافظ على مكانته وقيمته، فيسلم من اللوم والانتقاد: يا أهل القصيد مراسلين الجرايـد تكفون صونوا كلمة الشعر تكفون خلوه يلقـى مـن وراهـا فوايـد فيدوا وخلوا غيركـم يستفيـدون لا تعرضـون نفوسكـم للنقـايـد الرابح اللي من غثا الناس مصيون ليدل بعد ذلك «أهل القصيد» على بعض النماذج الجيدة من الشعر ليستفيدوا منها بقوله: لـيـا بغـيـتـوا نـــادرات القـصـايـد صيتوا لشعار الأدب وش يقولـون أهــل الأدب والتجـربـة والـركـايـد أمثال مرشد والعطاوي وابن عون أفـكـارهـم مـــا تـنـتـج ألا فــرايــد تـقـول بـصـدور الأوادم يـويـقـون هكذا: «تقول بصدور الأوادم يويقون» انه يفترض بكل شاعر حقيقي أن يلامس بشعره مشاعر الناس ويعبر عن معاناتهم، هذا الشاعر العامي يشرح بهذا التعبير البسيط الصادق ما قاله أبو عمرو بن العلاء عندما سئل أيّ بيت تقوله العرب أشعر؟ قال: «البيت الذي إذا سمعه سامعُه سَوّلت له نفسه أن يقول مثله». ويتكرر هذا التعبير عند الأكلبي في قصيدة أخرى مجاوباً شاعراً من أصدقائه هكذا: «تقول أنك في قلبي توايق توياقي» ليقول بعد ذلك: تصوغ المثايل صوغ عبدالغني للطوق كما شرح دكتور عن أسـرار الأعماقـي هنا يؤكد ما قاله الأصمعي في القرن الثاني من الهجرة، حينما قال: «أجود الشعر ما وصل معناه إلى القلب مع وصول لفظه إلى السمع». والأكلبي وهو الشاعر العملاق يعيش معاناة كبيرة مع الشعر، ويعترف بصعوبة الوصول إلى روائعه واستحضارها، كما يعترف أن خوفه من النقد وحرصه على مكانته الأدبية وقيمة شعره الفنية يمنعه من الانجراف مع التيار وتلبية رغبات الجمهور في طرح ما لا يليق به طرحه: ياللي تطلبون الشعر غيبه علي صعيب لـولا خوفـة النـقـاد طـاوعـت عشـاقـه أسـرح بنـات الفكـر منـي بكـل شعيـب وتضوي علي بالخرج ما جات بشلاقـه احسب أني لا قنصـت السمـان أصيـب وأعيّـن علـى روس المشاريـف تفاقـه ويقول أيضاً: وشرد القرايح خزايزهن حذور جفـول تسكن مساس الصدور وتدهل اقفورها