بكين تهيمن على معادن الأرض النادرة

نشر في 06-08-2010
آخر تحديث 06-08-2010 | 00:01
يمكن فهم تقييد الصادرات الصينية على مستوى واحد فقط. لأن صناعة الصين ستكون في حاجة الى معظم إنتاجها خلال 3 أو 4 سنوات. والضربة الطاحنة ستحدث بطريقة أو أخرى.
 ذي تيليغراف أظهرت الولايات المتحدة وأوروبا في الماضي درجة كبيرة من اللامبالاة إزاء إمدادات معادن الأرض النادرة التي تتصف بأهمية بالغة بالنسبة الى التقنيات العلمية الحديثة, والتي تختلف من المحركات الهجينة الى الهواتف النقالة, ومن الموصلات الفائقة الى أجهزة الرادار والقنابل الذكية.

وقد سمح الافتقار الى التخطيط الاستراتيجي من جانب الغرب للصين بأن تحصل على احتكار عالمي في ما يتعلق بالعائلة التي تضم هذه المعادن الـ17. كما ثبتت سذاجة الافتراض القائل إن الصين لن تغامر مطلقاً بسمعتها كلاعب فريق دولي من خلال إقدامها على قطع مفاجئ لمثل تلك المؤن.

وعمدت وزارة التجارة الصينية الى خفض مخصصات الصادرات المتعلقة بتلك المعادن بنسبة بلغت 72 في المئة خلال النصف الثاني من هذه السنة. وربما كانت هذه أشد الخطوات قوة وصرامة حتى اليوم في مجال صراع القوى العظمى حول الموارد النادرة.

من جهة أخرى، لا تزال البنتاغون ووزارة الطاقة في الولايات المتحدة تعملان بجهد من أجل تحديد ما يعنيه ذلك بالنسبة الى أمن الولايات المتحدة. وقد أوضح تقرير مؤقت أعده مكتب المحاسبة الحكومي مدى حساسية هذا الوضع الآن.

وحسب ذلك التقرير فإن "الولايات المتحدة قامت في السابق بكل المراحل المتعلقة بسلسلة إمدادات مواد الأرض النادرة, ولكن معظم عمليات تصنيع مواد الأرض النادرة تتم اليوم في الصين, ما يمنحها وضعاً مهيمناً. وفي عام 2009 أنتجت الصين ما يقارب الـ97 في المئة من أوكسيدات الأرض النادرة. كما أن إعادة بناء سلسلة مؤن الأرض النادرة في الولايات المتحدة قد يتطلب مدة تصل الى 15 سنة".

خمسة عشر عاماً؟

أصبح حصار الصين لمعادن الأرض النادرة أكثر حدة مع مرور كل يوم مع تبادل ذلك البلد السجالات مع الولايات المتحدة بشأن بحر الصين الجنوبي. وأنا أترك الأمر للعلماء في لاهاي من أجل تقييم مزاعم الصين بشأن "السيادة التي لا تقبل الجدل" على الممرات المائية التي تحمل نصف شحنات الملاحة في العالم. ويلاحظ المرء أن معظم أجزاء ذلك البحر تبعد كثيراً عن الصين, وهي أكثر قرباً من فيتنام والفلبين وبروناي. ولا توجد مجتمعات مستوطنة على الجزر, كما أن التشبيه بجزر الفوكلاند لا سند له من القانون.

ويتمثل الشيء الجديد في أن الصين اختارت الضغط حول هذه القضية عبر وصف تلك المياه باسم "مصلحة أساسية مركزية" مثل التيبت وتايوان، وهي تجري هناك مناورات بحرية وجوية بالذخيرة الحية.

والشيء الجديد بالمثل هو أن إدارة الرئيس باراك أوباما قد اختارت أن تقاوم, ويمثل هذا الموقف تغيراً في المسلك وطريقة العمل بعد تأييد ضم الصين التام في حوكمة العالم عبر دول الـ20 وصندوق النقد الدولي.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت: "نحن نعارض استخدام القوة أو التهديد باللجوء اليها من قبل أي مطالب. وأي مطالب مشروعة للمساحة البحرية في بحر الصين الجنوبي يجب أن تنبع فقط من المطالب المشروعة لمعالم الأرض". وكان ذلك يعني باللغة الإنكليزية الواضحة: "تراجعوا".

وقد دعت وزارة الخارجية هذا مثل "هجوم على الصين"، كما اتهمت الولايات المتحدة بمحاولة "إكراه" الدول الأصغر على اتخاذ مواقف من النزاع. ويوجد أكثر من مجرد أثر ضئيل من حمى "التطويق" في هذه الاتهامات المتبادلة, على غرار العصاب الألماني خلال العقد الذي سبق عام 1914، والذي أصبح ذاتي الإنجاز. وفي حقيقة الأمر فإن حلقة من الدول المحيطة بالصين تعمل على تقوية روابطها العسكرية مع الولايات المتحدة. ما السبب وراء ذلك؟

قال تقرير مكتب المحاسبة الحكومي الأميركي إن الولايات المتحدة كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في مجال معادن الأرض النادرة طوال الفترة التي أعقبت الحرب, وكان المنجم الرئيسي في "ماونتن باس" بولاية كاليفورنيا قد أغلق في حقبة التسعينيات من القرن الماضي عندما أغرقت الصين الأسواق بالصادرات وتسببت في توقف المناجم الغربية عن العمل. وأعقب ذلك قيام مصانع المعالجة, الواحد تلو الآخر, التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها وتملكها شركات ألمانية ويابانية, بنقل عملياتها الى الصين ولم يبق أي واحد منها في أميركا. وتعتبر تقنيات الأسلحة سرية الطابع, غير أن مكتب المحاسبة الحكومي في الولايات المتحدة قال إن دبابة أبرامز "ام 1 إي 2"، وكذلك جهاز الرادار "إيجيس سباي – 1" يعتمدان على مادة السمريوم الصينية (عنصر فلزي نادر). كما أن سفينة البحرية الأميركية "دي دي جي-51" الهجينة تحتاج الى النيوديميوم (عنصر فلزي) الذي يعمل على تحسين قوة المغنطيس عند درجات الحرارة العالية. ويحتاج صاروخ "هيل فاير" الى مكونات صينية، كما هو الحال في مجموعة من عمليات الأقمار الاصطناعية وإلكترونيات الطيران ومعدات الرؤية الليلية والذخائر الدقيقة التوجيه.

والبعض من المعادن مثل التربيوم وديسبروسيوم والثليوم ولوتيتيوم ويوروبيوم ولانثانوم تعتبر أكثر أهمية من غيرها, وهي بمنزلة ملح الحياة بالنسبة الى ثورة التقنية العالية – حيث تستخدم في أجهزة آي باد وبلاك بيري والتلفزيون وفلاتر المياه أو الليزر.

وتستخدم سيارة تويوتا "بريوس" مجموعة من عناصر الأرض النادرة, كما أن السيريوم يستخدم في محولات محركات الديزل, ويعتبر التيربيوم أساسياً في مصابيح الطاقة المنخفضة التي تخفض تكلفة الطاقة بـ40 في المئة. ويستخدم النيوديميوم في أقراص الحواسيب وعنفات الرياح والمحركات الكهربائية في السيارات الهجينة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة لدى "تويوتا" أن المعادن النادرة يمكن أن تخفض الاحتكاك في خطوط الطاقة وتقلص التسرب.

والدول التي لا تستطيع الحصول على هذه المعادن بأي ثمن لن تتمكن من لعب دور كبير في الثورة التقنية. ولدى اليابان أساساً "استراتيجية ضمان امدادات مستقرة من المعادن النادرة"، وقد عمدت الشركات اليابانية الى تخزين تلك المواد بقوة خلال الأعوام الخمسة الماضية-وربما كان ذلك أحد الأسباب وراء قرار الصين قطع الإمدادات. لقد أخذ الغرب بصورة مباغتة.

وقالت جمعية المواد المغنطيسية في الولايات المتحدة إن أميركا انجرفت نحو "أزمة صامتة" وهي في حاجة الى توفير مؤنها خلال 3 الى 5 سنوات. "ويتعين اتخاذ إجراء فوري لتحرير الولايات المتحدة من الهيمنة الأجنبية الكاملة".

في حقيقة الأمر المعادن النادرة ليست نادرة. وتوجد كميات كبيرة منها في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب إفريقيا وروسيا والسويد وفيتنام وقبل كل ما سبق غرينلاند، وتضم ثلث الاحتياطي المعروف في العالم. والشيء النادر هو العثور عليها في تركيزات قابلة للحياة. وعلم المعادن معقد. كما أن وجود الثوريوم المشع بصورة متكررة يعقد الأمور، واستخراج مثل تلك المواد مرهق من الوجهة المالية.

وعلى الرغم من ذلك فإن الوضع الحالي لا يمكن احتماله. ويطالب الكونغرس الأميركي باتخاذ إجراء عبر تعديلات على قانون تفويض الدفاع الوطني. ومن المرجح أن تقوم الدول الغربية عما قريب بضخ مبالغ ضخمة من المال في هذه الصناعة الصغيرة جداً.

وقد يود المستثمرون المغامرون إلقاء نظرة على مؤسسة "موليكورب" التي شرعت في إعادة فتح منجم "ماونتن باس"، ولكنها كانت تصارع في قضية حصة الأسهم في الأسبوع الماضي. وهي تأمل مع "أرافورا وليناس كورب" في أستراليا أن تتمكن من إنتاج حوالي 50000 طن من معادن الأرض النادرة بحلول منتصف العقد الحالي. وهذه الكمية ليست كافية لسد احتياجات العالم. وقد شرعت "أفالون للمعادن النادرة" في كندا في مشروع مماثل وربما تحاول شركة غرينلاند للمعادن والطاقة تجربة نوع من هذا الجهد.

يمكن فهم تقييد الصادرات الصينية على مستوى واحد فقط. لأن صناعة الصين ستكون في حاجة الى معظم إنتاجها خلال 3 أو 4 سنوات. والضربة الطاحنة ستحدث بطريقة أو أخرى. ولكن كما ذكر مراسلنا في بكين بيتر فوستر فإن تقييد الصادرات يبدو مصمماً لإرغام شركات التقنية الأجنبية على إقامة مصانعها في الصين. ويبدو هذا مثل خرق لقوانين منظمة التجارة العالمية.

ومن جديد نحن نرى كيف تمارس الصين لعبة العولمة, مستفيدة تماماً من قدرة منظمة التجارة العالمية على دخول الأسواق الغربية من دون أن تفتح أسواقها بالدرجة ذاتها, كما تخفض من قيمة عملتها لتحقيق أرباح تجارية.

أنا آمل أن تعتبر هذه الخطوة من جانب الصين بمنزلة مؤامرة. ولا يظن المكتب السياسي بالتأكيد أن بوسع الصين التصرف بهذا الأسلوب الكيفي من دون صدور رد عليه.

أرجو أن تخبرونا أنها كانت غلطة إدارية. وتراجعوا عنها.

back to top