الروائي هيثم بودي: لا أكتب للمرفّهين بل لإحياء تاريخنا الوطني
يؤكد الروائي هيثم بودي أن روايته {الفنار} تتحدى الأعمال المغرقة في التجريب، ويصفها بأنها تتقاطع مع الواقع بشكل يشعر القارئ بأنه جزء منها، بينما يرى التجريب أضعف الأفعال الإنسانية وأقلّها تماسكاً. حول الرواية ومشواره الأدبي كان الحوار التالي:منذ طفولتك، اتجهت إلى قراءة الأدب المترجم، لماذا؟
في تلك الفترة كانت المكتبة العربية تعاني من قلة الكتب والقصص التي تهتم بالطفل أو المراهق، ما وفّر لي الفرصة لقراءة الأدب المترجم خصوصاً الكتب المطبوعة والملوّنة، كذلك قرأت آنذاك سلسلة {المغامرون الخمسة} المصرية الشهيرة.بعد ارتفاع حصيلة رواياتك الأدبية والتعرّف إلى واقع الأدب عن كثب، لا بد أن ثمة أولويات واتجاهات فرضتها عليك الخبرة الأدبية.لم أودّ أن أكون كاتباً فقد كنت منشغلاً في بداية حياتي العملية بأعمال التجارة، مارست كتابة القصة في عام 1995 باسم مقتطع هيثم عبدالله، ونشرت سراً في الصحافة عن طريق الفاكس، فلم يكن لي هدف حقيقي مرسوم، إلا أن هذا النشر دفعني الى دراسة السيناريو في العطل الصيفية من باب حب السينما، ثم تجمّعت قصص أكثر ففكرت بنشرها في كتاب باسم هيثم عبدالله، لم يكن هدفي سوى التخلّص من هذه القصص لترى النور فكانت النخيل، ثم ومن باب تحدّي الذات وتجربة الرواية كتبت {الطريق إلى كراتشي} التي فوجئت بحصولها على تنويه الجائزة العربية، وجعلتني أفكر أكثر في استكمال الكتابة الروائية، ثم اكتشفت أفقاً جديداً وفضاء فسيحاً وأن الأرض عطشى لمعرفة تاريخها، ما جعلني أحترم هذه الموهبة وأجعلها هدفي.ذكرت في أحد تصريحاتك أن للمترفين معاناتهم، أوليس للفقراء نصيب من كتاباتك؟لا أكتب للمرفّهين بل لأحياء تاريخنا الوطني لأن الحياة المرفّهة غزت الجميع بعد ظهور البترول، فلم تدع بيت حضر ولا بر ولا غني ولا فقير إلا ودخلته، فانشغل الناس بهذه الحياة وبانت الهوّة واضحة بعد جيلين عن معرفة الماضي الذي يشكّل هوية الإنسان ووطنيته، فآثرت الكتابة للذات المجتمعية وأهمية توازنها بين الماضي والحاضر وإحياء جذورها، ولقي جهدي بعد توفيق الله صدى وتفاعلاً كبيرين فحصلت روايتي {الطريق إلى كراتشي} على مركز أفضل الكتب مبيعاً لشهرين متتاليين، كذلك حوَّلت روايتَي الأدبيتين {الدروازة} و}الهدامة} إلى مسلسلين تلفزيونيين عُرضا على المحطات العربية والخليجية، ما أعطى لتاريخنا المحلي فرصة الظهورعربياً.هل يعاني الكاتب مشاكل في تسويق أعماله الأدبية؟ أبداً، نشهد راهناً ثورة في الكتابة والقراءة وتسويقاً غير مسبوق، لا سيما بعد ظهور المكتبات في {المولات} و{الميغامول} وقد تيسرت الأمور المتعلّقة بالطباعة والصف والإخراج والنشر، كذلك ساهم الإنترنت كثيراً في تذليل العقبات التي كانت تحاصر الكتاب، وبدأ البعض يمسك القلم مجسداً ما يدور في مخيّلته من أفكار، ويترجمها عبر شكل إبداعي جميل وتتولى إصداره دور نشر شبابية في الكويت أو الخليج. أعتقد بأن المعضلة تكمن في عدم قدرة الكاتب على ملامسة وجدان القارئ، مستخدماً لغة يخاطب فيها المثقفون، لذا يتجنّب الأخير اقتناء هذه النوعية من الكتب وبالتالي تعزف دور النشر عن طباعة هذه الأعمال وتوزيعها. بصراحة، نحن لا نعاني أزمة قراءة بل نشهد ثورة قراءة، ودليلي على ذلك ارتفاع نسبة مبيعات الكتب خلال الأعوام الأخيرة.حدّثنا عن روايتك الأخيرة {الفنار}؟تدور حول البطولة والأبطال الذي يشمّرون عن سواعدهم في المحن، الفنار المضيء والكاشف الليلي عن لصوص الشمال الذين تلصّصوا على ساحل لوزان في حادثة سرقة عام 1928 وكيف استطاع أضعف الموجودين من امرأة ورضيعها ورجل عجوز في صدّ هؤلاء اللصوص، ليتعرض الوطن ثانيةً لاختبار كبير فيعيد التاريخ نفسه ويعود اللصوص هذه المرة جنوداً مدججين بالسلاح، يتسوّر اثنان منهم بيتاً لثلاث مدرسات كويتيات إحداهن مريضة، وفي خضم هذه الظروف ترتدي النساء ثوب البطولة من دون موعد منهنّ، ليبقى الوطن فناراً خالداً لمن يحبّه ويفديه ولتشكّل الأجيال فيه البطولة والأبطال، كذلك فإن استخدامي للمرأة هو ترميز للوطن الباقي.يوصف نتاجك الأدبي بالسرد التقليدي، هل يضايقك هذا التوصيف؟السرد التقليدي أو الكلاسيكي هو الخالد لسبب بسيط وهو أنه فطري وما هو فطري هو الباقي. بقاء الحكاية منذ نشأة الخليقة في شكلها الواحد وحتى الآن هو ما يمارسه الناس في قصصهم وحكاياتهم اليومية وهو ما يفهمونه، أما الأدب الحديث المغرق في التجريب فسيزول مع زوال معطياته، لأنه يظهر كرد فعل لفترة زمنية متغيرة أو ظروف وسرعان ما يزول مع زوال السبب، فهو أضعف الأفعال الإنسانية وأقلها تماسكاً.لا تنسَ المرونة في الكلاسيكية التقليدية ووجود فسحة كبيرة للكاتب لتحديث إضافاته الخاصة وتطويرها، استخدمت حبّي للسينما ودراستي الإخراج في السرد، ظهر ذلك في انتقاء زوايا التصوير التخيلي من المشهد الافتتاحي العام إلى اللقطة القريبة إلى لقطة البانوراما إلى {الشورت كت}، وابتعادي عن الكتابة بضمير الأنا الشهير في الأوساط الأدبية لضيقه من تعدّد أصوات الشخصيات الأخرى وأنانيته المفرطة واحتكاره للخطاب السردي، كذلك استخدمت أسلوب {الفلاش باك} للرجوع الى الماضي، هذا كلّه ضمن الإطار الكلاسيكي التقليدي الخالد، فتطوير التقليدي وتحديثه هو التحدّي الحقيقي للكاتب وإذا نجح في ذلك سيظل باقياً في ذاكرة القارئ، كونه أضاف تطوراً جديداً غير مسبوق ووضع بصمته عليه.هل تعتقد بأن بوابة التلفزيون ستوصلك إلى حلمك السينمائي؟سعيت الى السينما ولم أجدها وسعى إليّ التلفزيون فوجدني جاهزاً للسينما، قررت التوقّف هذا العام عن الكتابة للتلفزيون على أن أكتب عملاً جديداً للعام المقبل، وسأنتظر السينما يوماً ما لأختبر الحلم فها أنا في انتظار الاختبار، أو اختبار الانتظار.