السعودية... تسرع ببطء

نشر في 02-03-2010
آخر تحديث 02-03-2010 | 00:00
 مظفّر عبدالله أول العمود: نشرت مجلة نيوزويك العربية تقريرا ممتعا حول تصميم مبتكر لمسجد قدمته المعمارية العراقية العالمية المغتربة زها حديد، وسيحتضنه مجمع الأفنيوز... الغريب في الأمر توقع التقرير اعتراض شخصيات دينية كويتية على التصميم بسبب كونه مبتكرا وليس على الطراز الكلاسيكي للمساجد.

***

يدور جدل مستمر وتقييمات متباينة حول ما يحدث من حراك سياسي واجتماعي وديني واقتصادي في المملكة العربية السعودية، وتتركز الآراء حول: مراهن على نجاح ما يتم في المملكة دون اعتبار لأي رأي مضاد، وآخر يعزو التغيير إلى ضغوط دولية واضحة ليس للمملكة قدرة على مجاراتها، وثالث يرى ما يحدث على أنه شيء تأخر طويلا وأن تفعيله تحصيل حاصل.

والواقع أن أيا من الآراء السابقة لن يكون محايدا ما لم يأخذ في الحسبان مواصفات الدولة والمجتمع السعودي من زوايا عدة (العقائد الاجتماعية، المذهب الديني الغالب، طبيعة الاقتصاد الريعي، كفاءة المؤسسات الإدارية، الضغوط الإقليمية والدولية، نتائج ثلاث حروب في منطقة الخليج).

في المملكة اليوم حراك حقيقي مهما كان وصفنا لدوافعه، بضغط داخلي أو خارجي، أو بقناعة من مؤسسة الحكم، فالمؤكد أننا أمام تغيرات كبيرة ومهمة جداً إذا ما أخذنا في الحسبان مواصفات الدولة والمجتمع السعودي، وقد يقال إن ما تحقق من نتائج في السعودية بعد كارثة 11 سبتمبر لا يرقى إلى وصفه بالمشروع الإصلاحي العام، لكن تبقى هذه التغييرات محل تقدير وأهمية كبيرة، فهي بدأت بخطوات صغيرة وتستمر اليوم بقرارات ملكية نافذة وجريئة وبحركة اجتماعية غير منتظمة تسبح ضد التيار.

نتذكر هنا مبادرة 47 امرأة سعودية قدن سياراتهن في شوارع الرياض في 9 نوفمبر 1990، وما تمخض عنه لاحقا من تشكيل لجنة نسائية ضاغطة ترأسها فوزية العيوني للحصول على حق قيادة السيارة، وذلك بعد مرور 16 عاما على معاقبة من قدن سياراتهن. (يقابل هذا المثل حرق سيدة كويتية للعباءة في خمسينيات القرن الماضي كرسالة تعبير عن تحرير المرأة، مع الفارق في التشبيه).

وتلا ذلك لاحقا إصدار قرارات مهمة ومنها دمج مؤسسات التعليم الخاصة بالإناث والذكور تحت هيئة تعليمية واحدة، وتشكيل لجان عمالية للتجاوب مع مطالب منظمة العمل الدولية، ودخول منظمة هيومان رايتس ووتش لأكثر من مرة إلى المملكة بغرض التحاور مع السلطات السياسية والأمنية حول اشتراطات حقوق الإنسان.

ونتذكر أيضا عرائض المثقفين (إسلاميين وليبراليين) في الفترة من 2003- 2005 والتي تضمنت مطالب إصلاحية سياسية وإدارية ومالية جادة ودعوة لإنصاف المرأة وإطلاق سراح المساجين التي استقبلها العاهل السعودي بلفتة سياسية ذكية. نتذكر أيضا ميلاد جمعيتين للدفاع عن حقوق الإنسان في الفترة من 2004- 2006، وإجراء أول انتخابات لهيئة الصحافيين في يونيو 2004 حيث تخلت وزارة الإعلام لأول مرة عن تعيين ثلث المقاعد وطرحها جميعا للانتخاب، ثم قرار إصدار البطاقة الشخصية للمرأة السعودية كخطوة مهمة لتسهيل حركتها وتعاملها مع مؤسسات الدولة التجارية والإدارية، وصولا إلى إجراء انتخابات نصف عدد أعضاء المجالس البلدية في فبراير 2005 والتي يقدر عددها بـ178 مجلسا رغم توقف عملية الانتخابات لاحقا لأسباب يقال إنها متعلقة بتأني مؤسسة الحكم في دراسة مشاركة المرأة فيها.

كما صدر قرار ملكي بتوسيع عدد أعضاء مجلس الشورى في إبريل 2005 (يوجد ما يقارب 12 مستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى السعودي)، ويثور النقاش في المجتمع السعودي إلى إدخال آلية الانتخابات الحرة إلى جزء من أعضاء هذا المجلس، واستكمالا لخطوة الملك فهد- يرحمه الله- في إصدار النظام الأساسي للحكم الصادر في عام 1992 فقد تم في أكتوبر 2006 إصدار نظام هيئة البيعة التي منحت المؤسسة الحاكمة قدرا إضافيا من الاستقرار لعملية انتقال الحكم من شخص إلى آخر في العائلة الحاكمة لاختيار الأفضل بدلا من الآلية السابقة المعمول بها منذ عام 1930، وهي اختيار الأكبر سنا للحكم.

ونتذكر أيضا مبادرة الملك عبدالله بافتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بين المذاهب الإسلامية بمكة في يونيو 2008، وافتتاحه المؤتمر العالمي لحوار الأديان في يوليو من نفس العام في مدريد وبحضور 200 شخصية عالمية من مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين.

ويأتي عام 2009 ليتوج العاهل السعودي قراراته الجريئة بتعديلات وزارية شملت القضاء والمؤسسة العسكرية والتعليمية وحتى الدينية، وقد تم ولأول مرة تعيين سيدة هي نورة الفايز كنائب لوزير التربية. وتم تطعيم هيئة كبار العلماء برجال دين يمثلون المذاهب السنية الأربعة، وزيادة عدد أعضاء الهيئة ليصل إلى 21 عضوا.

وجاء اهتمام المملكة العربية السعودية بالعلم والتعليم ليبرزا إيمان القيادة السياسية بأهمية هذا الجانب في تطور المجتمع، فقبل عام 2003 لم تكن في المملكة سوى 8 جامعات، ولم يكن نصيب البحث العلمي من ميزانية الدولة سوى 0.25% في مقابل 10% للإنفاق العسكري، فيما يصل عدد الجامعات والكليات اليوم إلى مئة وأكثر، وكان آخرها افتتاح كلية الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (المختلطة) والتي تضم بين طاقمها التدريسي 24 شخصية أكاديمية حائزة على جوائز نوبل للسلام، ويقدر المحللون الاقتصاديون أن تساهم مخرجات التعليم في حل مشكلة البطالة والفقر في المملكة (يوجد ما يقارب 3 ملايين سعودي يعيشون تحت خط الفقر)، كما ستتآكل عملية تهميش المرأة من العمل في القطاعات الحكومية والخاصة مع مرور الوقت.

كل هذه الأحداث- وربما غيرها- بحاجة إلى مراقبة وملاحظة واهتمام حتى إن لم تأت ضمن مشروع إصلاح واضح الملامح، فالمجتمع السعودي له خصوصية يصعب معها الحديث عن تغييرات جذرية، لكن أي قرار أو تغيير نحو الأفضل في المملكة وإن كان في نظر البعض من قبيل الأشياء المنطقية في ميزان المجتمعات الأخرى يبقى أنه تغيير يجري في مجتمع مختلف سواء أتى هذا القرار من قمة الهرم أو من الحركة الاجتماعية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top