علم النفس الرياضي... حقائق ومعلومات
خلال السنوات الأخيرة، استطاع علم النفس الرياضي تثبيت أقدامه بين سائر فروع علم النفس التطبيقية. كذلك أصبح إحدى المواد الدراسية الهامة في كليات ومعاهد التربية البدنية والرياضية في جميع أنحاء العالم. أحد أهم الأسباب التي ساهمت في الارتقاء بمستوى الاهتمام بعلم النفس الرياضي تأسيس الجمعية الدولية لعلم النفس الرياضيInternational Society Of Sport) Psychology ISSP).
تساعد هذه الجمعية في تبادل الخبرات والدراسات بين معظم علماء النفس الرياضي في العالم، خصوصاً خلال المؤتمرات العلمية التي تعقدها دورياً كل ثلاث سنوات. أقيم أول مؤتمر لها في روما عام 1965 حضره مندوبون من 45 دولة. وفي مؤتمرها الرابع الذي أقيم في مدينة براغ من 3 الى 9 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1977 انتُخب أول مجلس إدارة للجمعية الدولية لعلم النفس للفترة 1980-1977 من بين علماء النفس الرياضي البارزين في العالم. ويتكوّن هذا المجلس من رئيس للجمعية ونائب للرئيس وأمين للسر بالإضافة إلى 12 عضواً.من جهة أخرى، أُسّس الاتحاد الأوروبي لعلم النفس الرياضي والتربية البدنية (FEPSAC) عام 1969 والذي يجمع علماء النفس الرياضي في أوروبا ويعمل تحت إشراف الجمعية الدولية لعلم النفس.بداية علم النفس الرياضيلو حاولنا البحث عن بداية علم النفس الرياضي نجد صعوبة في فصل نشأته عن تطوّر علم النفس العام، لذلك من الأفضل التعرّض لهما معاً في محاولة متابعة تطوّر مراحل هذا المجال الأولى.ظهر علم النفس كعلم تجريبي في معمل لعلم النفس في مدينة ليبزغ الذي أسسه العالم فلهلم فنت ما بين عامَي 1832-1832. كان فنت وتلاميذه يبحثون في الإحساس والحركة والتأثيرات الوجدانية الأولية والعمليات النفسجسمية المتّصلة بالحواس. وكانت التجارب المبكرة التي قام بها العالم فيبر ما بين عامَي 1878-1795 والعالم فختر ما بين عام 1887-1801 قد أدت الى التوصّل لبعض القوانين النفسجسمية (قانون فيبر أو قانون العتبة الفارقة) وأمكن بذلك قياس الإدراك الحاس عن طريق التمييز بين أثقال مختلفة يحملها المرء.في نهاية القرن التاسع عشر، أُجريت تجارب عدة في كل من أوروبا وأميركا حول علاقة الإدراك الحاس- حركي. كذلك بحث تربلت عام 1898 في موضوع تأثير المتفرّجين على صفة التحمّل لدى متسابقي الدراجات. وفي العام نفسه، درس العلماء العلاقة بين دقة الإبصار والحكم الحركي. وتلا ذلك بحث وودورث إمكان قياس بعض مكونات الإحساس الحركي الأساسية.كان تطوّر علم النفس عموماً وعلم النفس الرياضي خصوصاً سريعاً. فبينما كان السلوكيون في أوروبا وأميركا عاكفين على دراسة استجابات الإنسان والحيوان الحركية باستخدام الملاحظة الموضوعية، كان بافلون وتلاميذه في الاتحاد السوفياتي يدرسون الأفعال المنعكسة لدى الكلاب والقردة والأطفال. وبدأ ثورنديك في الولايات المتحدة الأميركية بدراسة الدافعية والتعلّم. وكشف واطس عن التعلّم بملاحظة تسلسل استجابات الفئران الحركية في المتاهات. كذلك، بدأ ألبورت وسنكر ويركس وغيرهم في جامعة هارفارد بتكوين أساس علمي للتعلّم الشرطي ونظريات الشخصية وسلوك الحيوانات.آنذاك، بدأت صحوة علمية في مجال التربية البدنية والرياضية. وكان المربون الرياضيون على ما يبدو يحاولون تطوير معلوماتهم ومعارفهم وبلورتها عن خبايا النشاط البدني وأسراره. ونادى بعض علماء التربية البدنية بأن التمرينات البدنية والمشاركة في الأنشطة الرياضية أحد العوامل التي تؤثر على نواحي المرء الانفعالية والاجتماعية والبدنية والعقلية. وفي الوقت نفسه، كان علم النفس التجريبي، على رغم تشتّت جهده بين صراعات منهجية متعددة، بدأ التوصّل إلى معارف ومعلومات أساسية عدة في مجال الاستجابات الحركية والتعلّم الحركي والإدراك الحاس- حركي.في بداية القرن العشرين، ظهرت معالجات مبكرة لمواضيع قد تندرج تحت مجال علم النفس الرياضي، ومنها المقالات التي كتبها غسراند عام 1901 عن نواحي لعبة كرة القدم النفسية، وتلك التي سطّرها دي كوبرتان عام 1903 في فرنسا تحت عنوان مقالات في علم النفس الرياضي، وقد اشتملت على أهمية الرياضة من حيث أنها وسيلة للتعبير الجمالي والتربية ولاكتساب الاتزان الانفعالي. هذا بالإضافة إلى ما كتبه بارت عام 1912 في ألمانيا عن تأثير النشاط البدني على قوة الإرادة والخلق وتناوله طرقاً ووسائل تسهم بها التربية البدنية في تطوير الخلق لدى ممارسي الرياضة.استخدمت تلك الكتابات المبكرة الكثير من مصطلحات علم النفس، إلا أنها في الواقع كانت تتميز بالمعالجة الفلسفية والتصوّرات النظرية. وفي أوائل القرن العشرين، ظهرت دراسات نظرية وتجريبية عدة كان لها الفضل في إرساء حجر الأساس في نشأة علم النفس الرياضي وتطوّره.قبل قيام الثورة البلشفية عام 1917، لم يكن هناك اهتمام يذكر بمواضيع علم النفس الرياضي، إلا أن روديك ذكر أن لسغانت كان أول من أبرز أهمية أسس التمرينات البدنية النفسية في كتابه عن قواعد تربية أطفال المدارس البدنية عام 1901. وفي عشرينات القرن الراهن، أُنشئت معاهد متخصّصة في التربية البدنية وأُجريت دراسات في بعض مجالات علم النفس الرياضي مثل دراسات روديك عام 1925 عن تحليل بعض التمرينات البدنية للتعرف الى الخصائص المميزة لعملية تعلم المهارات الحركية، ودراسات نيتشييف عام 1926 عن تأثير التربية البدنية على عمليات الإدراك والتذكر والانتباه والتصوّر، ودراسة تيتسماريف عام 1928 عن دور التربية البدنية على نمو فكر الأطفال الدارسين، ودراسات بوني عام 1929 عن أثر المنافسات على شخصية المتسابقين في رياضة التزحلق على الجليد.كانت معظم الدراسات السابقة تتأسس على مبادئ علم النفس الفيزيولوجي ودراسات بافلوف وتلاميذه. وكان لإنشاء قسم الأبحاث العلمية التابع للمعهد المركزي للتربية البدنية في موسكو أثر إيجابي واضح على تطوّر علم النفس الرياضي في الاتحاد السوفياتي. وكان أحد أهم واجبات هذا القسم إجراء دراسات فيزيولوجية وطبية وقياسية ونفسية على الرياضيين. كذلك، أجرى الكثير من علماء النفس في معاهد التربية الرياضية في موسكو ولينغراد وتبليس دراسات لمشاكل نفسية مرتبطة بالنشاط الرياضي. وقد أدت هذه الدراسات إلى تجميع معلومات أسهمت في إيضاح مفاهيم بعض مواضيع علم النفس الرياضي الأساسية.أمثلة عن دراسات أجراها علماء في الاتحاد السوفياتي في أواخر الثلاثينات حتى أواخر الخمسينات مرتبطة بمجالات علم النفس الرياضي: - خصائص السباحة النفسية لشوكولين عام 1935.- الخصائص الانفعالية لجري المسافات القصيرة والمتوسطة والطويلة لتشيرنكوفا عام 1938.- الإحساس الحركي في السلاح لبوني عام 1940.- سمات الرياضيين الإرادية لروديك عام 1945.- دوافع النشاط الرياضي لروديك عام 1948.- الخصائص النفسية لحالات ما قبل المنافسة لبوني عام 1949.- تطور الميول الرياضية لبوني عام 1952.- خصائص الإدراك الزمني في الجري لرفالوفتش عام 1953. - أهمية إدراك الأداء البصري والحركي في الجمباز لسيميرانون عام 1953.- خصائص التفكير الخططي في الرياضة لجاجاييفا عام 1954.- تغير زمن الرجع للاستجابات الحركية تحت تأثير تمرينات الاسترخاء لنار كيشفللي عام 1954.- خصائص المهارات الحركية في الرياضة لروديك عام 1955م.- إعداد الرياضيين النفسي لليليان عام 1956.- أهمية الرياضة لتربية الشخصية لروديك عام 1956.في عام 1958 ألّف روديك أول مرجع علمي شامل في بعض مواضيع علم النفس الرياضي بعنوان علم النفس لمدرّسي التربية الرياضية والمدرّبين وتُرجم إلى لغات عدة.وفي أوائل الستينات احتل علم النفس الرياضي مكانة مرموقة في الاتحاد السوفياتي وأُنشئت أقسام مستقلة لهذا العلم في أكاديميات الثقافة البدنية في موسكو وليننغراد وتبليس احتوت على معامل علمية مجهزة بأحدث وسائل الاختبارات النفسية والقياس النفسي. وفي عام 1967، أُسّست الجمعية السوفياتية لعلم النفس الرياضي. وتضم راهناً ما يزيد على 190 عالماً يسهمون في إجراء كثير من الدراسات تبعاً لخطة علمية بهدف خدمة النشاط الرياضي على مختلف مجالاته ومستوياته.